بقلم: علا السنجري
من وقت لآخر يظهر عمل عناصره إلى حد كبير متكاملة يخلق حالة تفاعل مع المشاهدين، إلى الحد الذي يجعل المشاهد يتعامل مع الشخصيات الدرامية على أنها حقيقية وليست خيالية، مثل مسلسل (صوت وصورة).
وهو من الأعمال التي يصدقها ويتعاطف معها أو يكرهها ويتمنى أن ينتقم منها، و(صوت وصورة) واحد من هذه الأعمال التي تناقش العديد من المشكلات بشكل يجعل مقعد المشاهد وسط الأحداث، وليس مجرد متفرج لعمل درامي جيد حتى لو أصابه آفة التطويل والمط .
(صوت وصورة) عمل يتناول مشاكل التكنولوجيا والميديا الجديدة التي صارت تحدد موضوعات الساعة، وتظهر نوع من المشاهير جديد يطلق عليهم (البلوجر والمؤثر).
لهم فيديوهات متنوعة وإعلانات لا تهتم سوى بمكاسب المشاهدات وعدد المتابعين، والمحتوى أي شيء يخلق إثارة وجدل.
يتناولوا حياة آخرين بالسخرية والنقد السلبي، أو الرقص وإثارة شهوة المتابع، أو تشويه تاريخ وحقائق ولا يقدم معلومة صحيحة، والعنوان لابد أن يكون أكثر إثارة.
المهم العائد المادي، وكيف للبطلة ان تمنع ابنتها من الإنترنت، بل وتكره الإنترنت لتقع هي ضحية له، ومع تطور الأحداث تصبح أحد نجومه.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: بين مسلسل (صوت وصورة) وعدوان (غزة)
وكيف يمكن قلب الحقائق عن طريق (الذكاء الاصطناعي)، وظاهرة ما يسمى باللجان الإلكترونية، وكيفية تحريك الرأي العام من خلالهم مقابل مبالغ مالية خيالية، وظاهرة الهاكر والاستيلاء على معلومات الآخرين.
لم يناقش (صوت وصورة) هذا الموضوع فقط، بل هناك عدة قضايا أخرى، مثل الدكتور عصام، الذي يعاني من أمراض نفسية تجعله يتحرش بالممرضات، زوجته التي تناصر قضايا المرأة، لكن حين يتعرض الأمر لاسرتها انقلبت معاييرها.
لتقف ضد المظلوم ودافعت بالكذب والإنكار لصالح أسرتها، والمحامية التي ترتدي ملابس الرجال ولديها عقد نفسية، وتقبل كل القضايا ضدهم، ناقشت الرؤية للأب، والحضانة التي تستغلها المطلقة لتضايقه بها، وتعتبرها طريقة ضغط عليه .
أحداث (صوت وصورة)
أحداث (صوت وصورة)، تدور من خلال (رضوى/ حنان مطاوع) التي تضطر للعمل لتساعد زوجها في تسديد ديون عملية جراحية قام بإجرائها، فتقع في يد دكتور (عصام الصياد/ مراد مكرم) لتعمل لديه، والذي يقوم بتصوير السيدات دون علمهم و التحرش بهم.
وهذا ما يفعله مع (رضوى)، التي تقرر أن تنتقم لشرفها وتحرر محضر ضده، إلا أنه استطاع أن يثبت أن ذلك لم يحدث، مما يثير غضب (رضوى) لأنها أصبحت ضحيته مرتين، لكن يتم قتل (عصام) وتصبح هى المتهم الأول.
يترافع عنها المحامي (لطفي عبود/ صدقي صخر)، الذي ترك المهنة بسبب غضبه من الدكتور (عصام) لإنه لم يستطع إثبات أنه طبيب فاسد ،فيتسبب في حادث سيارة سبب له أذى نفسي لوفاة صديقه .
تتعرض (رضوى) لمشاكل كثيرة ولا تجد من يساندها، حتى زوجها قام بطلاقها، وأختها المتأسلمة تهاجمها لأنها سبب كل المشاكل من يوم ما قدمت الشكوى ضد عصام.
تقابل (نورا/ آيات مجدي) في السجن وتساندها في محنتها، (نورا) سجنت بسبب شيكات بدون رصيد، تبرأت منها عائلتها، حتى والدتها لا تريد رؤيتها، لكن حين تخرج تلجأ إلى (رضوى).
