بقلم الدكتور: كمال زغلول
الحياة المصرية القديمة ، كانت لها علاقة بـ (الدلالات اللونية)، فقد وضع المصري القديم ، دلالات خاصة بمجموعة من الألوان، الموجودة داخل البيئة الطبيعية المصرية، بالإضافة إلي الألوان التي قام بمزجها، وأعطي لها مجموعة من الدلالات تخص حياة العامة.
وبالطبع كان المسرح المصري القديم يستخدم تلك (الدلالات اللونية)، في عروضه المسرحية المشتملة على المنظر المسرحي، والأزياء، والأقنعة ، فقد كان للألوان دور رئيسي في الحياة المصرية.
وبالتالي استخدم فنانون العروض المسرحية (الدلالات اللونية) داخل عروضهم، وسوف نستعرض مجموعة من الألوان التي استخدمها الفنان المسرحي المصري القديم ، و نتعرف على رموزها الخاصة في الحياة المصرية :
الأبيض: اللون الأبيض في الحياة المصرية القديمة، رمز ملكي في المقام الأول، فهو لون وشعار مصر العليا، واشتهر رمز تلك المنطقة من مصر بالتاج الأبيض ، كما أنه كان لون ريشة ماعت (الحقيقة العدالة).
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (المؤلف المسرحي) في مصر القديمة
وكان لبس أوزيريس أبيض، وهو لون استخدم خصوصا للآلهة وأتباعها، وعبادها وكهنتها، وكان يتم أيضا تضميد جثامين المتوفين بقماش الكتان البيض، وهذا راجع إلي كون اللون الأبيض رمزا للنقاء والطهر والروحانية، والفرح والسرور، وطمأنة النفس.
الأحمر: اللون الحمر ملكي الرمز على مستوى الدلالات اللونية، وهو لون مصر السفلي، وتاجها كان أحمر، وهذا اللون عند المصريين القدماء رمزا للأخطار والنيران، والغضب والدمار.
وعندما وصفوا (ست ) ، سنجد أن عيني ست ذات لون أحمر، وبشرة جسده حمراء أيضا، فكانت دلالته الغضب والدمار.
الأخضر: اللون الأخضر مع الأحمر كان المصريون القدماء يستخدمان اللونين معا للتعبير عن ثنائية خاصة بهم، تماما كما نستعمل اليوم اللون الأسود والأبيض.
ولكن في مصر القديمة عبر الدلالات اللونية عن تلك الثنائية بالأخضر، والذي يرمز إلى الخير والنماء، وهو رمز لأوزيريس أيضا.
أما اللون الأحمر في تلك الثنائية، فكان يرمز إلى الأعمال العنيفة والصحراء التي يسكنها ست، فاللونين معا يعبران عن الحياة، لذلك كلا اللونين نراهما في التيجان والشارات الخاصة بمقاطعات مصر.
الآلهة و(الدلالات اللونية)
الأسود: اللون الأسود في مصر القديمة، له دلالة عن بداية الخلق، وفق المعتقد المصري القديم، فهو لون الظلام والمحيط الأولي نون، وسمي أوزيريس بالأسود، لأنه ملك عالم الظلمات.
وقد خلع على جميع الآلهة المصرية ففي الظلمات تتوالد رمزيا كل من الآلهة والنور وكل وعى جديد، ومن هذا المفهوم واعتبارا لمبدأ التعاكس والتضاد، لقب أوزيريس الإله الأسود بلقب (ملك البلد الأبيض).
والأسود هو لون نقاب إيزيس وكانت تلقب أحيانا باسم (الربة السوداء الحمراء)، وقد وصفوا حورس بأن عيناه واحدة كانت سمراء والأخرى بيضاء، للدلالة على جمعه للمبدأين اللذان يقوم والداه إيزيس وأوزيريس بتدريسهما (القمر والشمس).
