سر إعلان رئيس الوزراء رحيل (أم كلثوم) قبل موتها، وكيف كانت ليلة وداع ثومة ؟!
كتب: أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى الـ 49 لرحيل كوكب الشرق (أم كلثوم)، المعجزة الخالدة، والأسطورة المبهرة، وقيثارة الأمة العربية، وصوت الوحدة العربية.
والصوت الذي لم يستطع الزمان حتى هذه اللحظة أن يقهره، أو يبعده يوما ولا حتى ساعات عن عقل وقلب ووجدان المواطن العربي في كل مكان.
ففي كل مكان في العالم العربي تجد صوت (أم كلثوم) يطل عليك، ويعانقك من سيارة، بلكونة، من حارة، من هاتف جوال، من شاحنة نقل.
فصوتها مازال صديق لنا جميعا نستدعيه في كل لحظة حتى يخفف عنا الأعباء الاقتصادية الصعبة، والظروف السياسية المتدهورة.
السؤال المرتجف.. كيف حال الست؟
اليوم سنعود بكم من خلال تجميعي لبعض ما كتب في جرائد ومجلات مصر عن يوم رحيل كوكب الشرق (أم كلثوم)، ماذا حدث في هذا اليوم؟!
كيف حال الست؟! سؤال مرتجف واحد شغل مئة وعشرين مليون عربي مدة أسبوعين، منذ يوم الثلاثاء 21 يناير وحتى الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم الاثنين 3 فبراير.
أي منذ تناقلت وكالات الأنباء والإذاعات العربية والعالمية نبأ مرض (أم كلثوم) الشديد، وحتى صعدت روحها المشرقة إلى جوار ربها.
ملايين العرب اشتركوا في دعاء واحد، انطلق من صدورهم إلى السماء في أن تجتاز السيدة (أم كلثوم) المحنة المرضية بسلام وتعود إلى جمهورها أو حتى إلى نفسها!.
لأول مرة تتوحد القلوب الصغيرة والكبيرة، الغنية والفقيرة، لتنقل دعاء واحدا صادقا عنوانه الوفاء والحب لامرأة أعطت ذاتها عبر حنجرة ذهبية، وحالة فنية نادرة إلى كل العرب، فإستحقت مجموع قلوبهم عرشا حيا تجلس عليه.
طائرة خاصة لـ (أم كلثوم)
الرئيس محمد أنور السادات اتصل باستمرار مستفسرا، بعدنا أمر بتقديم أية خدمة للست متوفرة لدى الطب في مصر أو في أية عاصمة في العالم.
الأمير عبدالله الفيصل وضع طائرته الخاصة في تصرف الأطباء لنقل (أم كلثوم) إلى أي بلد يراه الأطباء مناسبا، أحمد رامي شاعر الست غادر فراش المرض ليكون بجوار ملهمته.
الموسيقار محمد عبدالوهاب كان يقرأ القرآن ويبتهل في أن يطول الله بعمر الست، كل أسرة مصرية كانت تشعر أن عزيزها هو الذي تطويه محنة المرض.
وهو الذي يموت، لأن الست كانت عضوا في بيت كل أسرة مصرية، وبذلك وحدت (أم كلثوم) التى وحدت العرب من المحيط إلى الخليج حول حنان وقوة وعبقرية صوتها، جعلتهم يرفعون أكفهم ويضعونها على صدورهم لمدة أسبوعين.
أكثر من ذلك أن البعض لم يصدق أن الله يمكن أن يترك ثومة أربعة عشر يوما، تتعذب بين الحياة والموت، فخيل إليه أنها ماتت في اليوم الأول!.
وأن الدولة المصرية خططت لإعلان الحقيقة بالتقسيط، وإن إعلان الوفاة من قبل رئيس الحكومة (عبدالعزيز حجازي) ونفيه كان ضمن الخطة.
وإن جنازة كوكب الشرق أؤجلت حتى انتهاء زيارة وزير الخارجية (اندريه جروميكو) للقاهرة!
بداية محنة (أم كلثوم) مع المرض
المحنة بدأت نهار 21 يناير عام 1975، عندما تبلغ العميد الطبيب (عمر كاظم) اخصائي أمراض الكلى الصناعية والطبيعية في مستشفى المعادي، بإنزعاج شديد خبر إلتهاب كلية (أم كلثوم).
فسارع بالحضور إلى فيلتها بالزمالك، وبعدما تطلع إلى تقارير الأطباء اتصل بدوره بمستشفى المعادي.
وطلب من العقيد الطبيب (عبدالعزيز حسنين) الحضور سريعا لأخذ عينة من دمها لعمل تحليل خاص بالصفائح الدموية.
واتفق مع الطبيبين (عمر كاظم وحسن الحفناوي) ــ زوج (أم كلثوم) ــ على ضرورة تأليف فريق من الأطباء فور ظهور نتائج التحاليل، وبالفعل تم ذلك ليفاجأوا جميعهم بالنتيجة!
حيث تبين أن هناك هبوطا في نسبة الصفائح الدموية إلى أدنى حد لها، وهو 37 ألفا، بينما معدلها الطبيعي في جسم الإنسان هو 250 ألفا.
وبذلك تكون الكليتان في حالة التهاب شديد بسبب نقص في الصفائح الدموية، ووجد الأطباء أنفسهم أمام القرار الحاسم، فاتفقوا على نقل الصفائح الدموية إلى جسم (أم كلثوم) في محاولة يائسة لإعادتها إلى معدلها الطبيعي.
والعمل على ضبط السوائل في الجسم، وعملية كهذه تستوجب فصل صفائح الدما عن البلازمه وكرات الدم البيضاء، وبالفعل تم تحضير 7 أكياس من الصفائح الدموية المركزة.
