بقلم الدكتور: مدحت الكاشف*
لما كانت الفنون الإبداعية بوصفها المعبر عن ثقافة أي مجتمع حيث يناط بها تحقيق صورة الوجود الإنساني، أوبناء نوع من الاتحاد (الاجتماعي/ الثقافي) حول الهموم العامة بين البشر.
من خلال ما تملكه هذه الفنون من عناصر جمالية Aesthetic elements تعبر عما هو ثقافي اجتماعي، وتسعى إلى تجسيد توازن الفرد مع ثقافته الاجتماعية في لحظة ما، خارج الزمان والمكان.
فإن هذه العناصر الجمالية تكمن في حقيقة الموضوعات التي تعالجها هذه الفنون على اختلافها وتنوعها، وكذلك اللغة التي تستخدم للتعبيرعن هذه الموضوعات من خلال المسرح والسينما والدراما التلفزيونية.
ومن أجل قيام الفنون بوظيفتها الاجتماعية بغرض إحداث التأثير (الثقافي) في المجتمع يجب النظر إليها باعتبارها وسيلة لخدمة غاية أو هدف من خلال أعمال تركز على البعد الاجتماعي في حياة الناس.
إقرأ أيضا : د.مدحت الكاشف يكتب: الإبداع .. رؤية حول الحرية
وذلك على اعتبار أن العمليات الإبداعية التي تكتنف الفنون بكل فعالياتها هي أقرب إلى التأثير المتبادل بين الأوضاع الثقافية والاجتماعية السائدة في المجتمع الذي تتم فيه ممارسة تلك الفنون السمعية والبصرية، وغيرها من قوالب فنية تتسم بالجدية.
وبين التكوين النفسي والوجداني والجمالي للمبدعين، ويتم وصف هذه العمليات الإبداعية بأنها: نوع من الصراع بين الأيديولوجيا Ideology أو (الأفكار) الذاتية والشخصية للمبدع المسرحي والسينمائي والتلفزيوني.
وبين الأيديولوجيا السائدة في المجتمع على المستوى (الثقافي)، عندئذ تصبح تلك الفنون الإبداعية بمثابة صفقة أيديولوجية فيما بين المبدع والمتلقي بحيث تظهر في عروض مسرحية مختلفة.
فالأيديولوجيا هى مصدر القدرة المجمعة للمبدعين والمشاهدين وهى تقريباً ما توحد الإحساس، والتذوق الفطري المشترك للمدلولات المستخدمة في أي إبداع فني في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية.
وعليه فالأيديولوجيا تقدم الإطار الذي يقوم به الفنانون بتقديم اللغز والشفرة في قالب إبداعي يتسم بالجدية والإثارة والدهشة، ويقوم المتلقون بفك رموزها ومعانيها.
ذوات المبدعين في المجال (الثقافي)
ومن هنا يمكن القول إن الفن عامة ليس مجرد تعبيراً عن ذوات المبدعين فحسب في المجال (الثقافي) العام أو الفني بصفة خاصة.
ولكنه تعبير بالصور والصيغ (الجمالية) التي ترجع إلى أصلها (الثقافي/ الاجتماعي)، ولذا نجد أن تطور البني الفنية في الفنون لم تنفصل عن رؤية مبدعيها للمجتمع الذي يعيشون فيه على مستوى الرؤية الفنية.
وذلك من خلال هذا التأثير (الثقافي) المتبادل والمستمر بين الموضوعات التي يقدمها هؤلاء المبدعون في الفنون، وبين حركة تطور المجتمع النابض بالحيوية والنشاط.
إن هذه البني المتغيرة بتغير المجتمع، ومفاهيمه هذه المادة الملموسة التي تقبع في أعماقها رسالة المبدع في مجال الفنون التي تعني بالتأثير (الثقافي)، متفاعلة مع موضوعه المختار، ولذا فإن البنية تتغير بتغير المتعامل معها.
إقرأ أيضا : د. مدحت الكاشف يكتب : الفنون والقيم الاجتماعية
خاصة في مجال المسرح على سبيل المثال باعتباره عملية تفاعل خلاق بين فنون مختلفة مرئية ومسموعة، الأمر الذي يتطلب من ذلك المبدع وعياً جمالياً بالقوانين الثقافية والاجتماعية الثابتة أو المتغيرة.
تلك التي تشكل حركة تطور مجتمعه، حتى يكون قادراً على تفعيلها، أو مناهضتها وفقاً لموقفه الأيديولوجي، وكما يتعامل الفنان مع الوسائل الجمالية والحرفية في الفنون.
كذلك فإن المتفرجين يتلقون مضمون العرض المسرحي من خلال مجموعة من العمليات التأويلية Hermeneutique التي تحددها هذه القيم المرتبطة بثقافة المجتمع الذي نعيش فيه.
الأمر الذي يكشف عن حضور المجتمع (وقيمه) بقوة داخل مجتمع العرض المسرحي، وهو ما يؤكد أيضاً عدم إمكانية فصل الخطاب المسرحي للعرض عن الثقافة الاجتماعية التي أفرزته.
البعد الفني في الإنتاج (الثقافي)
فهو جزء من جمالياتها الفنية والإنسانية، حيث تلعب أشكال الإنتاج الفني المتاحة للفنان دوراً فاعلاً في عملية بناء العمل الفني في بعده (الثقافي).
وعليه فإن أفكار الفنان وقيمه الثقافية باعتبارها قد تشكلت اجتماعياً تنتقل من خلال موضوعات ثقافية، وأدبية خاصة بالأسلوب، واللغة، والجنس الأدبي، والمفردات الجمالية التي يتم توظيفها في مجال الفنون.
وكما يتعامل الفنان مع خامات وتقنيات الإنتاج الفني في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، فإنه يتعامل أيضاً مع المادة المتاحة من المواصفات والأعراف الجمالية.
هذا يعني بالتالي أننا عندما نضطلع بقراءة المنتج (الثقافي)، فنحن بحاجة إلى فهم منطق البناء الخاص به، ونوعية الشفرات الجمالية التي تتدخل في عملية تشكيله.
ومما سبق فإن النظرة التحليلية لموضوع الأبعاد النفسية والاجتماعية للفنون الإبداعية، تتعلق بالأسس التي وضعتها بعض العلوم الإنسانية لتحليل الظاهرة الإبداعية في المجتمعات الإنسانية.