بقلم الدكتور: كمال زغلول
(التمثيل الصامت) واحد من طرق التمثيل المستخدمة في الأداء التمثيلي، وتعتمد هذه الطريقة على المشاعر الداخلية للممثل في التعبير عن الدور الذي يقوم بأدائه.
بمعني أن الممثل ينفعل داخليا ليعبر عن الحالات الانفعالية التي يدور حولها محور الحدث، هذه الحالات قد تكون حقد أو غضب أو سرور، أو لحظات من الرومانسية أو ما شابه ذلك.
وأهم ما في هذه الطريقة التمثيلية أن شعور الممثل الداخلي ينطبع على سائر جسده من الوجه حتى الأرجل في (التمثيل الصامت)، بحيث يظهر على وجه وجسده الصورة الشعورية للشخصية، في حالاتها المختلفة.
وكأن الحالة الشعورية أصبحت صورة مطبوعة على جسد الممثل، وقد استخدم المسرحي المصري القديم هذه الطريقة التمثيلية داخل عروضه المسرحية، مما يؤكد على براعة المصري القديم في استخدام اكثر من طريقة تمثيلية داخل مسرحه.
إقرأ أيضا : كمال زعلول يكتب: (إيزيس) .. والانتصار على ست !
وهذا ما نراه إذا ما تعرضنا لشخصية (ست) واحدا من أبطال المسرح المصري، فظهوره في أحداث العروض المسرحية ظهور صامت التعبير، وهذه الشخصية التمثيلية تدهش أي مسرحي.
فكيف يكون بطل المسرحية عبر (التمثيل الصامت) في معظم العروض المسرحية؟
ولكن براعة التأليف المسرحي القديم وطريقة العرض، جعلت تلك الشخصية مؤلفة عن طريق انفعالها الداخلي الذي ينطبع على جسده.
ليعبر عن حالة تلك الشخصية من حقد وغل دون أن يتكلم، ونسوق مثال من حدث مقتل أوزيريس، ونشاهد معا، كيف كان تعبير ست التمثيلي أثناء قتله لأخيهن.
وسوف نقوم بتقسيم هذ الحدث الي مشاهد حتى نري براعة المسرحي المصري القديم في تقديم (التمثيل الصامت).
البداية :
المنظر الأول:
يظهر ست في افتتاحية المشهد داخل قارب مع اتباعه متجها إلي مكان أوزيريس (الجالس تحت شجرة الجميز)، يظهر وهو في القارب يحمل السلاسل الحديدية، التي سوف يستخدمها في قتل أوزيريس..
بالإضافة إلى الخنجر وبعض الأسلحة)، وكل ما يحمله ست من أسلحة وأغلال تعبر عن مدى الحقد الدفين الذي يكنه لأخيه (أوزيريس).
أوزريس و(التمثيل الصامت)
المنظر الثاني:
(أوزيريس) يشعر بدنو أجله بطريقة (التمثيل الصامت)، ويعرف أنه ميت لا محالة، ومع ذلك يتوسل لـ (أتوم رع) عندما يرى المركب قادمة حاملة ست ورفاقه. (أوزيريس): خائفا.. لا تتخلى عن (أوزيريس)، أيا (أتوم رع)، وإلا فهو هالك لا محالة.
المنظر الثالث:
(ست) يتجه بمركبة إلي الشاطئ ومعه اتباعه، وأثناء رسو القارب على الشاطئ يتوجه (أوزيريس) بكلامه إلي ست لكي يثنيه عن قتله.
(أوزيريس): أني لم أرتكب إثما، لاتجعل بغضك يتفجر ضدي، إنني أمنح، وسأعصيك وفقا لأوامري، ولا تنتزع قلبي من جنياه، فإنني أنا رب الحياة.
المنظر الرابع:
يهبط (ست) من القارب هو أتباعه، ويقومون بضرب (أوزيريس) ضربا مبرحا، جعله غير قادر على الحراك.
