بقلم: علا السنجري
شد انتباهي مسلسل (جولة أخيرة)، ليس بتمثيل (أحمد السقا)، ولكن بثرائه في الموضوعات التي يتناولها، رغم أن السيناريو وقع في خطأ المط والتطويل لأحداث جانبية رغم عدد الحلقات القليلة، ربما كانت القصة مناسبة أكثر للسينما من الدراما التليفزيونية.
(جولة أخيرة)، مسلسل ناقش الأبوة والخوف من أن يكون البطل نسخة من والده، لمعاناته من تدخل والده في الملاكمة، وفرض عليه دراسة الطب يكون طبيبا كما فعل جده مع أبيه.
محاولات (يحيى) التواصل مع ابنته ليعود بطل في نظرها، خاصة بعد انفصاله عن والدتها، عالم الملاكمة (الأندرجراوند) الذي ذكرني بفيلم الحريف ومباريات الشارع، عالم المراهنات الذي أشك أنه موجود في مصر حسب علمي.
وربما أخطر موضوع تناوله مسلسل (جولة أخيرة)، بشكل جانبي دون التعمق به ربما لان ليس له علاقة كبيرة بالحدث الرئيسي، غير أنه يوضح علاقة البطل بعلياء.
وهى واحدة من عالم العاهرات في المراكب السياحية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وأمهات شبكة بماضيهم في سابقة سجن لممارسة الدعارة تحت إشراف (عزت) القواد.
تدور الأحداث حول (الدكتور يحيى) الذي يعاني من ذنب موت (سند) في مباراة للملاكمة لعالم المراهنات السري، ينفصل عن زوجته وتترك له ابنته لسفرها وزواجها من آخر.
الابنة تعاني مع والدها لظروفه الصعبة من تهالك البيت وجدها المصاب بالزهايمر، مدربه القديم (تامبي)، الذي يبحث عن ولده والذي يعترض على عودة (يحيى) للملاكمة نظرا لكبر سنه وفقدان اللياقة وبسبب مرض الزهايمر المبكر.
يتشاجر مع (شبكة) الذي يساعد يحيى للعودة من عمله، نجد شبكة يعيش مع ثلاث امهات على صراع معهم بسبب ماضيهم ومحاولته أن يصوب تصرفاتهم.
علياء زوجة (سند) المتوفى وتعيش لابنتها لتعمل كفتاة ريكلام في مركب سياحي وتصور فيديوهات على الانترنت.
(أحمد ندا) المؤلف، ربما كان يقصد أن يكون الموضوع الرئيسي الظاهر من وجهة نظري، هو محاولات (يحيى) للعودة للملاكمة.
تيمة مسلسل (جولة أخيرة)
لكن التيمة الأساسية في مسلسل (جولة أخيرة)، هو افتقاد الأبوة، (يحيى) يعاني من مرض والده رغم احتياجه له ليفخر به بسبب بطولاته كـ (شجيع)، ابنة يحيى (فريدة) هى أيضا تعاني في علاقتها بوالدها بعد انفصال والدتها.
(علياء) تفتقد أب لابنتها جنا، حتى (شبكة) يرى في (يحيى) الأب الذي لم يعرفه لتواجده بين ثلاث أمهات لديهم سابقة سجن لممارسة الدعارة.
(تامبي) يفتقد ابنه ويبحث عنه، علاقات متشابكة توضح أهمية الأب في حياة كل من الأبطال، كما يحسب له مناقشة مرض (ألزهايمر) وتقديمه بشكل مختلف عما قدم من قبل.
فهو ليس مرض مسح ذاكرة فقط، ولكنه مرض قد يكون مميت ومؤذي جدا للمريض واحتياجه لمعاملة خاصة وعناية دائمة.
السيناريو والحوار في مسلسل (جولة أخيرة)، استطاع (محمد الشخيبي) توضيح تلك الفكرة، خاصة في حوار كل من (يحيى وشبكة).
ربط عالم العاهرات السري بعالم الملاكمة السري جيد، خاصة في الفرق الزمنى، ففي السابق كانت عالم المراهنات للملاكمة سري في (الأندرجرون)، والآن له برامج تليفزيونية وصحافة بالطبع دون مراهنة علانية.
أذكر أن أحد القنوات العربية قدمت برنامج مسابقات لهذا النوع من الملاكمة، ربط عالم العاهرات قديما بالقبض عليهم في الشقق، ليتطور الأمر الآن ليصبح عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والمحتوى المخجل الذي يقدم من أجل الحصول على المال، الشخصيات رسمها المؤلف بشكل جيد بدوافعها المختلفة.
الحلقتان الأخيرتان من مسلسل (جولة أخيرة)، هما ميزة في العمل، إنهاء جيد لموضوعات طرحت، عودة ابن تامبي واعتراف (يحيى) بمرضه لطليقته وابنته، وشبكة يترك أمهاته الثلاث.،
فوز (يحيى) وبداية النسيان في مرحلة جديدة من مرضه، فلم تأتي نهاية سريعة غير منطقية لكل ما سبق من أحداث.
لا أعرف كيف يرى البعض أن المسلسل عودة جيدة لأحمد السقا، من وجهة نظري لا تغيير في الأداء، بل هو أداء (أحمد السقا) النمطي، كما ان ملامح وجهه وجسده ثابتة لا تستطيع أن تحدد مشاعره.