مسلسل (صوت وصورة) سيمفونية رائعة تمت كتابتها بإتقان شديد على يد المؤلف محمد سليمان عبد المالك، تم كتابة الأحداث ببراعة مشرط طبيب، الكتابة متماسكة في كل المشاهد.
الاهتمام بالجوانب النفسية لكل شخصية دون سطحية، ففي البداية تجد المتحرش المتخفي وراء الشهرة والمال، والزوج الذليل، شبكة العنكبوت أو ما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي التي لا ترحم الفريسة التي تقع في الفخ.
لتزيد من قهر الضحية وتساعد في رسم خيوط الشبكة حول الضحية، التكنولوجيا التي يستغلها من له أغراض دنيئة لتشويه سمعة او إبتزاز وغيره.
قدرة مؤلف (صوت وصورة)
استطاع مؤلف (صوت وصورة) استعراض شخصياته السيكوباتية بشكل سلس، فكل منهم له لحظات سكون وانفعال مكتوب باحترافية ودراسة جيدة.
الكتابة متماسكة والأحداث مستمرة، ولم يقل اهتمام المشاهد رغم بعض الإطالة في حوارات جانبية، إلا أنها لم تؤثر على إيقاع العمل، بل أيضا ازداد تعاطف المشاهد أكثر مع أبطال المسلسل.
فقد رسم (عبد المالك) الشخصيات والمواقف جيدا، حتى أصغر الأدوار كتبت بعناية مثل الموظفان زملاء (عبد الغني/ وليد فواز) في المعمل، وفوفا وصابرين، وأخت الضابط.
كذلك اختيار أسماء بعض الأبطال له إسقاط نفسي من صفات صاحبه، (عصام الصياد) اسم يشير إلى أن صاحبه صائد للتحرش، (رضوى) دائما راضية بحالها ولا تكن تطمع فيما أكثر.
ورغم أن الموضوع الأساسي في (صوت وصورة)، هو قضية التحرش إلا أنه لم يقدم مشهد أو حوار غير لائق أو ألفاظ خارجة، بل قدم السيناريو بدقة التغير الأخلاقي والإنساني للمجتمع.
لكن كعادة كل أعمالنا الدرامية يظل متماسك حتى الحلقة الأخيرة، تأتي بشكل مختلف وضعيف، جميع الشخصيات تم كتابتها جيدا إلا شخصية (وليد/ أحمد ماجد)، لم تكن بنفس الإجادة، مواقف باهتة وتلميحات بسيطة عن علاقته بأخوه.
وأنه الولد الشقي غير المفضل لدي والديه، الحوار بين الأخوة تقليدي بكلمات مرسلة، ظهوره كقاتل بسبب الفلوس بلا تمهيد أو تقديم أسباب للشك فيه، كما حدث مع باقي الشخصيات.
(صوت وصورة).. قضيايا مجتمعية
مسلسل (صوت وصورة) منذ البداية يقدم قضايا مجتمعية، لم يكن بوليسيا حتى يقدم لنا قاتل لم يخطر ببال أحد، كما أن التحقيقات لم تلمح من قريب أو بعيد عن ضائقة مالية يمر بها (عصام) سوى مشكلة إيجار الفيلا الخاصة بالعيادة، ولم يكن بسبب عدم الدفع بل أن صاحبها يريد استرجاع الفيلا.
شخصية (عصام الصياد) تعرضت للجميع بالأذى النفسي، سواء بالتحرش مثل (رضوى)، أو بالخيانة مثل زوجته، أو استغلال الحاجة للمال مثل (سعاد/ فدوى عابد)، كل هذا لم يكن سببا كافيا لقتله، بل قتل بسبب مديونيته للمال.
من وجهة نظري أن النهاية المقنعة هى تأكيد اعتراف (رضوى) بالقتل، ودفاع (لطفي عبود/ صدقي صخر) عنها بطريقة البهلوان كما فعل سابقا، بسبب ما فعله معها (عصام).
لإظهار التحرش والتنمر الذي حدث لها على يد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لإنكار (عصام) وزوجته واتهامها بالادعاء الكاذب لتحصل على المال.
جاء الإخراج لمحمود عبد التواب، لينفذ العمل المكتوب بإدارة واعية ممزوجة بواقعية، إدارة جيدة للشخصيات بالسيناريو وحولهم لطاقة تمثيل إبداعية، قدم العمل بلغة فنية غاية في الروعة بإختيار نجوم ومواهب مميزة.
أدار حركة الكاميرا والإضاءة لتؤكد وتشارك كشخصية من ضمن شخصيات المشهد، كذلك الديكور في تباين مثل الشخصيات،إختيار الملابس رائع.
