بقلم: بهاء الدين يوسف
مغامرة كبيرة خاضها النجم (ليوناردو دي كابريو)، والمخرج الكبير (مارتن سكورسيزي) عند تقديم أحدث أفلامهما (قتلة زهرة القمر) أو ( Killers of theflower moon).
وهو الفيلم الذي يحكي قصص حدثت في بدايات القرن العشرين، حينما تحايل الأمريكيين البيض على السكان الأصليين من قبيلة (الهوساج) بعد اكتشاف النفط في أراضيهم.
المغامرة تمثلت في تقديم فيلم (قتلة زهرة القمر) بحيث لا يحمل مقومات الجاذبية الشعبية التي تجعل المنتجين ومنهم( سكورسيزي) نفسه يضمنون تغطية تكاليف الفيلم وتحقيق معدل أرباح جيدة من حصيلة إيرادات شباك التذاكر حول العالم.
مثلما تمثلت أيضا في تقديم عمل صادم للمجتمع الأبيض العنصري في أمريكا الذي يعيش حالة من الانتعاش ولا يزال حتى الآن، منذ نجاح العنصري (دونالد ترامب) في الانتخابات الرئاسية عام 2017.
يمكن القول أن (سكورسيزي) تحمل نصف مخاطر المغامرة فقط المتعلقة بالجانب المادي، حيث لم يحقق فيلم (قتلة زهرة القمر)، منذ بدء عرضه في نهاية أكتوبر الماضي وحتى التاسع عشر من ديسمبر الحالي سوى 156 مليون دولار فقط في وقت بلغت تكاليف انتاجه 200 مليونا.
ووفقا للتقارير المتخصصة التي نشرتها مجلة (فارايتي) الأمريكية فإن نقطة التوازن بين المصروفات والإيرادات هى 500 مليون دولار ما يعني أن الفيلم بعيد جدا عن الوصول لهذا الرقم في الفترة المقبلة.
(قتلة زهرة القمر) وترحيب النقاد
في المقابل لقي فيلم (قتلة زهرة القمر) ترحيبا واسعا من النقاد حول العالم، حيث وصفه (بيتر برادشو)، ناقد صحيفة الجارديان البريطانية، إنه يقدم ملحمة مرعبة توضح مذابح الإبادة الجماعية التي رافقت ولادة المجتمع الأمريكي الحديث.
فكرة المذابح الجماعية التي تحدث عنها الناقد البريطاني، هى التي تسيطر عليك وأنت تشاهد أحداث فيلم (قتلة زهرة القمر) الذي شارك في بطولته أيضا النجم الكبير (روبرت دي نيرو).
حتى تشعر طوال الأحداث وكأنك تشاهد نسخة قديمة مما فعله ويفعله قادة إسرائيل مع الفلسطينيين أصحاب الأرض والسكان الأصليين لدولة فلسطين المحتلة من تلاعب وخداع وتآمر واحتيال للاستيلاء على ما ليس لهم.
ويزداد الشعور عمقا حين يكشف (سكورسيزي) خلال الأحداث عن أن (ويليام بيل وإرنست) يهوديان ساهما في تأسيس مجتمع البيض في أمريكا من خلال الإبادة الجماعية للسكان الأصليين.
وها هو المجتمع البيض الأمريكي يرد الجميل لليهود بنفس الطريقة عبر دعم مذابحهم المروعة وخطط الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: (نابليون).. رؤية ساخرة في ثوب ملحمة تاريخية !
قصة فيلم (قتلة زهرة القمر)، الذي تستمر أحداثه لمدة 3 ساعات وثلث الساعة تقريبا ويحتاج الى صبر كبير وتفرغ أكبر لمشاهدته والاستمتاع به، تدور حول قبيلة (الهوساج) من السكان الاصليين في أمريكا التي تقطن في ولاية أوكلاهوما.
والتي سمح أفرادها لمجموعة من السكان البيض بالعيش معهم جنبا إلى جنب بدعاوى مضللة مثل التطوير والتمدين وخلافه.
واحد من قادة هؤلاء البيض هو (ويليام بيل هيل) الذي يؤدي دوره (روبرت دي نيرو)، وهو رجل أعمال ومقاول مرموق يبني المدارس والمستشفيات للسكان الأصليين ويحرص على كسب ود قادتهم بشكل مستمر.
لكنه في الحقيقة أكبر متآمر عليهم بالتعاون مع إرنست بوكهارت (دي كابريو) الذي يظهر في بداية الفيلم وهو عائد من الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي.
(إرنست)، ينادي (ويليام هيل) باعتباره عمه، وأحيانا بلقب الملك ولا يظهر على وجه التحديد طبيعة علاقة القرابة بينهما.
نهاية فيلم (قتلة زهرة القمر)
لكن الأحداث تكشف أن (إرنست) مع شقيقه (بايرون) يساعدان (الملك) في تحقيق أهدافه القذرة لإخلاء البلدة من سكانها الأصليين حتى يسهل عليهم السيطرة على آبار النفط حديثة الظهور في ذلك الوقت.
كذلك يساعدان عمهما في ايقاع فتيات (الأوساج) في غرامهما والزواج منهما قبل التخطيط للتخلص من تلك الفتيات بالقتل،ومن ثم وراثة ممتلكاتهما.
لكن (إرنست) يغرم بمولي التي تؤدي دورها الممثلة (ليلي جولدستون) ذات الأصول الممتدة للسكان الأصليين، ما يجعله في حيرة بين حمايتها وحماية مصالحها، مثلما يفعل الزوج الصالح مع زوجته، وبين تنفيذ أوامر عمه بالتآمر على شقيقاتها ثم عليها نفسها في وقت لاحق.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: فيلم سينمائي.. يفضح العلاقة بين (أمريكا) وإسرائيل
تتطور الأحداث في فيلم (قتلة زهرة القمر) ليلقى القبض على (ويليام بيل وإرنست)، ويحاول المحققون تأليب الأخير على عمه مقابل الحصول على صفقة للعفو عنه.
وفي نفس الوقت يمارس العم ضغوطه عليه عبر المحامين وعدد من رجال الأعمال المشاركين في المؤامرة على شعب (الأوساج) لعدم القبول بالصفقة.
نهاية فيلم (قتلة زهرة القمر) كانت واحدة من الإبداعات غير التقليدية لمارتن سكورسيزي، لكنها تتفق مع منهجه الفني في مكاشفة المجتمع الأمريكي بمساوئه القديمة خصوصا مثلما فعل في فيلم (عصابات نيويورك) الذي قدمه عام 2012 مع (دي كابريو) نفسه.
لكن لطول مدة الفيلم وتعدد تفاصيل الكتابة عنه يحتاج تحليل أداء المخرج والممثلين إلى جزء ثان نلتقي فيه في الأسبوع المقبل إن شاء الله.