كتب: محمد حبوشة
اكتظت الشاشات الفضائية بجلسات (محكمة العدل الدولية) في لاهاي يومي 11 و12 يناير 2024، للنظر في القضية المرفوعة من طرف جنوب أفريقيا بشأن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، والذي أودى بحياة أكثر من 23 ألفا بينهم أكثر من 10 آلاف طفل.
وفي طلبها الذي قدمته في 29 ديسمبر، اتهمت بريتوريا إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية بما يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي وقّعت عليها جنوب أفريقيا وإسرائيل، وتحتفظ الأطراف الموقعة على المعاهدة بحقها في منع الجريمة ووقفها.
وتستند جنوب أفريقيا في دعواها أمام (محكمة العدل الدولية) إلى حقيقة مقتل آلاف الفلسطينيين وتشريدهم بشكل جماعي وتدمير منازلهم إلى جانب التصريحات التحريضية التي أدلى بها عدد من المسؤولين الإسرائيليين.
والتي تصور الفلسطينيين على أنهم دون البشر وأنه يتوجب إنزال العقاب الجماعي بهم، وهو ما يمثل إبادة جماعية ودليلا على النية بارتكابها.
وتتضمنت الدعوى كذلك إشارة إلى الحظر المفروض على إدخال الغذاء وتدمير الخدمات الصحية الأساسية للنساء الحوامل والأطفال بوصفها إجراءات اتخذتها تل أبيب “بغرض تدمير (الفلسطينيين) جماعيا.
في 11 يناير بدأ الشطر الأول من القضية المرفوعة أما (محكمة العدل الدولية)؛ وركز على طلب عاجل من جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية بإصدار أمر للجيش الإسرائيلي بالخروج فورا من قطاع غزة ووقف القصف العشوائي للمدنيين هناك.
إقرأ أيضا : إسرائيل تستهدف (الصحفيين) لحجب حقيقة جرائمها البشعة !
ويعتبر هذا الطلب استثنائيا بالنظر إلى أن قواعد عمل (محكمة العدل الدولية) تتيح للدول المطالبة باتخاذ تدابير مؤقتة قبل بدء النظر بالقضية إذا اعتقد أحد الأطراف أن الانتهاكات التي شكلت أساس النظر في القضية ما زالت قائمة كما هو الحال في غزة.
وفي حال الموافقة على الطلب، يمكن لـ (محكمة العدل الدولية) أن تصدر أمرا في غضون أسابيع، وفي قضية أوكرانيا ضد روسيا، استجابت (محكمة العدل الدولية) لطلبات كييف بإصدار أمر طارئ ضد (غزو) موسكو في أقل من 3 أسابيع، وأمرت المحكمة في 16 مارس 2022 روسيا بـ (التعليق الفوري للعمليات العسكرية).
حماس ليست طرفا في الدعوى
ويرى مايكل بيكر البروفيسور في كلية ترينتي في دبلن أن خصوصية القضية المطروحة من طرف جنوب أفريقيا تجعل الأمر صعبا، ويوضح قائلا (إن حالة أوكرانيا مختلفة؛ لأن الطرفين هما الطرفان المتورطان في الصراع..
بينما حماس ليست طرفا في الدعوى، وقد تكون (محكمة العدل الدولية) مترددة في القول إنه يتعين على إسرائيل وقف أعمالها، في حين أنها لا تستطيع أن تطلب من حماس أن تفعل الشيء نفسه).
مضيفا أن المحكمة قد تطلب – بدلا من ذلك – من تل أبيب إظهار المزيد من ضبط النفس.
ويرجح المراقبون أن يستغرق إصدار حكم كامل عدة سنوات، تحدد فيه المحكمة ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت إبادة جماعية في غزة.
والمثال على ذلك مأخوذ من قضية رفعتها جامبيا ضد ميانمار عام 2019 بسبب حملتها العسكرية على اللاجئين الروهينغا والتي ما زالت المحاكمة تواصل النظر فيها، بعد مرور أكثر من 4 سنوات على بدئها.
ومن السابق لأوانه القول ما إذا كانت إسرائيل ستعترض على اختصاص (محكمة العدل الدولية) في هذه القضية، تماما كما فعلت روسيا في قضيتها مع أوكرانيا، رغم كون موسكو طرفا في اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: لماذا تنجح (إسرائيل) عادة في كسب معارك الدعاية؟! (1)
يصعب التنبؤ بكيفية تصويت القضاة أو الشكل الذي قد يتخذه الحكم، ولكن إذا وجدت الأغلبية أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي في نهاية المداولات الطويلة، فإن تل أبيب ستكون ملزمة بفعل ما تقرره (محكمة العدل الدولية).
وتعد أحكام (محكمة العدل الدولية) ملزمة قانونا ولا يمكن استئنافها، لكن المشكلة أنه ليس لدى المحكمة سلطة تنفيذ، وهو ما سيمثل مشكلة لجنوب أفريقيا، ويقول الخبراء في هذا الصدد إن (هناك خطرا حقيقيا من أن الحكم السلبي لا يؤدي إلى الامتثال).
