كتب: محمد حبوشة
أثبت مسلسل (وبينا ميعاد 2) أن القيم الأسرية تعتبر منظومة من مجموعة قيم تشكل ثوابت راسخة: كالتربية الحميدة والثقافة العامة والهوية الوطنية والانتماء وغيرها، فتعمل الشعوب على تنمية هذه المجتمعات وترقيتها بأساليب متعددة منها المسلسلات.
فقد أكد (وبينا ميعاد) على تثبيت قيم الجتمع المصري، ونشرها، أو السلبية لتعديلها واستبدالها بأفضل منها، وبما أن هذه المنظومة الأسرية محط أنظار الجمهور فقد سعى إلى اختراقها ليزعزع بنيانها ويتدخل في تركيبتها.
ومن هنا فإني أرى أن مسلسل (وبينا ميعاد) من المسلسلات التي تستخدم كسلاحٍ ناعم ويد خفية تنقل القيم الثقافية بين أفراد المجتمع، وتختلف أهداف ورسائل هذه المسلسل بحسب مناطق إنتاجه وإخراجه.
لاحظت أن مؤلف (وبينا ميعاد) يعرف ما هو المجتمع التي يتتوجه إليه ليبث أنواعا مختلفة من الثقافات والقيم الغازية والمفاهيم الجديدة، ويعمل في الوقت ذاته على تعديل بعضها وأحياناً تعمل على إلغاء بعضها الآخر.
لذلك انتبه (وبينا ميعاد) لما يحتويه قبل أن يتلقفه المؤلف (هاني كمال) ويحترز من سلبيات المجتمع وما يترتب عليها والتي نجدها كالآتي:
تفكك الأسرة: فقد راعى (هاني كمال) الهدف الأساس من مسلسه، وهو الأسرة، فقد سعي إلى استهداف الركن الرئيسي فيها ألا وهو المرأة؛ كونها الأكثر مشاهدةً لهذه المسلسلات.
ولم يلعب (وبينا ميعاد)على وتر إضعاف التدين: فهي تسعى الى ترويج المعتقدات العلمانية وتشويه الدين وإبراز صورته على أنه يحد الفكر والحركة، وتدعو الى التهاون في الواجبات الدينية من خلال الاقتداء بالنماذج المصطنعة.
(وبينا ميعاد) يحمي أولادنا
وأمام هذه المغريات والغزو الثقافي جاء (وبينا ميعاد) بجملة من الإجراءات لحماية أنفسنا وأولادنا: من خلال الحذر من الأهداف التي يسعى إليها الغرب في استهداف إسلامنا وقيمنا وأخلاقنا لإضعاف مجتمعنا الحصين.
ومن هنا ذهب (وبينا ميعاد) إلى أنه يتوجب على المدارس اتباع مناهج تربوية متقدمة تمنح الوعي اللازم للطلاب حول مخاطر نظرية العولمة ومدى تأثيراتها على الجيل القادم.
وأكد (وبينا ميعاد) على أن المجتمع بأكمله أمانة في أيدينا، علينا أن نتعاون جميعا لحفظه بما أوتينا من قدرات ولا ننسى أنهم يدسون لنا السم في العسل؛ ليسلبونا إسلامنا وأخلاقنا العريقة.
ركز (هاني كمال) في سيناريو (وبينا ميعاد) المحكم، والحوار البديع، على أن الأسرة تمثل مظهرا من مظاهره وشكلا من أشكاله، وهو يضم أشكالا أخرى من العلاقات كالصداقة وروح التعاون بين أفراد الأسرة من بنين وبنات لإنجاح المنظومة.
إقرأ أيضا : فضفة تفتح باب الرومانسية بين (صبرى فواز وشيرين رضا) في (وبينا ميعاد)!
يمكن إطلاق صفة الواقعية على مسلسل (وبينا ميعاد)، وليكون الواقع الذي يقدمه هذا المسلسل نسويا بامتياز، ولعل هذه الصفة ستكون فضيلة المسلسل الكبرى بما يتناغم مع اعتقادنا بأن المجتمع أي مجتمع يمكن معاينته من وضع المرأة فيه.
وليقدم هذا المسلسل مقاربة واقعية وراهنة لأوضاع المرأة في المجتمع المصري وعلى امتداد خطوط درامية كثيرة متداخلة من خلال علاقات اجتماعية خاضعة للراهن والمتغير في هذا المجتمع.