وقام الرقيب أول (عطا) بعملية حقن صفائح الدم تحت إشراف الطبيب (عبدالعزيز حسنين)، ولحسن الحظ استجاب جسمها بعد عشر دقائق لعملية نقل الدم.
وتقدمت حالتها، وارتفعت بالفعل نسبة الصفائح الدموية إلى 188 ألف، وبذلك اجتازت أم كلثوم مرحلة خطرة.
رئيس الوزراء يتورط في رحيل (أم كلثوم)
رغم ذلك فإن شائعة خبيثة سرت يوم الخميس 23 يناير بأن (أم كلثوم) في حالة خطر شديدة، ونقلت إحدى وكالات الأنباء خبر وفاتها، فزحفت الجماهير وأحاطت بسور فيلا (أم كلثوم)، لتكشف أن الخبر عار عن الصحة.
أما سبب الشائعة فكان العدول عن نقل الست إلى المستشفى، وتقرير نقل صفائح الدم في منزلها، مما جعل البعض يفسر ذلك بأن حالتها ميئوس منها.
ويوم الجمعة 24 يناير أفاقت أم كلثوم وتحدثت مع أفراد أسرتها، وتناولت أول وجبة طعام، وكانت مؤلفة من كوب من الشاي، وعيش جاف.
وأول شيئ طلبته من زوجها هو أن يحضر المصحف الكريم، حيث أخذت تقرأ منه بعض الآيات القرآنية، ثم سمحوا لها بالمقابلات القصيرة.
وصباح يوم السبت 25 يناير ظهرت نتائج التحاليل الجديدة لصفائح الدم فاطمأن الأطباء إلى أن الحالة في طريقها إلى التحسن.
إقرأ أيضا : تعرف على الأغنية التى أخطأت فيها (أم كلثوم) فصرخ مؤلفها من الإعجاب !
وفي المساء فوجئ الناس براديو القاهرة يذيع نبأ وفاة أم كلثوم، وقام رئيس الوزراء المصري بنعيها إلى الشعب العربي، وتوقفت إذاعة القاهرة عن بث برامجها العادية.
ثم بعد ساعتين عادت وكالات الأنباء فطالبت مشتركيها بإلغاء نبأة الوفاة، وذلك أثر اعلان رسمي بأن (أم كلثوم) بخير ومازالت على قيد الحياة.
واذاعت وكالة رويترز في منتصف ليل السبت بيانا أعلنت فيه عن لسان ناطق بلسان مستشفى القوات المسلحة في المعادي أن (أم كلثوم) بخير ولا تزال على قيد الحياة، إلا أنها في حالة صحية خطيرة.
وبعد حوالي أسبوع تدهورت حالة الست حتى أعلنت وفاتها يوم الأثنين 2 فبراير.
يوم الثلاثاء الحزين
يوم الثلاثاء 3 فبراير كانت القاهرة حزينة، ممزقة القلب، مقرحة العيون فجرها بدا يوم وكأنه غروب، لأن الشمس التى بزغت في ذلك اليوم كانت تودع شمسا أخرى غيبت معها (أم كلثوم).
ويوم الوداع جاءت الناس آلاف بل ملايين وكلهم أحب أن يلقي نظرة أخيرة، نظرة وداع، نظرة لوعة، نظرة فراق، بحر من الناس طابور له أول وليس له آخر، الكل يبكي.
وكتبت مانشتات الصحف اسمها بحروف سوداء تحت عنوان (ماتت أم كلثوم)، والإذاعات قطعت إرسالها وانضمت موجات إذاعات القاهرة كلها في موجة واحدة.
وكتب العقيد الطبيب (مصطفى المنيلاوي) نعي أم كلثوم الذي تم إذاعته، في سطرين: (توفيت إلى رحمة الله تعالى السيدة أم كلثوم في تمام الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر الأثنين 2 فبراير).
وتلا النعي الرسمي، نعي رئيس الوزراء الدكتور (عبدالعزيز حجازي)، ثم بدأت تلاوة القرآن الكريم، واتصل الرئيس (أنور السادات) بأسرة الفقيدة مقدما تعازيه القلبية.
وبعثت السيدة جيهان بتعازيها إلى سيدات الأسرة، فكانت تعزية الرئيس وحرمه بلسما رطب الجرح.
ماذا حدث في فيلا (أم كلثوم)
ثلاثة من الأدباء الكبار وصلوا معا فيلا (أم كلثوم)، هم: (توفيق الحكيم)، يلبس المعطف والبريه، ويستند إلى عصاه، ويكاد يتعثر في أحزانه، ومعه (يحيي حقي، وثروت أباظة).
وجلس (الحكيم) إلى جوار الدكتور حسن الحفناوي، ساهما شاردا، عيناه شبه مغلقتين، وعصاه تسند ذقنه.
وجاء الموسيقار محمد عبدالوهاب، ونزل من سيارته دامع العينين، بلبس السواد، وبقى فترة لا يتكلم، يقرأ آيات الله في سره، فلا يبدو منه سوى تمتمه خافتة.
ووصل بليغ حمدي وهو شارد، وعيناه وراء نظارة كبيرة، ربما خفت نظراته ولكنها لم تخف دموعه، شعره بدا مشعثا، كأنه لم ينم أو لم يلمس مشط.
ما رأيته في فيلا أم كلثوم كان نقطة في بحر في محيط هادر في انفجار سكاني رهيب، في حشد من الصعب أن تعده أو تحصيع، مصر كلها بلاد العرب كلها خرجت تودع (أم كلثوم).