وفي حالة عدم امتثال إسرائيل، يمكن لجنوب أفريقيا أن تتوجه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتنفيذ القرار، لكن الولايات المتحدة، الداعم الأول لإسرائيل تتمتع هناك بحق النقض (الفيتو).
حماية إسرائيل من العقاب
وهو ما يمكن واشنطن من حماية إسرائيل من العقاب، كما فعلت عدة مرات في هذه الحرب، علما أن الولايات المتحدة استخدمت هذا الحق لنقض 34 من أصل 36 مشروع قرار اقترحها مجلس الأمن بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
يمكن واقعيا لدول أخرى أن تتدخل قانونيا لصالح إسرائيل أو جنوب أفريقيا، رغم أن أية دولة لم تقم بذلك لغاية الآن، وفي قضية أوكرانيا ضد روسيا، تدخلت 32 دولة، بما في ذلك كل دول الاتحاد الأوروبي (باستثناء المجر)، لدعم أوكرانيا.
ويقول بيكر إنه يمكن للدول أو المنظمات إصدار بيانات سياسية لدعم أي من الطرفين، وهو ما حصل عندما قامت ماليزيا وتركيا وبوليفيا وعدد من الدول الأخرى بدعم بريتوريا في رفع القضية، بالمقابل دافعت الولايات المتحدة أيضا عن إسرائيل في عدة تصريحات.
من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم السبت الماضي إن (محكمة العدل الدولية) لن تردع إسرائيل عن مواصلة حربها في قطاع غزة حتى تحقيق النصر الكامل، ولمح إلى احتمال سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا.
وتأتي تصريحات نتنياهو بعد يوم من جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
وقال نتنياهو في خطاب بثه التلفزيون الرسمي الإسرائيلي (لن يوقفنا أحد، لا لاهاي ولا محور الشر، لا أحد)، وذلك بحسب تصريحاته، ووصف القضية المرفوعة ضد إسرائيل بأنها هجوم على الدولة اليهودية ونفاق وانحطاط.
وقال نتنياهو إن (ما يحدث في لاهاي عار أخلاقي، ولن يمنعنا أحد من القتال حتى النصر في غزة)، وأضاف (الهجوم على دولة اليهود يعتبر نفاقا وانحطاطا في التاريخ الإنساني ضد شعب قام من رماد المحرقة).
نيتنياهو يتحدى محكمة العدل الدولية
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: (أوضحت لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هذه الحرب ليست حربنا فقط، بل حربكم أيضا وهي حرب ضد محور الشر.
وفي إشارة إلى ما يبدو أنه مساع إسرائيلية للسيطرة على محور فيلادلفيا ،قال نتنياهو – خلال مؤتمر صحفي عقده السبت – (لن ننهي الحرب بدون إغلاق الثغرة في محور فيلادلفيا، وإلا فإن دخول الأسلحة سيتواصل) وفق تعبيره.
وفي معرض رده على سؤال صحفي حول تصريحاته بشأن المحور، قال نتنياهو إن إسرائيل لم تتخذ قرارا بعد بخصوص سيطرة عسكرية محتملة على المحور الحيوي الذي يقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وأكد نتنياهو أن إغلاق المنطقة الحدودية لعزل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أحد أهداف الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، وأشار إلى أن تل أبيب تدرس عدة خيارات من ضمنها نقل قوات عسكرية إلى فيلادلفيا.
وأضاف نتنياهو أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالعودة إلى شمال قطاع غزة ما دام القتال مستمرا هناك.
والآن بعد مرور أكثر من 100 يوما على حرب الإبادة الجماعية ووقوع الآتي:
(1,993) مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال.
(30,843) شهيداً ومفقوداً.
(23,843) شهيداً ممن وصلوا إلى المستشفيات.
(10,400) شهيد من الأطفال.
(7,100) شهيدة من النساء.
(337) شهداء من الطواقم الطبية.
(45) شهيداً من الدفاع المدني.
(117) شهيداً من الصحفيين.
(7,000) مفقود 70% منهم من الأطفال والنساء.
(60,317) مصابا.
(6,200) إصابة بحاجة للسفر للعلاج لإنقاذ حياة.
(707) جريحا فقط من سافروا للعلاج.
(10,000) مريض سرطان يواجهون خطر الموت.
(99) حالة اعتقال من الكوادر الصحية.
(10) معتقلين من الصحفيين.
(2) مليون نازح في قطاع غزة.
(400,000) مصاب بالأمراض المعدية نتيجة النزوح.
ترى هل في ظل تلك الأرقام المفزعة سيلوح في الأفق أمل في محاكمة دولة إسرائيل العنصرية في حرب الإبادة التي تشنها على فلسطين المحتلة، وسط اندهاش العالم بنتائج هذه الحرب البشعة.. أغلب الظن أن الأمر سيمر مروروا الكرام، طالما أن أقطاب العالم بلاضمير.