فهناك فرق بين المحامي في البداية بالجلباب وسط الزرع، وبين ملابسه كمحامي عائد لانقاذ (رضوى)، بدل واسعة وقمصان تعتبر مكوية، وبعد شهرته، ملابس (رضوى) وأخواتها البسيطة التى تشبه كثير من سيدات الأحياء البسيطة.
ملابس (ماجدة/ ناردين فرج) التي تعبر عن شخصيتها الغامضة والمعقدة ،فهي ترتدي ما يشبه الرجال غير كاشف لجسدها.
أغنية التتر لنادر حسين، تكمل عناصر النجاح للعمل، لتعبر عن حالة (رضوى)، وما يصادفها من مشاكل وعقبات، تقوم بالغناء هنا يسري ومن ألحان نادر حمدي، وجاءت كلمات الأغنية كالآتي:
مش مفروشلنا الدنيا ورد طول طريقنا
فى يوم بتسعدنا ويوم فيه بتضايقنا
ولولا حبه من الأمل معيشينا
ومصبرنا على اللى ودعنا وفارقنا
أيامنا مهما ضلمت لازم تنور.
براعة حنان مطاوع في (صوت وصورة)
التمثيل في (صوت وصورة) كان مباراة متناغمة بين جميع المشاركين، فكل منهم أبدع في تقديم الشخصية بإتقان، فنجد بطلة العمل حنان مطاوع (حنة بت القبايل، كما أحب أن اناديها كلما كتبت عنها).
فهي مبدعة تعرف كيف تتألق بالشخصية المكتوبة، ففي هذا العمل برعت في تقديم (رضوى) وأزمتها، منذ بداية قضية التحرش وتخلي الجميع عنها ولم يقف بجوارها سوى أختها الصغرى (رانيا/ ولاء الشريف).
بملامحها ونظرات عينيها أجادت تقديم مشاعر الخيبة والخوف والصدمة،عبرت عن مشاعر الأم ورعبها من أن تفقد ابنتها، حنة بسهولة قدمت (رضوى) بسلاسة جعلتك تتعاطف معها ولا تصدق أنها قاتلة .
الجميلة (نجلاء بدر) يرى الجميع أنها تفوقت على نفسها في (صوت وصورة)، ولكن من وجهة نظري أن الفنانة (نجلاء بدر) لم تجد دورا يظهر موهبتها الحقيقية مثل شخصية نرمين.
إقرأ أيضا : حنان مطاوع .. سحر التمثيل متعدد الـ (وجوه) !
لتصبح السهل الممتنع في تقديم شخصية تعيش بين المتناقضات ،بين عملها لمساندة المرأة والدفاع عنها ومهاجمة (رضوى)، بين أن تقف في صف زوجها المتحرش ضد الضحية، وبين محاولاتها لتخفي حقيقة زوجها وإنقاذ كبريائها، بين حماية أولادها والتستر على حقائق، قدمت العديد من الانفعالات المتقنة.
حولت (نجلاء بدر) الشخصية المكتوبة في (صوت وصورة) إلى أداء رائع بين التغيير وعدم الثبات على انفعال واحد، بل هى متطورة مع الأحداث من النقيض للنقيض.
فهى هنا لاتشبه أي دور قدمته من قبل، فلم تقع في فخ نمطية الأداء، بل برعت في تجسيد نرمين بواقعية وصدق.
(عمرو وهبة)، الموهبة الكوميدية غير العادية في التلقائية الشديدة، وكانه لا يقف أمام كاميرا، ليقدم (وافي) الهاكر الطيب الممزوج بكوميديا خفيفة دون ابتذال، يقدم الإفيه في مكانه دون خلل بالعمل.
(وليد فواز).. عودة قوية
(وليد فواز)، يرى البعض يرى أنها عودة قوية الرهيب (وليد فواز)، يرى البعض يرى أنها عودة قوية له ولكن المتابع الجيد له سيجد أنه موهبة بطاقة هائلة لديها الكثير بداخلها لم يقدمه بعد، قدم في (صوت وصورة) دور لرجل مريض يتلذذ بكونه ضحية.
رغم أنه متخاذل وجبان، لا يواجه بل سهل في الهروب والإنكار، يجد شماعة في إلقاء اللوم على الضحية حتى لا يظهر بدور الندل، أجاد انفعالات عبد الغني جيدا خاصة في مواجهة رضوى لما وجدها مع المحامي.
