بقلم الدكتورة: سامية حبيب
تعد شخصية (شايلوك) المرابي اليهودي من أشهر شخصيات مسرح الانجليزي وليم شكسبير.
وتقف في نفس شهرة شخصيات مسرحه التي حفظها التاريخ مثل (هاملت وماكبث وعطيل)، بل وزادت شهرة الشخصية عن النص المسرحي الذي جاءت به أي (تاجر البندقية).
وحين نقرأ الدراسات التي عقدت حول نص (تاجرالبندقية) تجدها أيضا موضع دراسة وتدقيق نقدي وتاريخي.
وقد كان تأثير نص مسرحية (تاجر البندقية) لشكسبير في المسرح العربي بالغا لما تضمنه من عرض لقيم ومبادئ شخصية اليهودي في المسرح التي جسدتها شخصية (شيلوك) المرابي الطامع وغيرها من الصفات التي أسبغها عليها شكسبير في نص (تاجر البندقية).
نجد تناصا بين الاسم والصفة والجوهر لشخصية (شيلوك) في مسرحيتي الكاتبين المصريين علي أحمد باكثير (شيلوك الجديد) 1945 والدكتور إبراهيم حمادة (رطل اللحم) 1988.
بعد قراءة مقدمة محمد عناني لترجمة مسرحية (تاجر البندقية)، نجده قد ترجم لنا جزءا من مقدمة طبعة أكسفورد وكيمبردج، جاء فيها أن أصل الحكاية كما أخذه شكسبير يعود لمصادر من الأدب العربي والفارسي القديم.
يقول محمد عناني (أما فكرة اقتطاع رطل اللحم فهي مستمدة من اقاصيص ترجمت عن الفارسية العربية إلي اللاتينية أو هكذا يزعم الناشر.
أما النسخة الأولي فقد ترجمها (مالون) عن مخطوط فارسي في حوزة الضابط (توماس مونرو) من الكتيبة الأولي للفرسان بالفرقة الهندية والموجود حالياً في (تانجور).
ومشهد الأحداث في هذه القصة سوريا وأهم شخصياتها مسلم ويهودي (…)، أما النسخة الثانية فهي السيرة الذاتية لشخص يدعي (لطف الله)، وهى مكتوبة من وجهة نظر مصرية وتدور حوادثها في القاهرة) أي أن بضاعتنا ردت إلينا عن طريق شكسبير وأن أصل القصة من التراث العربي الذي نقل عبر الترجمة للغرب.
إلي جانب نص شكسبير يذكر النقاد المسرحيات التي سبقت هذه المسرحية مثل (مسرحية يهودي مالطة التي كتبها مارلو عام 1590).
الكراهية بين (شيلوك) وأنطونيو
يقول كريستوفر باري في مقدمته لطبعة مسرحية (تاجر البندقية) الصادرة عن دار ميكملان عام 1976 (كانت شرور اليهود مألوفة لجمهور شكسبير مع أنه لم يكن يعيش في إنجلترا وقت كتابة المسرحية 1596 – 1598 إلا عدد قليل من اليهود إذا أن الملك إدوارد الأول كان قد طردهم رسمياً من البلاد عام 1190)
إن الدلائل التاريخية تؤكد انزياح اليهود عن إنجلترا قبل كتابة مسرحية شكسبير بحوالي أربعة قرون، فلماذا عادت عداوة الإنجليز لليهود إلى الظهور مرة أخري في آواخر القرن السادس عشر؟
نجد الإجابة عند (كريستوفر باري)، يقول (أما العداء للسامية بالتحديد فلم تشتعل ناره إلا مرة واحدة في عام 1594، عندما حوكم الدكتور (رودريجو لوبيز) وأعدم وكان لوبيز طبيباً من يهود البرتغال.
استطاع أن يحقق لنفسه نجاحا كبيراً في مهنته (…) عين بعدها طبيباً خاصاً للملكة وربما كانت الضجة المثارة حول التهم الموجهة إليه ترجع إلي أسباب سياسية، ومن بينها تهمة الشروع في دس السم لصاحبة الجلالة وأدين بتهمة الخيانة العظمي.
