كتب: محمد حبوشة
مما لاشك فيه أن مسلسل (حالة خاصة) حقق جماهيرية واسعة بسبب تطرقه إلى حياة مرضى التوحد ونجاح الفنان الشاب (طه الدسوقي) في تقمص شخصية البطل بأداء سلس وبسيط إلى حد كبير.
لكنه حظي باستسهال الحديث عن مهنة المحاماة والاقتباس من أحد الأعمال الأجنبي، على مستوى صعف السيناريو، رغم أن الحلقات التي عرضت منه حققت مشاهدات كبيرة على منصة (واتش إت) وركوب الترند لعدة أيام.
ومع ذلك استطاع مسلسل (حالة خاصة) أن يكون محل اهتمام كبير من مشاهدين انجذبوا إلى قضية مهمة يتناولها وتتعلق بمرضى التوحد ومدى قدرتهم على الاندماج في المجتمع.
صحيح أن أبطال العمل وأغلبهم من الشباب تألقوا وتمكنوا من أداء أدوارهم بإتقان، ما خلق حالة من التعاطف مع المسلسل، وهو من نوعية مسلسلات العشر حلقات، لكن من وجهة نظري الشخصية يبدو ضعيفا جدا على مستوى التأليف وكتابة السيناريو.
وبدا لي أن هذا الجانب أشبه بثغرة تسللت منها الكثير من سهام الانتقاد لعدم مراجعة تفاصيل مهمة المحاماة التي يدور في إطارها العمل، واتهامات باقتباس قصة العمل من المسلسل الكوري (المحامية الاستثنائية وو) الذي حقق نجاحا واسعا مع عرضه على منصة نتفليكس منذ حوالي عام.
تدور أحداث مسلسل (حالة خاصة) حول شخصية المحامي (نديم أبوسريع) ويجسدها الفنان الشاب (طه الدسوقي)، والذي يمتلك قدرات خاصة ويعاني من التوحد، ويلتحق بالعمل في مكتب محاماة شهير تمتلكه (أماني النجار/غادة عادل).
المثالية والذكاء في (حالة خاصة)
يرصد (حالة خاصة) رحلة نديم المليئة بالتحديات، فبالرغم من استغلاله في الكثير من الأمور إلا أن شخصيته تتسم بالمثالية والذكاء معا وتجعله يواجه صعوبات، فقد عرف المشاهدون شخصية (نديم) كمتفوق في دراسته ومصمم على تحقيق النجاح؟
ثمة تحديات جمة تواجه (نديم) كشخص يعاني من التوحد، وظروف اجتماعية صعبة بعد أن تركته والدته بمفرده عقب وفاتها وهو في سن صغيرة، يعمل على تنفيذ وصيتها بأن يصبح محاميًا ناجحا.
لكنه يصطدم بعراقيل مرضه الذي حرمه من الالتحاق بالعمل في الجامعة، وكان ذلك مدخلا للتعرف على الشخصية وخيوطها الدرامية، وبفضل ما يتمتع به (نديم) من ذكاء يستطيع أن يعمل في أحد أكبر مكاتب المحاماة في مصر.
يدخل (نديم) كمتدرب مع مجموعة أخرى من شباب يتنافسون على حجز مقعد في المكتب للعمل بشكل منتظم، ويظهر كفاءة في التعامل مع عدد من القضايا التي حصل المكتب على حقوق الدفاع عنها.
تتراوح مشاهد الحلقات الأولى من (حالة خاصة) بين تفاصيل شخصية (نديم) والمتاعب التي يواجهها في التعامل مع فريق العمل، وبين الجانب الرومانسي داخله ومحاولته التعبير عن مشاعره لزميلته في المكتب رام الله/ هاجر السراج) قبل أن يدخل في صراع من نوع آخر يرتبط بدفاع المكتب عن متهم لديه علاقة سابقة به.
يعد (حالة خاصة) أول بطولة مطلقة للفنان الشاب (طه الدسوقي)، وتشارك في بطولته غادة عادل وأحمد طارق وهاجر السراج وحسن أبوالروس ووئام مجدي وأحمد الأزعر ونبيل علي ماهر ولينا إيهاب والطفلان أدم وهدان وأدم النحاس.
