خطأ المؤلف الموسيقي (أمين بوحافة) في تتر مسلسل (الحشاشين)
كتب : أحمد السماحي
أثار مسلسل (الحشاشين) الجدل منذ بداية عرض أول حلقاته، وجعل كثير من الشباب يعود إلى القراءة مجددا، ويبحث عن الفترة التاريخية التى يتحدث عنها المسلسل ويقرأ عنها.
وهذا في حد ذاته شيئا رائعا، وغاية ما يتمناه أي مبدع، أن يحث عمله الشباب وغير الشباب على القراءة والاطلاع، كما أن الجدل الذي أثاره (الحشاشين) – بعيدا عن الذباب الإلكتروني – صحي جدا، ويؤكد نجاح المسلسل.
وأكثر ما أسعدنى تفاعل الجمهور على (السوشيال ميديا) مع قصة، (الحشاشين)، ومع أبطال العمل والإشادة بالمجهود المبذول فى المسلسل، وهذا يبرهن على وجود متابعين، وجمهور قادر على تقييم الأعمال، والتمييز بين العمل الجيد، وغيره من الأعمال.
ولقد توافر في (الحشاشين) كل العناصر الأساسية للنجاح سواء من خلال شركة الإنتاج، أو الكتابة المتميزة للمبدع عبدالرحيم كمال، أو المخرج المتميز بيتر ميمي.
فضلا عن طاقم عمل أقل ما يمكن أن نقول عليهم أنهم رائعين، فالديكور موظف توظيفا جيدا، والملابس والأزياء في غاية الدقة، والأضاءة في أفضل حالاتها، والأداء التمثيلي رائعا.
موسيقى أمين بوحافة
وتوجت موسيقى الموسيقار التونسي الشاب (أمين بوحافة) كل هذا من خلال موسيقى متميزة للغاية، استطاعت أن تترجم روح النص، وشعرنا من خلالها بالغموض والصوفية، والرهبة، وأشياء كثيرة جدا عزفت عليها الموسيقى.
والحقيقة أن هذا ليس غريبا على مؤلفات (أمين بوحافة) الموسيقية، والتى أقامت جسور ألفة بينه وبين المستمع، وفي كل مقطوعة إحساس جديد يبني بوحافة أنغامه عليه.
والمستمع لموسيقى (الحشاشين) يجد حنين خفي وتأمل، لا يوجد عرس من طرب، ولا تقاسيم تزغرد، ولكن قراءة موسيقية للأحداث نابعة من روح الدراما.
وهذه القراءة الموسيقية تتفجر وتوزع أسهما من نار على رحلة (حسن الصباح) بكل تعراجاتها، ومنحنياتها، واستطاع (بوحافة) أن يتنقل موسيقيا من بلد إلى أخرى في الرحلة خالقا من مقطوعة إلى أخرى أزمنة ملحمية.
متعريا من ثقل الزمن، مسافرا في زمن أخر، ليدخل عالما انطباعيا حديثا مكملا الماضي على سكة التطور، خالقا هارمونية خاصة بعالمه الإبداعي لا تماشيا مع الرائج والشائع.
خطأ (أمين بوحافة)
الشيئ الذي آخذه على (أمين بوحافة)، أنه عندما استعان بالمنشد وائل الفشني ليغني أبيات قليلة جدا من (رباعيات الخيام)، لم يرجع إلى الرباعيات الأصلية التى ترجمها أحمد رامي ونشرها عام 1924، أي منذ 100 عام بالتمام والكمال.
ولكن (أمين بوحافة) بالاتفاق أكيد مع فريق عمل (الحشاشين)، استعان بنفس بداية رباعيات الخيام التى قامت بغنائها سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
والتى طلبت من أحمد رامي تغيير بعض الكلمات التى وجدت أن المجتمع المصري لن يستسيغها عندما تقوم بغنائها، فغير رامي كلمتى (ألحان، والطلى) من بداية الرباعيات والتى كانت تقول في الأصل :
سمعت صوتا هاتفا في السحر
نادى من ألحان غفاة البشر
هبوا املأوا كاس الطلى قبل أن
تفعم كاس العمل كف القدر.
كنت أتمنى أن يعود (أمين بوحافة) إلى الأصل في الرباعيات، طالما قدم عمل موسيقي مختلف، وموزع بشكل عالمي.
وذلك حتى يشعر المتلقي بأنه يسمع رباعيات مختلفة، لكن أن يقدم نفس الأبيات التى قدمتها أم كلثوم، فهذا أرجعنا إلى سنة 1950، مولد غناء الرباعيات، وليس إلى عام 1076 مولد أحداث المسلسل!.
أحمد رامي وترجمته للرباعيات
بمناسبة مرور 100 عام على نشر رباعيات الخيام، تعالى معي عزيزي القارئ لنقرأ ما كتبه شاعرنا الكبير أحمد رامي عن ظروف ترجمته للرباعيات، حيث قال في مقدمة كتاب (رباعيات الخيام):
(أوفدتني دار الكتب المصرية سنة 1923 إلى باريس لدرس الفارسية في مدرسة اللغات الشرقية، فقرأت أبوابا عدة من الشاهنامة، وجلستان وأنور سهيلي المعروف بكتاب (كليلة ودمنة).
ووقعت لي نسخة (رباعيات الخيام) التى قام بنشرها سنة 1867 المستشرق الفرنسي (نيقولا) عن نسخة طهران، فانقطعت لقراءاتها، ودراستها.
حتى إذا انتهيت منها، دار بخلدي أن أنقلها عن الفارسية إلى الشعر العربي رباعيات كما نظمها الخيام، وشجعني على ذلك افتقار اللغة العربية في ذلك العهد إلى هذه الرباعيات منقولة عن الفارسية.
ونصبت نفسي لذلك، فراجعت نسخ الرباعيات الخطية المحفوظة في دار الكتب الأهلية بباريس، وسافرت في مستهل سنة 1923 إلى برلين فراجعت النسخ الخطية المحفوظة في القسم الشرقي من مكتبتها الجامعية.
وعدت إلى باريس فراجعت ما أودع في مكتبتها، وقرأت ما ورد عن الخيام في أسفار هذه المكتبات، وفي ربيع سنة 1924 سافرت إلى لندن فراجعت مخطوطات هذه الرباعيات في المتحف البريطاني.
وقرأت الكتب التى تناولت الخيام من بين مجلداته، وانطلقت إلى كمبردج فراجعت مخطوط جامعتها، وقابلت المرحوم الأستاذ (براوي) الذي وقف عمره على دراسة الآداب الفارسية وأنست إلى رأيه.
ثم عدت إلى باريس، وانقطعت لإتمام ترجمتي لهذه الرباعيات، وبدأت ترجمتي بعد أن وصلني نعي أخي الشقيق الذي مات ودفن في غيابي، فاستمددت من حزني عليه، قوة على تصوير آلام الخيام.
وظهر لعيني بطلان الحياة التى نعى عليها في رباعياته، فحسبتني وأنا أترجمها أنظم رباعيات جديدة أودعها حزني على أخي الراحل في نضرة الشباب، وأصبر نفسي بقرضها على فقده.
وما إن انتهيت من دراستي، ونلت دبلوم مدرسة اللغات الشرقية في اللغة الفارسية رجعت إلى مصر، وأخرجت الطبعة الأولى من ترجمتي للرباعيات في صيف سنة 1924.