بقلم: محمود حسونة
أثبت الفنان الشاب (طه دسوقي) مصر ولادة، نهر إبداعها لن يجف أبداً مهما حاولوا تجفيفه، سيظل يجري ويزيد أرضها خصوبة لتنجب المزيد والمزيد من الفنانين، لينضموا إلى قائمة المبدعين، التي تبدأ من أولئك الذين سجلوا حكاية حضارتها بلغة الفن على جدران المعابد والمقابر.
ولن تنتهي بمن ملأوا أرض العروبة غناءً وموسيقى وسينما ودراما وضحكاً ودموعاً.. ولو أن المجنسين الجدد من الفنانين بغير الجنسية المصرية ليسوا آخر من تغويهم الاغراءات المادية وانضم إليهم غيرهم من اللاهثين وراء المكاسب المادية المؤقتة.
فإن ذلك لن ينقص من مكانة مصر الإبداعية شيئاً وستنجب بدلاً منهم فنانين يبهرون الناس، يبدعون متنقلين بين حدائق الفن، واثقي الخطى، عبقي السحر، مشرقي الطلعة.
أحدث المنضمين إلى شجرة الإبداع المصرية التي تتمدد فروعها في الفضاء وتمتد جذورها في أعماق التاريخ، الفنان الشاب (طه دسوقي)، اسم تردد خلال السنوات الأخيرة ولفت إليه الأنظار كممثل كوميدي يجيد توظيف الكلمة والموقف لصناعة الضحك.
إقرأ أيضا : دفتر أحوال (الدراما) لشهر يناير 2024
وخلال الأيام الماضية رأينا (طه دسوقي) يغير جلده بحرفية عالية من خلال مسلسل (حالة خاصة)، رأيناه يمتعنا أداءً ويحلق بنا إبداعاً ويبهرنا تمثيلاً، ويثير في داخلنا التأمل بأسلوبه السلس والذي يقدم من خلاله (السهل الممتنع).
لا تحس أن (طه دسوقي) يبذل مجهوداً رغم أنه يبذل الكثير وأكثر كي يتمكن من تقديم شخصية الشاب المتوحد بتفاصيل تفاصيلها، لنرى أنفسنا أمام إنسان مصاب بالتوحد في خوفه وجدّه، في مشيته ولغة جسده، في تفاصيل نظراته وحركات أطرافه وأصابعه، وأمام (حالة إبداعية خاصة) مضموناً وشكلاً.
المسلسل كان يعرض بمعدل حلقتين كل أربعاء، ليتصدر التريند كل أربعاء، فئات مختلفة تعبر عن إعجابها بالحالة الابداعية المتحققة من خلال المسلسل.
و(طه دسوقي) بشخصية المحامي (نديم أحمد أبو سريع)، المتوحد الذي لا يشغله سوى تحقيق وصية أمه له قبل وفاتها وهو طفل، وأهمها أن يتعلم ويصبح محامياً ناجحاً، وأن يحب.. بالتحدي تجاوز المتنمرين عليه.
(طه دسوقي).. متعة بصرية
قرأ كثيراً حتى يكون الأفضل، وتحمل أكثر حتى يحقق الوصية، وعلى مدى 10 حلقات فقط حقق (نديم) الوصية وحقق (حالة خاصة) بالمتعة البصرية والوجدانية التي تعجز المسلسلات المئوية الحلقات عن تحقيقها، مسلسل صغير الحجم، كبير الابداع، إنساني الهوية.
ومثلما خط (طه دسوقي) اسمه على قائمة نجوم اليوم والغد، أكدت الفنانة (غادة عادل) أنها ممثلة من طراز رفيع، أبدعت في تقديم شخصية المحامية الشهيرة (أماني النجار) بكل ما فيها من تناقضات.
امرأة قوية في مكتبها وفي المحكمة، ضعيفة وهشة في بيتها بسبب إصابة وحيدها علي بالتوحد وخيانات زوجها المتكررة، قاسية وقت اللزوم وحنونة مع من يستحق، شخصية أضافت لرصيد غادة عادل.