وأدت محاكمته إلي إثارة العداء لليهود بصفة عامة باعتبارهم أشراراً يتأمرون في الخفاء علي إيذاء المسيحيين)
طرح النص المسرحي (تاجر البندقية) علاقة الكراهية بين (شيلوك وأنطونيو التي صيغت علي أساسها الحبكة الدرامية في النص).
(شيلوك): (لنفسه) كم يتظاهر بالتقوي والورع
أكرهه فهو مسيحي .. ويزيد كراهيتي له
إقراض المال بلا ربح ..ضعة منه وغفلة
ياليت الفرصة تسنح لي
فأفاجئه في لحظة ضعف
كي أطعم ذاك الحقد الراسخ منه فأتخمه !
لم يكره شعب الله المختار؟ – ص71
ينتهز (شيلوك) فرصة احتياج (باسانيو) صديق (أنطونيو) لمبلغ (ثلاثة آلاف) وموافقة (أنطونيو) على ضمان صديقه لديه، فيجدها فرصة لينتقم من (أنطونيو) بوضع شرط (رطل اللحم).
بعد أن أقنعه أنها مزحة لا أكثر، وافق (أنطونيو) على الشرط لتأكده من إمكانية سداد الدين في أقل من ثلاثة أشهر كما اشترط (شيلوك).
(شيلوك) يلجأ إلى المحكمة
وكما هو معروف من تسلسل الحدث في نص شكسبير فإن فشل (أنطونيو) وصديقه المستدين (باسانيو) في السداد يجعل (شيلوك) يلجأ إلى المحكمة للحصول علي ماله أو تحقيق الشرط وهو الحصول علي رطل لحم من جسد (أنطونيو).
وتجري المحاكمة التي يدخلها (شيلوك) وهو موقن من حقه في لحم غريمه وبذا يحقق انتقامه منه ويرد لها الصاع صاعين بالانتقام والذل أمام المحكمة.
لكن المفارقة تحدث وينقلب القانون العادل الذي طالب به (شيلوك) عليه، ويدان ويفقد ثروته كلها، بل كاد أن يفقد حياته بفعل نصوص القانون التي تعطي الحق لصاحب البلد وتحاسب الأجنبي بمعاقبته علي سوء نيته بالرغبة في إراقة دم مواطن من أهل البلد هو (أنطونيو).
لقد حفظ قانون البندقية حياة وحق أنطونيو لأنه ابن البلد وحاسب (شيلوك) لأنه غريب ويهودي.
بورشيا: مهلاً تمهل أيها اليهودي
مازلت في قبضة قانون البلد
في البندقية نص قانون يقول (تقرأ من كتاب القانون)
إن ثبت على فرد من الأجانب
جريمة الشروع في قتل مواطن
بصورة مباشرة أو غيرها
فإن من تحاك ضده الجريمة
يحظى بنصف أملاك الأثيم
ونصفها الاخر من حق الخزانة
أما حياة المعتدي ففي يد الدوق ورهن رحمته – ص170.
يوافق (شيلوك) مقابل حياته على شرط أفدح من ثروته وهوترك ديانته اليهودية واعتناق المسيحية.
وهو أمر شديد القسوة عليه في إطار ما شاهدناه منه طوال النص من كراهية معلنة وخافية تجاه المسيحيين من أهل البندقية و حرمانه ابنته الوحيدة (جيسكا) من ثروته بسبب زواجها من مسيحي وليس يهودي .
إذن حفظ قانون البندقية حق أهل البلد- أنطونيو وبسانيو- ضد الأجنبي المغتصب (شيلوك)، في مقابل حق المواطنة أي العيش والعمل في البندقية وهذا ما ارتضاه (شيلوك) ليعيش في البندقية.
فماذا كان من شأن شيلوك الجديد في نص علي أحمد باكثير (شيلوك الجديد) ونص دكتور إبراهيم حمادة (رطل اللحم)؟
الأسبوع القادم نستكمل: قصة (شيلوك) في المسرح المصري