بقلم: بهاء الدين يوسف
خبر صغير عن حصول الفنان المصري (محمد هنيدي) على الجنسية السعودية تسبب مجددا في اندلاع الجدل الساخن بين الكثير من (العاطلين) من أصحاب العقول والأوقات الفارغة التي لا تجد من يملأ فراغها غير في الجلوس بالساعات على مواقع التواصل الاجتماعي والدخول في معارك افتراضية غير مجدية.
هناك حكمة عربية قديمة تقول (الجنازة حارة والميت….)، وهو ما ينطبق على الكثير من السجالات التي تشتعل على مواقع التواصل الاجتماعي بين أبناء بعض الشعوب العربية منذ ظهور تلك المواقع قبل سنوات.
فبينما يعاني أهلنا في غزة من ظروف معيشية مميتة حرفيا ويقضي عشرات الأطفال نحبهم يوميا بسبب قلة الطعام ووسائل التدفئة، وبينما يواجه بعض شعوب المنطقة صعوبات معيشية متزايدة بسبب ارتفاع الأسعار.
منطق من يهاجمون (محمد هنيدي)
ويترقب الجميع في الوطن العربي احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة تبدأ من الشرق الأوسط لا يزال هناك من يمسكون بتلابيب بعضهم البعض بسبب حصول (محمد هنيدي) على الجنسية السعودية.
وبينما تنتشر الأخبار عن هجرات موسعة للآلاف من خيرة شباب البلد إلى دول مختلفة بما يهدد مستقبل العديد من المهن الحساسة والمهمة مثل (الطب) مثلا، و(البرمجة والهندسة).
في هذا الوقت يخصص البعض من (المتفرغين) على مواقع التواصل ساعات طويلة للندب على تجنيس فنان محترم بالجنسية السعودية، لكنه لا يصنف ضمن فناني الصف الأول في مصر.
إقرأ أيضا : (محمد هنيدي).. بين (فرحات، ورمضان والجواهرجي)، وقرار (أرض النفاق)
في الحقيقة لا أفهم منطق من يهاجمون (محمد هنيدي) ولا من هاجموا قبله المذيع (عمرو أديب)، مثلما لم أفهم منطق الذين هاجموا المطربة الكبيرة (نجاة الصغيرة) على قبولها الظهور والتكريم في مهرجان سعودي قبل أيام.
إذا كان منطلق هؤلاء في الهجوم شعورهم بأن المملكة تفعل ذلك بنية سحب بساط الريادة الفنية من تحت أقدام مصر، فهو شعور غير دقيق لأكثر من سبب أولها أن الريادة في أي مجال لا تأتي بقرارات ولا تجنيس مواهب.
وإنما هى انعكاس لمخزون اجتماعي وثقافي يتراكم على مدى عقود طويلة، بدليل أن مصر لم تحقق ريادتها في يوم أو شهر أو سنة وإنما عبر عقود طويلة من الثراء الثقافي والفني.
إذا عملنا بالنصيحة التي تقول بأن علينا النظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، يمكن أن نرى أن إقبال الأشقاء في المملكة العربية السعودية على منح الجنسية لفنانين وإعلاميين مصريين يعني في مضمونه اعترافا ضمنيا بقيمة مصر وأبنائها وقوتها الناعمة التي منحتها مكانتها المتميزة في الوطن العربي والمنطقة طوال عقود.
جنسية (محمد هنيدي) لاتقلل كثيرا
الأمر المؤكد أن من حق المملكة مثلما هو من حق أي دولة أن تسعى للتميز والبناء في أي مجال تختاره، ومن حقها بالتالي أن تلتقط من تعتقد أنهم يستطيعون مساعدتها في ذلك البناء وتحقيق هذا التميز، وعليها في المقابل أن تتحمل تبعات اختيارها إن كانت خيرا أو شرا.
وعلينا في المقابل التيقن أنه لا يقلل من مصر وريادتها أن يحصل (محمد هنيدي) أو غيره على جنسية سعودية أو جنسية أي دولة أخرى، فمصر التي صنعته صنعت الآلاف قبله وقادرة على صنع عشرات الآلاف بعده.
وأن المعضلة التي تواجهنا ليست في حصول هذا أو ذاك على جنسية دولة أخرى وإنما في ضمان توفير المناخ المناسب لكي تستمر مصر في إفراز آلاف الكفاءات في مختلف المجالات مثلما كانت طوال عشرات العقود الماضية.
قد تكون المشكلة في الترحيب المبالغ فيه من الفنانين والإعلاميين بحصولهم على الجنسية السعودية؟!، ربما يكون احتفائهم يحمل قدرا ملفتا من التزيد، لكنه يجب أن يوضع في إطاره الطبيعي وأنه يعبر عن شخصية المتكلم وثقافته وكبريائه وإحساسه بقيمته، ولا يعبر نهائيا عن قيمة مصر أو كبريائها وثقافتها.
ربما تنبع الحساسية المبالغ فيها تجاه الجنسية السعودية التي تمنح لبعض المصريين، من التلاسن المستمر بين (المتفرغين) لمواقع التواصل من الشعبين، وربما هو ما يفسر إننا لا نجد فيه حساسية مشابهة عند حصول مصريين آخرين على جنسيات دول غربية لها معنا تاريخ أسود وطويل من العداء.
لكن الأكيد أن ذلك التوتر (الافتراضي) المصطنع هو أمر عابر ومستحدث ساهمت فيه ظروف كثيرة سوف تنتهي يوما ما، بدليل أننا لم نشعر يوما بالضيق حين كان الآلاف من المهندسين والأطباء والمدرسين والإعلاميين من أبناء الشعب المصري يشاركون في مسيرة البناء والتنمية في مختلف دول الخليج في أزمنة سابقة.
تماما مثلما نشعر بالفخر والسعادة حين نسمع الأناشيد الوطنية لبعض الدول الشقيقة التي لحنها فنانون مصريون.