وكان اللون الأسود يتماثل بالعالم السفلي الليلي، حيث يعني نهاية الحياة الدنيوية، وكان يعبر أيضا عن الإنبات، وعن التوالد والليل حيث ينبثق بعث الأرواح والشمس.
الأزرق من حيث (الدلالات اللونية): كان يرمز إلي السماء والأبدية، وقد صور إله الشمس آمون باللون الأزرق، وهو يمثل نهاية السموات.
الأصفر: اللون الأصفر في الحياة المصرية القديمة والمسرح المصري، هو لون داخل أو ساهم في معظم التكوينات اللونية، ويدمج مع كل الرموز، مثله مثل الذهب، فقد كان يعبر عن الإشعاع الشمسي وعن تألق وضياء (رع).
الأزرق اللازورد والأصفر: إن اندماج الأزرق اللازورد بالأصفر، يعمل على مستوى يجعل اللون الذهبي لأشعة الشمس يعمل على إضاءة العالم السماوي مثل تألق الكواكب والنجوم في الليل.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: البناء الحسي لشخصية (أوزوريس) في المسرح المصري القديم
وتلك كانت (الدلالات اللونية) في الحياة المصرية القديمة، وكانت لها تأثيرات نفسية على الشعب المصري، ولذلك استخدمها فنانون العرض المسرحي داخل الأعمال المسرحية، كمجوعة لونية مؤثرة في الوجدان الشعبي المصري.
وعندما يشاهد المصري القديم العرض بتلك الألوان فإنه يعرف دلالاتها ورمزيتها، وندلل ببعض الأمثلة من العروض المسرحية المصرية القديمة:
مشهد قتل أوزيريس: اللون الأسود والأحمر، عندما قام ست بقتل أخيه، استخدم خنجر من حجر الظران، وكان لون الخنجر أسود، وكما سبق القول اللون الأسود خلع على جميع الآلهة، فهو لون خاص بالآلهة.
وعندما شق صدر أخيه لينتزع قلبه (ولون اللقب أحمر)، وكان هذا لون تاج مصر السفلي، وهو لون ملكي دالة على عودة استحواذ ست على مصر السفلي الذي وحدهما ست.
ولذلك يجب أن يعود الملك موحد في لونين الأبيض والأحمر تحت حكم الفرعون، وهكذا نرى القيمة الرمزية للون الأبيض والأحمر والأسود في الحياة المصرية الشعبية، ونقلها للعروض المسرحية المصرية القديمة.
مشاهد اللون الأخضر والأحمر
عرضنا في مقالة سابقة نص خاص بالغزو الفارسي لمصر، وبالطبع كان لكل مقاطعة في مصر شارة (علم) يرمز إليها، فكانت المقاطعات المصرية القديمة أعلامها، من اللونين الأخضر والأحمر.
فإذا مثلت تلك المسرحية في صورة عرض مسرحي سوف تكون الاعلام ممثلة للمقاطعات التي دخلها الفرس .
ألوان الإكسسوارات في المسرح
كانت معظم النقوش، والمصوغات باللون الأصفر، وأدوات إقامة الشعائر، وبالتالي كان اللون الأصفر مستخدم في المصوغات والحلي الذي يرتديه الممثلين، وأيضا ريشة ماعت بيضاء، وهكذا..
الأزياء في المسرح القديم
كل شخصية تظهر بأزياء لونية داله على طبيعتها، كما وضحنا سابقا تلك الألوان.
وهكذا نرى أن المصريين القدماء، صنعوا تكوين لوني خاص بهم، وعلى هذا تكون مصر أولي الدول في العالم التي كونت مفاهيم لونية خاصة بها وأصبحت شائعة وعامة.
ونحن نرى من الحفائر مدى روعة الألوان المصرية القديمة في المصوغات، والجداريات، ومدى تناغمها مع بعض بعضها البعض، وبهذا نكون عرضنا في شكل مبسط قيمة اللون في الحياة المصرية القديمة، والمسرح المصري القديم.