وهو من تأليف (مهاب طارق) وإخراج (عبدالعزيز النجار)، وإنتاج طارق الجنايني، كما أنه أحدث الأعمال الأصلية لمنصة (واتش إت) المصرية.
تكمن أهمية (حالة خاصة) والزخم حول أحداثه على مواقع التواصل الاجتماعي في القضية التي يناقشها ولم يسبق للدراما أن غاصت في تفاصيل أزمات مرضى التوحد، بعد أن تزايدت معدلات الإصابة بهذا المرض.
وذلك نتيجة تغيرات سمحت بوجود الأطفال لفترات طويلة بمفردهم وتأثيرات أجهزة المحمول على انزوائهم، وهو أمر جعله يهم قطاعات واسعة لديها رغبة في التعرف على تكوين شخصية من يعانون التوحد.
ما جعل (حالة خاصة) يبدو جيدا من الناحية الفنية يتمثل في دور البطولة الذي يجسده (طه الدسوقي)، ورغم أنه ليس نجما بارزا استطاع أن يحقق جماهيرية واسعة، كما أن تنويعات الشخصية والحالة المحيطة بها وتفاصيلها تشير إلى أن المؤلف بذل جهدا إيجابيا ليخرج بهذه الحالة إلى جانب دور الإخراج.
التأليف أبرز سلبيات (حالة خاصة)
لكن تبقى بعض السلبيات التي ترتبط بالأساس في التأليف، وتمثلت هذه الأخطاء التي ترتبط بأجواء مهنة المحاماة، ما يشي بأن العمل جرت كتابته بقدر من السرعة دون العودة إلى مراجعين لعدم الوقوع في ثغرات فنية.
ربما تغاضى الجمهور عن هذه السقطات في مقابل اهتمامه بعمل تتوافر فيه عوامل الجذب المطلوبة إلى حد ما، حيث أن بعض الخيوط الدرامية المرتبطة بشخصيات زملاء نديم في مكتب المحاماة كان يمكن تقديمها بشكل أكبر.
كما أن هناك حالة من المبالغة في (حالة خاصة) عبر شخصية الشاب (عز/ حسن أبوالروس)، ووجود شخصيات تعمل على سرقة جهود زملائها أمر متعارف عليه في بيئة العمل من دون أن يترتب على ذلك وجود تفاصيل مبالغ فيها.
فقد كان يمكن نسج خيوط درامية أفضل تتعلق بالبيئة المحيطة بالشاب المصاب بمرض التوحد.
وعلى الرغم من الانتقادات التي طالت (حالة خاصة) بسبب بعض الأخطاء القانونية في مهنة المحاماة وطبيعة أداء عمل المحامين إلا أن الفنانة غادة عادل ظهرت للجمهور بشكل مختلف.
قدمت (غادة) دورا جذب الجمهور إلى المحامية التي تتسم بمعالم القوة في شخصيتها أثناء العمل، لكنها تواجه في المقابل مشكلات عائلية نتيجة تعدد نزوات زوجها النسائية، فضلا عن إصابة ابنها الوحيد بمرض التوحد.
تحفظي على مسلسل (حالة خاصة) ربما لا يرجع إلى أسباب فنية في أداء أبطال العمل أو حتى في تفاصيل القصة والقضية المهمة التي يناقشها، فالمشكلة الرئيسية بالنسبة إلى شركات الإنتاج تكمن في الاقتباس من أعمال أجنبية.
ولعل قضية (الاقتباس) هى آفة في الدراما المصرية والعربية تنامت في العقد الأخير، ما يشي بوجود تراجع في حركة الكتاب والمؤلفين والمبدعين الذين يمكن أن يقدموا أعمالا أصلية وقضايا ذات ارتباط وثيق بالواقع دون البحث عن نماذج أجنبية.
إن الاتجاه إلى استنساخ قصص من مسلسلات أميركية أو مكسيكية أو كورية يمكن تعويضه بالاقتباس من الروايات المصرية التي تقدم موضوعات مهمة عن المجتمع.
كما أن هناك المئات من الشباب الذين لديهم سيناريوهات خاصة بهم وينتظرون الفرصة المواتية لتقديمها، وفي حال جرت الاستعانة بهؤلاء سنكون أمام اكتشاف العشرات من الأسماء الجديدة في مجال التأليف الدرامي.