وأمام (سعاد) في تصميمها لأن يعيد ابنته، تمكن (وليد فواز) من إظهار جوانب الشخصية المعقدة والتي تمتلئ بالكثير من النذالة والضعف باقتدار.
إلى الحد الذي جعل أغلب المشاهدين يكرهون الشخصية، وفي ذات الوقت ينتظرون المشاهد الخاصة به.
(صدقي صخر) مفاجأة العمل
(صدقي صخر) هو عن جدارة مفاجأة العمل، ففي أعماله السابقة لم أجده مميزا، كما أدى دور المحامي (لطفي عبود).
يعتبر الدور انطلاقة حقيقية لموهبته، ىأداء جيد للمحامي المعتزل بسبب وفاة زميله بسبب سواقته السريعة، وأزمته مع زوجته ورؤية أبنه، ليتناول مشكلة الأب وما يعانيه في محاكم الأسرة للرؤية.
ليثبت أن لديه خبرة كبيرة في توازن الانفعال بدقة كبيرة حسب كل موقف،أكثر مشاهده روعة في الأداء هو استعراض التلاعب بالأدلة عن طريق الذكاء الاصطناعي.
وحين شعر بالعجز عند القبض على (رضوى)، ومشاهد مشاعر الأبوة لابنه، تمكن من التعبير بعينه وملامح وجهه ،بل وبملابسه مثل البدلة الواسعة ،ننتظر الكثير من الإبداع في أعماله القادمة .
فدوى عابد تمكنت في (صوت وصورة)، من التحرر من شخصيتها، لتصبح سعاد في كل تفصيلة تتلون مثل الحرباية لتحصل على ما تريد، فهي لم تمانع ما يفعله (عصام الصياد) بل كانت تساعده في إختيار الضحايا مقابل الحصول على أموال.
تعاني من الغيرة من (رضوى)، وتريد أن تحصل على ما كان لديها من بيت وزوج وابنة، تؤدي الدور بمنتهى التلقائية والجمال، وعلى رغم من كره المشاهد لها،الا انه ينتظر مشاهدها مع عبد الغني.
(ناردين فرج) أيضا أجادت دور المحامية النفعية الشريرة، التي تحصل على ما تريد بأي وسيلة، أداء ممتاز يحسب لها وعلامة جيدة في مشوارها.
وكذلك (مروة عيد) في دور لبنى طليقة المحامي عبود، في دور المرأة المترددة بين الاستقلال والزواج ،قدمت أداء متحكم في الحركة والصوت بموهبة رائعة، ومن وجهة نظري أن (إيمان الشريف/ تيسير) رغم صغر دورها، إلا أنها استطاعت تقديم المتأسلمة دون معرفتها بجوهر الدين بشكل متوازن جيد جدا، على العكس من (ولاء الشريف) التى وقعت في فخ النمطية، فلم أجد جديد في أدائها يختلف عن أدوارها السابقة.
(مراد مكرم).. ماركة مسجلة
الفنان (مراد مكرم) أعتبره ماركة مسجلة في الأداء الفني الناضج، والواعي للشخصيات السيكوباتية بكل تفاصيلها.
قدم الدكتور (عصام الصياد) بكل صفاته الغير أخلاقية بروعة من حيث لغة الجسد والعين بثبات انفعالي ممتاز، ليقدم الدكتور المتحرش المريض، ومعسول الكلام ليخدع ضحاياه، لكنه أيضا يعرف جيدا من داخله أنه يرتكب أخطاء لا تغتفر .
إقرأ أيضا : مراد مكرم .. الأكيل الذي احترف التمثيل
(رامي الطمباري) قدم الضابط الشخصية القلوقة دائما، لكن بداخله إنسان، وظني ان (أحمد شاهين) موهبة لم تكتشف بعد، ولكن (أحمد ماجد) يحتاج إلى ثقل ونضج فني أكثر.
مسلسل (صوت وصورة)، ضم الكثير من النجوم القديرين، أجادوا أدوارهم رغم صغر حجم المشاهد، مثل (عايدة فهمي و لاشينة لاشين وباتع خليل)، أعجبني جدا ثلاثي الكوافير، الذي لجأت إليه (رضوى) هربا من الشرطة، وهم (رباب طارق ونسمة بهي وهالة سرور).
في النهاية (صوت وصورة) كاد أن يكون كاملا في تطور الأحداث، وجذب المشاهد للنهاية بعناصر مختلفة، لولا وقوعه في بعض أخطاء المط والتطويل.