المنظر الخامس:
قام (ست) بعمل حبال على شجرة الجميز فيما يشبه المشنقة، وقام هو وأعوانه بوضع (أوزيريس) على المشنقة، (ست يشعر بالرضا والفخر) .
المنظر السادس:
(ست) يتلزز بمشاهدة (أوزيريس) هو يعاني من سكرات الموت (أن هذا الانفعال من ست يعبر عن مدى كرهه لأوزيريس).
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (إيزيس) وست.. الصراع المميت !
المنظر السابع:
(ست) يخرج الخنجر من وسطه، ويستعد لانتزاع قلب (أوزيريس) الذي مازال ينبض بالحياة، (ست) ينتزع قلب أوزيريس، وتكون نهاية أوزيريس المفجعة.
أتباع (ست): يهللون ويهتفون به ملكا للبلاد.
المنظر الثامن:
اتباع وأعوان (ست)، يقمون بحمله على محافه خشبية ويطوفوا به البلاد ويداه ملطختان بالدماء، ليعلن عن انتصاره، ويعلن عن مقتل (أوزيريس).
المنظر التاسع:
ظهور (إيزيس ونفتيس)، وهما يبكيان (أوزيريس).
ومن التقسيم السابق لهذا الحدث، نلاحظ أن شخصية (ست) في هذا المشهد صامته عبرت عن كل حالات الحقد والغل الذي يكنه إلي أخيه (أوزيريس)، في لحظات قاتمة السواد.
ونرى براعة مؤلف الشخصية في التعبير عن المشاعر الداخلية لشخصية (ست) بطرية التمثيل الصامت، وهذا المشهد يتم داخل بحيرة المعبد التي ذكرنها في مقالنا السابق.
طريقة (التمثيل الصامت)
فالبراعة الإخراجية للمصري القديم تظهر في البحيرة بصورة ثلاثية الأبعاد، وطريقة (التمثيل الصامت) لشخصية (ست)، لعمل تأثير زماني مكاني على المشاهد وكأنه يشاهد موقع الأحداث.
ونرى صورة أخري من أداء (ست) الصمت تصور بعث (أوزيريس)، ومعرفة (ست) ذلك لتأكيد على ظهور تلك الشخصية مشاعرها الدفينة في جميع عروضها.
وهذا المشهد أسطوري المقصود منه بعث (أوزيريس)، ويتم أيضا في البحر الذي يستخدم في العبد عل شكل بحيرة، ولن نستعرضه كاملا ولكن نستعرض أداء (ست) فقط (التمثيل الصامت):
المشهد:
(أوزيريس) يبعث بعد الموت ويقول: إنني الأمس واليوم وغدا، وأنا قادر على أن أولد من جديد.
(ست) داخل قصرة يستقبل هذا الحدث من خلال بعض العلامات التي شاهدها عبر نوافذ قصرة، وهى احمرار لون السماء، وتألق قمم الجبال.
أصوات بعض الرعود المكتومة تنبئوه بأن الغضب الإلهي على وشك الانفجار، وبعد حوالي بضعه ساعات سرعان ما ابتلع اليم (الأمنتت).
وبالطبع الممثل الذي يقوم بشخصية (ست) يستقبل كل هذه العلامات بإيماءات وتعبيرات جسدية، فقط دون التعبير الصوتي.
وهكذا استخدم المسرحي المصري القديم طريقة (التمثيل الصامت – البانتومايم ) في مسرحه، وقدمه في صورة إخراجية حديثة معتمدا على المنظر المسرحي في المعبد المشتمل على البحيرة الصناعية التي أعدها لإخراج هذه المشاهد.
ونستنتج مما وصلنا من برديات تصف العروض المسرحية التمثيلية في مصر القديمة أن (التمثيل الصامت) واحدا من الطرق التمثيلية العديدة التي استخدما المسرحي المصري القديم.