طبعا هذه ملامح من الخطوط الدرامية التي قدمها (وبينا ميعاد) مع وجود خطوط كثيرة متناسلة من تلك الرئيسة، مثل حال الأسرة المصرية، وغيرها مما سيضعنا أمام أزمات اجتماعية هي بالأساس اقتصادية تطال كل شيء.
فالتعنت في التربية أداة لممارسة التسلط واضطهاد المرأة، وفي الوقت نفسه مادة للازدواجية في وسائل التربية الصحية لما سيطالها من تحولات، منفتح على خطأ وصواب الإنسان وخطأه، ووضع الحدود الضابطة للمنظومة الأسرية.
(وبينا ميعاد).. وقوة المرأة
(وبينا ميعاد) من الأعمال الدرامية، التي تجسد فيها المرأة أدوارا تظهر قوة الشخصية والاستقلالية ومدى قدرتها على التغلب على العقبات وتحقيق أهدافها.
وهذه الشخصيات غالبا ما تتحدى الأدوار والتوقعات التقليدية التي اعتادت الدراما على عرضها، فدائما تجسد المرأة الأدوار الأكثر تقليدية، مثل: (الزوجات والأمهات وربات البيوت)، والتي تظهر كشخصيات مطيعة تقدم التضحية.
ومن هذا المنطلق قدم (وبينا ميعاد) القضايا الأسرية بوصفها قيمة جمالية تقدم لفئات متعددة من المجتمع، إذ يحاول صناعه الارتقاء بها شكلا ومضمونا، كما يمكن إيصال العديد من الرسائل إلى المتلقي بهدف زيادة الوعي لديه.
حيث قام (وبينا ميعاد) بدورها فى ممارسة عملية النقد الاجتماعي، وطرح القضايا بأساليب مختلفة من المعالجات الإبداعية، وما قبله إلى العديد من الأزمات الاجتماعية التي أثرت بشكل جذري في جوانب الحياة المختلفة.
حافظ (هاني كمال) على الإيقاع نفسه الذي جاء به في الجزء الأول من (وبينا ميعا)، ولم يدخل على العمل شخصيات جديدة إلا القليل منها، وعالج قضايا اجتماعية واقعية، مثل السمنة التي تعانيها الطفلة (نيللي/ كنزي رماح).
وعالج أيضا مشاكل الأزواج الجدد، والآباء الجدد، بلا موعظة مباشرة، ولا فلسفة غير واقعية، لذلك نحب الحوار فيه، نحب تطبيق العلاج بالكلام والعقل والتفاهم في حياتنا، ومع أبنائنا، وأصدقائنا، كما نحب الأخطاء التي تقع فيها الشخصيات، فنشعر بأنها تشبه كل الناس.
حقيقة استمعت بهذا المسلسل (وبينا ميعاد)، الذي يمثل الطفرة التى تظهر من وقت إلى آخر بين الأعمال الدرامية، كما أن المسلسل عاطفى رومانسى فلسفى بالرتبة الأولى، واجتماعى بالثانية.
أما فيما يتعلق بالشخصيات فقد تناول النقاد شخصيات المسلسل من جهتين: الأولى الشخصيات المتحركة داخل العمل، والحكم على مدى توفيق الكاتب فى نسجها وتكوينها بما يتسق مع فكرة العمل.
رسالة (وبينا ميعاد)
والثانية شخصية الممثلين الحقيقية والحكم على درجة أدائهم الدور المكتوب، وأبرز خلاصة هذا هو الخلط الشديد بين الشخصية الحقيقية للممثل والشخصية المرسومة فى النص.
لكن المسلسل يقدم وجبة مشبعة بالجمال، جمال النفس والروح، جمال الناس والمخلوقات، جمال الطبيعة البشرية، جمال الواقع، تلك هى رسالة الكاتب (هانى كمال) الذى نقلها إلى الناس من خلال قالب اجتماعى.
وربما يكون هذا المسلسل ليس جديد فى مضمونه الذى يحكى قصة حب جمعت بين البطل والبطلة رغم ظروفهما الحرجة، لكنه فى الحقيقة اكتسب تفرده من الشكل والتفاصيل، فنجد تكثيفا لملامح الحب والرومانسية والجمال.