(حالة خاصة).. الغرق في الاقتباس
كما تشكل هذه المواهب مكسبا إضافيا للدراما، فهناك مسابقات أدبية وفنية يشارك فيها عشرات الشباب من كتاب السيناريو ولديهم موضوعات تستحق مناقشتها دراميا، بدلا من الغرق في مسألة الاقتباس التي تخاصم البيئة العربية في غالبية مضمونها.
يبدو لي واضحا أن البعد التجاري حاضر في الاستعانة بالفورمات الأجنبية، وأن البعض من شركات الإنتاج ترفض المؤلفات الأصلية وتطالب كتابها بالبحث عن اقتباس أجنبي يعززها.
في حين أنه يمكن تحقيق هذه الغاية من خلال مؤلفين يملكون خبرات أكبر ونسج تركيبة مشابهة وتقديمها للجمهور بصبغة مصرية تساهم في تطوير الدراما، خاصة أن لدينا كتابا كبارا مازالوا يملكون ناصية الدراما الواقعية مثل (محمد جلال عبد القوي) الذي يجلس في بيته من زمن طويل.
الأخطاء التي حظي بها مسلسل (حالة خاصة) تبخس حقوق نجوم العمل الذين قدموا أداء جيدا للغاية، ويمكن القول إن الفنان طه الدسوقي تعرض للظلم بسبب الجدل حول قصة العمل وأخطاء الكتابة، والأمر ذاته بالنسبة إلى الفنانة غادة عادل التي قدمت دورا مهما.
وربط البعض من النقاد بين فكرة المسلسل الكوري الشهير (المحامية الاستثنائية) وبين (حالة خاصة)، فالعملان تدور قصتهما حول علاقة خاصة تجمع بين محاميين أحدهما ناضج ومخضرم في تكسير جميع القواعد لكسب القضايا بكل سهولة، والثاني مبتدئ ومتوحد ويمتلك مهارات، ويواجهان صعوبات خلال عملهما وحياتهما.
وفي النهاية يمكنني القول أن مسلسل (حالة خاصة) جعل لنفسه بين المشاهدين خلال الفترة الماضية (حالة خاصة) فعلا، وليس عنوان العمل، إذ استطاع تصدر ترندات مواقع التواصل الاجتماعى وأصبح حديث الجمهور منذ عرض أولى حلقاته.
بل إن تحدى أبطال العمل أنفسهم بتقديم فكرة مميزة لتوعية الجمهور بمرض التوحد ومعاناة المصابين به وكيفية استيعابهم والتعامل معهم، من خلال تقديم نوعية من المرض منتشرة بيننا ومناقشتها دراميا بشكل متعمق.
(حالة خاصة) والتشويق الكوميدي
حيث ظهر أبطال (حالة خاصة) لتقديمه بإطار تشويقى في خطوط كوميدية لجذب المشاهد، وذلك جاء بعدما استطاعت الدراما المصرية خلال السنوات الماضية تناول عدد من القضايا الهامة وأبرزها مناقشة مشاكل التنمر على الأشخاص.
سواء كانت بسبب أمراض جلدية وخارجية للشكل أو بسبب مرض مثل التوحد، حيث لاقت تلك الأعمال الكثير من الإشادة بين الجمهور خلال فترة عرضها.
ومن هنا لابد أن نهتم بتلك الفئت وتقديم المساعدة لهم وأعمال درامية نوعية عنهم، وذلك للوصول إلى مجتمع متماسك، كما يجب أن يشعر هؤلاء الأشخاص بأنهم لهم قيمة مثل غيرهم.
أتمنى من الدراما المصرية تخصيص بعض الأعمال مثل مسلسل (حالة خاصة) ضمن إنتاجهم السنوى، كما تفعل (المتحدة)، ولابد أن يتم تقديم أعمال دراما عن أصحاب الحالات الخاصة أو أصحاب الهمم.
المشكلة هنا أن الدراما يجب أن تقدم وحدة هذا المجتمع واحترام الجمهور لكل الحالات الخاصة أو أصحاب الهمم، وهذا المطلوب وهو التوعية بين الجمهور، لمعرفة أن هؤلاء لديهم مشكلة خاصة يجب التعامل معه.
ولذلك لابد من الدراما أن تقوم بدورها الاجتماعى بأفضل وجه ممكن وجزء منها ومن حقوقنا في المجتمع.