النجم الثالث في هذا المسلسل هو الفنان (نبيل علي ماهر) في شخصية (جميل)، والذي كان جميلاً في رفعته وفي احتضانه لنديم طفلاً ويافعاً، كان هو نافذته على الحياة، ومعلمه وصديقه ومرآته الحقيقية ومعينه على مواجهة الحياة، بصمته واضحة ومؤثرة في العمل.
براعة غادة عادل
الأسوأ أداءً كانت (هاجر السراج) في شخصية (رام الله)، وتخيلنا أن الاسم ستكون له دلالة سياسية في بداية المسلسل، لنكتشف عدم صحة ذلك، ثم وجدنا أنفسنا أمام شخصية تجيد استغلال المشاعر لحل أزماتها.
ورغم أنها في النهاية استجابت لمشاعرها، إلا أن الكتابة والأداء جعلا منها شخصية مشوشة الفكر، باردة المشاعر ومستغلة للمحيطين، وغير واضحة الملامح.
(حسن أبو الروس) قدم شخصية ثقيل الظل كما يقول الكتاب و(أحمد طارق) ساعدته ملامحه في تقديم دوره من دون إضافات إبداعية.
السعي لتحقيق التميز يفرض الخروج عن المألوف والبحث عن حلول فنية خارج الصندوق، سواء كان ذلك بالقفز إلى المستقبل وتقديم غير المسبوق أو حتى العودة إلى الماضي وإحياء ما كان مضيئاً فيه وطمسته عوامل التعرية الزمنية.
(حالة خاصة).. إحياء فرقة (الأصدقاء)
وفي (حالة خاصة) اختار المنتج (طارق الجنايني) إعادة إحياء فرقة الأصدقاء للموسيقار (هاني شنودة) استجابة لنصيحة من السوبر ستار عمرو دياب، من خلال موسيقى المسلسل وتخللت أحداثه بعض أغنيات الفرقة صاحبة الجماهيرية العريضة في التسعينات.
لتحيي ذكريات جمهورها القديم ويعرف الأجيال الجديدة بها وبموسيقاها التي أضافت للمسلسل تميزاً على تميز.
الفن عمل جماعي، والنجاح فيه يستلزم إبداعاً جماعياً، ويفرض حالة من التكامل بين مختلف مكوناته وهو ما حققه المخرج عبدالعزيز النجار في (حالة خاصة)، ورغم أن السيناريست (طارق مهاب) لم يطرح قضية غير مسبوقة.
إلا أن أسلوب التناول استطاع أن يخلق لدى المشاهد حالة إمتاع بصري وإشباع وجداني وهو يدرك أنه شاهد العديد من الأعمال التي تتمحور حول شخص مصاب بالتوحد ويحاول الاندماج في المجتمع وتحقيق التميز فيه.
(طه دسوقي) وداستن هوفمان
وهو ما حققه (نديم أحمد أبو سريع) وجسده (طه دسوقي) في (حالة خاصة)، وحققه (رايموند) وجسده (داستن هوفمان) ونال عنه جائزة أوسكار أفضل ممثل عام 1989 في الفيلم الخالد (رجل المطر – (Rain Ma.
وتم إعادة تقديم الفكرة في الفيلم المصري (التوربيني) 2007، والذي جسّد خلاله (أحمد رزق) شخصية البطل المصاب بالتوحد، وشاركه في البطولة (شريف منير وهند صبري).
ونفس التميز حققه المحاسب (كريستيان)، وجسده (بن أفليك) في فيلم المحاسب (The Accountant) وحققه رضوان خان وجسده شاروخان في الفيلم الهندي (إسمي خان -(My name is Khan عام 2010.
وحققه الطبيب (شون ميرفي) وجسده الممثل الإنجليزي (فريدي هايمور) في مسلسل (الطبيب الجيد -(The Good Doctor) ، والذي حقق أعلى نسب مشاهدة على (نتفليكس).
هذه مجرد نماذج لأعمال كثيرة تناولت تحديات مريض التوحد، منها أعمال عالمية وأعمال مصرية لا يتسع المجال لذكرها، ولذا فإن (حالة خاصة) لم يأت بجديد في المضمون.
ولكنه جاء بالجديد في الحالة الإبداعية الممتعة، وأضاف لقائمة المبدعين المصريين أسماء جديدة قادرة على التجدد والتميز عندما تجد الفرصة المناسبة.
mahmoudhassouna2020@gmail.com