إقرأ أيضا : في حرب غزة.. (الدراما) التلفزيونية تصارع من أجل البقاء !
قدم (وبينا ميعاد) حالة خاصة في كيفية تربية النشأ، من خلال حوار جميل في تصاعده وهبوطة وذهابه إلى مناطق دافئة في حياتنا، وكأننا نرى صبرى فواز وشيرين رضا لأول مرة.
وأيضا كأننا نرى النيل والمنيل وجزيرة الروضة وغيرها من أماكن القاهرة الساحرة، وفي النهاية نتعايش مع شخوص حقيقية من لحم ودم، مشاعر حقيقية، وجوه تنبض بالحب وتدعو له وتؤمن به حقيقة مطلقة.
صاغ لنا (هانى كمال) حكاية تبدو بسيطة منذ الوهلة الأولى، لأنها تروى مواقف فى حياتنا، يومياتنا، آمالنا، معاناتنا، لحظات فرحنا وحزننا ضحكاتنا البريئة من القلب، وتصاعد بالحدث بهدوء وروية، واستطاع تغليف هذه الحكايات فى إطار جاذب من الحب والشغف والترقب.
خرج مسلسل (وبينا ميعاد) من حسبة برما المعتادة، حين يلجأ صناع الدراما الناجحة في جزء ثان، والتى أصبحت تتحكم فى تنفيذ أغلب أعمالنا الدرامية، خاصة أنهخ منذ أصبحت الأعمال تكتب خصيصا للنجم، ولابد أن يكون موجودا من الجلدة للجلدة.
نجا (وبينا ميعاد) من الفخاخ
وهو الذى يرشح العاملين معه.. و..و.. و، وبعد أن أصبح التأليف يتم داخل (ورشة كتابة)، وبعد أن صار تسكين الممثلين فى أدوارهم يخضع لحسابات وتربيطات لاعلاقة لها بالفن؟!
نجا (وبينا ميعاد ) من هذه الفخاخ بفضل إخلاص ودأب وموهبة مؤلفه ومخرجه (هانى كمال) ومنتجه إبراهيم حمودة.
لذلك يندهش البعض من حالة التجلى والسلطنة التى يظهر بها المهندس حسن – الشهير بصبرى فواز – والذى يأخذ فرصة البطولة المطلقة لأول مرة بعد 32 سنة من ظهوره فى مسلسل (الوسية – 1990).
هذا الانصهار مع الشخصية سببه الأول (ورق) جيد ومخرج مهنى وواعى، وفنان موهوب، فلامجال للفنان سوى الإبداع إذا كان موهوبا، فكأننا نعيد اكتشاف صبرى فواز.
وبالمثل (شيرين رضا) التي يعتبر مسلسل (وبينا ميعاد) أول بطولة مطلقة فى الدراما، (قدمت فوازير رمضان 1989)، وانقطعت بعدها ثم عادت للتمثيل منتصف التسعينييات، وقدمت عدد من الأدوار المهمة فى الدراما مثل (بدون ذكر أسماء، فوق مستوى الشبهات).
إقرأ أيضا : دفتر أحوال (الدراما) لشهر يناير 2024
لكنها هنا مختلفة مساحة تمثيل بجد، مشاعر حقيقية، معايشة كاملة لشخصية نادي التي جسدتها ببراعة مطلقة تؤكد موهبتها في الأداء الاحترافي، وقد تبارى معها في الأداء كل من (عايدة فهمي، عبد الرحيم حسن، محمد سليمان، بسمة، وفاء صادق، محمد مهران، وهاجر الشرنوبي).
فضلا عن مجموعة الشباب الموهوبين جدا (داليا شوقي/ هند، أسامة الهادى/ طاهر، أميرة أديب/ هند، آية سليم/ أروى، يوسف الكدواني/ علي)، تسنيم مطر/ ليلى، يوسف إبراهيم، مراد، كنزى رماح/ نيللى، محمد العزازي/ مصطفى/ ديشا)
وحتى (مصممة الأزياء، مهندس الصوت، مهندس الديكور، المونتاج، مدير التصوير الفنان الرائع الذى قدم لنا أجمل صورة طوال الحلقات).. كلهم برعوا في أداء مهامهم، ليقدموا لنا مسلسلا بديعا على مستوى الشكل والمضمون.