بقلم الدكتور: كمال زغلول
الشعب المصري القديم، ارتبط كما سبق القول بمدينة الأمنتت، وكان يعتبر حكام هذه المدينة آلهة، والغريب أن (الجمهور) كان يعرف حكام تلك المدينة كانوا عماليق الهيئة.
فعند وصف (أوزيريس) نلاحظ أنه كان طويل القامة جدا طوله حوالي خمسة أمتار وربع، وعن وصف أخيه (ست) فأنه كان أطول قامة من (أوزيريس)، وكان ذو قوة عارمة.
وأنه لا يقل وسامة عن أخيه (أوزيريس)، وكان ذو بشرة حمراء، وعندما نعرف هذا الوصف بالطبع فإن من عاشوا في تلك الحقبة كانوا عماليق.
ومنهم بالطبع إيزيس، وأختها نفتيس، والأب جب، والأم نوت، إلى آخر شخصيات الأمنتت التي تظهر في المسرح المصري القديم، إذا (الجمهور) الحضور للمسرح المصري كان يعرف أن هؤلاء الأبطال عماليق.
ولكن تصويرهم تمثيلا كان يتم من خلال ممثلين أقصر منهم بكثير في القامة والهيئة والقوة، لهذا كان (الجمهور) جزء أصيل داخل المسرح المصري القديم، إذ يعتمد المؤلف ومخرج العرض المسرحي على خيال (الجمهور) عن تلك الشخصيات.
وعلى المعرفة السابقة لـ (الجمهور) بحياة هؤلاء الشخصيات، وخاصة أن (الجمهور) تربي وجدانيا على المعتقدات الخاصة بتلك الشخصيات، ومن خلال الجمهور المصري القديم، سوف نلاحظ أن مصر القديمة هي أصل فنون المسرح والتأليف المسرحي ، وهذا ما سوف نوضحه في الأمثلة التالية :
الشعب المصري عشق (أوزيريس)، وخالدة ليس في مجال المسرح فقط، بل على ثلاث مستويات، وهم:
أولا: طقس ديني خاص، كان يقوم به الكهنة مع المعتقدين في (أوزيريس)، وعلى ما يبدوا كان الطقس عبارة عن ترانيم يلقوها الكهنة عن معاناة (أوزيريس).
وبعدها يتم تناول (الحضور)، الخبز والشراب عن طريق كاهن، لكي يجعل جسمه يتحد بأوزيريس.
ثانيا: الشكل الاحتفالي: كان الشعب يحتفل بذكرى (أوزيريس) المؤلمة، وكان يحيي هذه الذكرى في شكل احتفالي، يصور آلامه، فقد كانوا يضعون على رؤوسهم تيجان الشوك ويسيرون في مواكب.
تأثيرات كبيرة تربي (الجمهور)
وهذا ما تحدث عنه (هيرودوت) وشاهده في مصر القديمة ووصفه كالتالي: (وإحياء لذكرى آلامه ومعاناته، كان المصريون يشتركون في مواكبه وقد توجوا رؤوسهم بتيجان نباتية مصنوعة من الشوك المجدول في هيئة قبة).
وكما عبر الشعب عن معاناة وآلام أوزيريس، عبروا أيضا عن الخصب الذي يمثله أوزيريس فقد كان المصريون يقيمون احتفالا لأوزيريس، ويخرجون في مواكب.
وقد كانت النساء تحملن الأعضاء التناسلية الذكرية المنحوتة وتحركنها بواسطة خيط، ويصفه هيرودوت بأن المصريين (قد ابتكروا تماثيل بدلا من المذاكير، طول التمثال منها ذراعا، يمكن تحريكها بواسطة خيط، تطوف به النساء في القرى.
وعضو التذكير بها متحرك لا يقل كثيرا في طوله عن باقي الجسم، ويتقدم الزمار الموكب، تتبعه النساء اللائي تتغنى بديونيسيس و (ديونيسيس) المذكور هو أوزيريس الذي نقلت عبادته إلي اليونان باسم ديونيسيس، وبهذا نعرف أن المصريين ، قدموا احتفالات خاصه بأوزيريس.
ثالثا: العرض المسرحي (التمثيلي)
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (المؤلف المسرحي) في مصر القديمة
بالطبع كان لتك الشخصية التي عملت من أجل الشعب المصري، وعانت من أجله تأثيرات حسية كبيرة تربي عليها الوجدان الشعبي المصري القديم عبر (الجمهور).
ولهذا أحب الشعب مشاهدة الأحداث المؤلمة في حياة تلك الشخصية، وخاصة مشهد قتله على يد أخيه ست، وبالطبع الشعب كله لن يشترك في تمثيل هذا الحدث.
ولهذا ظهر المؤلفون المسرحيون، والممثلون المصريون القدماء، ليعبروا تمثيلا عن الأحداث المؤلمة في حياة أوزيريس، ونقلها حسيا إلي (الجمهور)، الذي يحب أن يسترجع هذه الأحداث تمثيلا، فهذا يحدث له متعة جمالية.
وقد اعتمد المؤلف المصري، والممثل المصري على خيال (الجمهور) في تخيل الأبطال الحقيقيين، بهيئتهم التي يعرفها (الجمهور)، فلا مخرج العرض إيجاد ممثل طوله خمسة امتار وربع.
كذلك قام المؤلف المصري القديم بتلخيص الأحداث، واختيار المؤثر فيها معتمدا على ذاكرة (الجمهور)، في معرفته بالأحداث التي مرت بالشخصية الممثلة ، لذلك كان (الجمهور) هو المصدر الحسي للتأليف والتمثيل الحسي، بالنسبة للمؤلفين والممثلين المصرين القدماء.
(الجمهور) المصري كان لديه ثلاثة أشكال
وقد عبر الممثل المصري القديم ( إيخر نفرت – Ikhernofret)، في لوحته عن وصفه لواحد من العروض التمثيلية التي كان بطلها بقوله (لقد مثلث ظهور آب – وات ap-uat حينما خرج ليدافع عن أبيه.
وقد رددت العدو على عقبيه من زورق نشمتneshmet ، وقهرت أعداء أوزوريس، وقمت بتمثيل (القوة الجبارة) وتتبعت الإله في كل خطواته، وأنا الذي جعلت زورق الإله (يتحرك).
وهكذا حتى يصل إلى الذروة العليا فيقول: وأنا الذي جعلته (أي أوزيريس) يقوم في الزورق الذي يحمل جماله، وجعلت قلوب سكان الشرق تمتلئ بالغبطة، كما جعلت المسرة بين سكان الغرب.
وذلك عندما رأوا الجمال وهو نازل في أبيدوس، جالبا أوزيريس حنتي – أمنتي khenti amenti ، رب أبيدوس، إلى قصره، وهذا واحد من العروض التمثيلية الخاصة بأوزيريس التي كانت تقدم للجمهور المصري القديم.
وهكذا نرى أن فن المسرح المصري هو أساس المسرح في العالم نصا وعرضا، ونعرف أن (الجمهور) المصري كان لديه ثلاثة أشكال، وهم الطقس، والاحتفالية، والعرض المسرحي.
فلم يخرج المسرح من طقس معبدي كان يقدم في بلاد اليونان لديونيسيس، بل ظهر فن المسرح في مصر منفصل تماما عن الطقوس والاحتفالات، وهذا ما عرفناه عن طريق جمهور المسرح المصري القديم.