(أشرف عبد الباقي) برع في (تامبي)
بل جسده أيضا أصابه نوع من التخشب في الحركة ببطء فيما عدا مشاهد التدريب والملاكمة، أسلوبه المعتاد في التمثيل هو ما قدمه ولكن بشكل روتيني بطيء.
(أشرف عبد الباقي) في دور (تامبي) يقدمه كفنان متمكن من أدواته كبدايات مشواره الفني، بعيدا عن مسرح مصر وإفيهاته المصطنعة، قدم المدرب الذي يعاني من فقدان الابن.
استطاع بشكل جيد توصيل مشاعره بالملامح وتعبيرات وجهه المختلفة، بما جعله بعيدا عن التكرار في الأداء، من خلال التعمق في الشخصية قدم مشاهد رائعة خاصة التي جمعته مع (أحمد السقا)، لتختلط مشاعره بين الصديق والأب تجاهه.
(رشدي الشامي) أستاذ تمثيل حقيقي
الفنان (رشدي الشامي) اعتبره أستاذ حقيقي للتمثيل، فقد قدم دور صعب جدا لمريض (ألزهايمر)، رغم مشاهده القليلة، لكنه قدم أداء مؤثر بتعبيرات صامتة بوجهه، وبحركات جسده يجعل الجمهور يفهم أن مرض (ألزهايمر) مرض قاتل للمريض ولمن حوله ويحتاج لعناية خاصة جدا.
كذلك الطفلة (ملك فهمي) وقفت نجمة كبيرة تعبيراتها الصامتة أيضا لتعبر عن خوفها وغضبها وقلقها بشكل جيد جدا.
(أسماء أبو اليزيد) تستطيع التلون في الأداء، لتكون السهل الممتنع الذي يجعلك تنسى أنه مسلسل.
الثلاثي (صفاء الطوخي وحنان سليمان و سحر رامي) إبداع فوق الوصف، أداء مبهر لعاهرات اعتزلوا المهنة بعد القبض عليهم، ليتوبوا ويساعدهم ابنهم في التوبة بالمراقبة وإجبارهم على الطريق الصحيح ، لكن (نوسة) والدته يغلبها طبعها وتتزوج القواد.
(علي صبحي)، هو الإضافة المميزة
في كل عمل درامي تظهر موهبة جديدة تكون إضافة مميزة، وهنا (علي صبحي)، هو الإضافة المميزة في (جولة أخيرة)، قدم شخصية (شبكة) باقتدار وأداء جيد جدا.
(شبكة) ابن ثلاث أمهات لم يعرف من هو أبوه الحقيقي، غير اسم يحمله ليحصل على شهادة ميلاد رسمية، مما دفعه أن ينظر ليحيى ووالده بافتقاده لفكرة الأب.
أغلب مشاهده تهديد ووعيد لشعوره أنه بلا سند، معاناته لبقاء أمهاته تحت طوعه، أفضل مشاهده من وجهة نظري حين قرر التخلص من أمهاته وخروجهم من البيت، ومشاعره تمتزج بين محاولة الشبع من الأكل لانه اخر مرة يراهم، وغزارة دموعه لخسارته وبقائه وحيدا.
استطاع علي صبحي بجدارة تقديم (شبكة) بكل عقده ونفسيته المجهدة من ظروف تربيته.
(حنان مطاوع) في عدد مشاهد قليلة قدمت أداءا عاليا وبقوة وثقل موهبتها، لتزيد من جمال الأحداث والحوار بينها وبين (يحيى).
المخرجة (مريم الأحمدي) قادت العمل بأسلوب متناغم إلى حد كبير في اختيار الكادر وزوايا التصوير والاهتمام بالتفاصيل في حركة الكاميرا، لكن مشاهد مباريات الملاكمة تساهلت فيها لتأتي بأخطاء سيئة في الراكور وزوايا التصوير.
رغم أنها أجادت مشاهد أخرى بجمالية الكادر بين (حنان مطاوع والسقا) بين الأب وابنه ،كما يحسب لها اختيار عناوين الحلقات بكلمات من أغاني منير.
استطاع (خالد الكمار)، أن يجعل الموسيقى التصويرية جزء من الأحداث، اختيار الأغاني تم توظيفها بشكل جيد.
وأغنية التتر لفريق (مسار إجباري)، والتي كلماتها كالآتي:
(وانا كنت شجيع السينما ف نكتة قديمة
وحكايتي فقلبي محدش غيري قراها..
أنا وجعي ف خوفي وخوفي راسملي متاهة..
بتمرجح بين استسلم..؟ مستسلمش؟)
معبرة جدا عن شخصية البطل في مسلسل (جولة أخيرة) يحيى وما سيمر به، كذلك اختيار ذكي جدا لجعل أغاني (أحمد منيب ومحمد منير وحميد الشاعري) كخلفية للمشاهد.
العمل بما يحمله من إيجابيات وسلبيات، إلا أنه موضوع جديد مختلف رغم تشابه إلى حد كبير مع آخر أفلام سلسلة (روكي)، إلا أنه إشارة لعلاقة الأبوة الجيدة.
خاصة بعد إهداء (أحمد السقا العمل) إلى روح والده مخرج العرائس (صلاح السقا الذي قدم العمل الرائع (الليلة الكبيرة)، واختيار اسم (شجيع) من مونولوج شجيع السيما الذي قدم في الأوبريت، هى لفتة رائعة من الابن لأبيه الراحل.