كتب: محمد حبوشة
حققت حلقة (فلسطين – حكاية الأرض) التي قدمها اليوتيوبر المصري أحمد الغندور، في برنامجه (الدحيح) تفاعلا واسعا على مواقع (السوشيال ميديا)، حيث حصدت أكثر من 12 ملايين مشاهدة خلال 7 أيام فقط من إذاعتها على (اليوتيوب).
نجاح حلقة (الدحيح) يكمن في أنه عرى الصهاينة وكشف الغطاء عن العدو الأول للعرب، مستندا إلى وثائق تاريخية تكشف زرق الرواية الإسرائيلية، ورصد خلال الحلقة ما وصفه بـ (القصة المزورة للسردية الصهيونية).
وذلك من خلال مصادر إسرائيلية تناولت (الصراع العربي- الإسرائيلي ونشأة الدولة العبرية في عام 1948)، وقال الغندور بأسلوبه الذي يتسم بـ (التشويق والقدرة على التبسيط مع مسحة من السخرية).
واستند (الدحيح) حسب مراقبين، إلى (أن الدعاية الإسرائيلية تروج لفكرة أن اليهود عرق نقي وكتلة واحدة، على مستوى العالم، وفي مختلف الحقب الزمنية، توحد بينهم معاناة واحدة وظروف واحدة).
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: في (الأرض المحتلة).. العار لقتلة الأطفال!
وأوضح (الدحيح) خلال الحلقة أن (هذا الادعاء يناقض الحقيقة، فاليهود مختلفون زمانيا ومكانيا مثل أي تجمع بشري آخر).
كما عد (القول بأن اليهودية تماثل الصهيونية عار عن الصحة، فالأولى ديانة سماوية، أما الثانية فهي عقيدة سياسية استعمارية).
وبدأت الحلقة بمشاهد لأحد المنتجعات السياحية الإسرائيلية على شاطئ البحر المتوسط، بين يافا وحيفا، ليبين (الدحيح) لاحقاً بعرض الخرائط وصور الأقمار الصناعية الحديثة.
قائلا: إن تلك المنتجعات (بنيت فوق مقابر جماعية وساحات إعدام للمئات من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، على يد ميليشيات صهيونية متطرفة، أورد شهادات حية لبعضهم خلال الحلقة)
(الدحيح) ومزاعم إسرائيل
وتساءل (الدحيح): (كيف تزعم إسرائيل أنها تمثل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك تسن ما يعرف بـ (قانون النكبة)، الذي يعاقب أي مواطن إسرائيلي يخالف الرواية الرسمية لتل أبيب حول النكبة الفلسطينية بقطع الدعم الحكومي عنه، ومحاصرته مهنياً وإعلاميا؟).
صدر (الدحيح) الحلقة بالتذكير بقرية (الطنطورة، وهى منطقة فلسطينية تم إعدام رجالها عام 1948 على يد الإسرائيليين، الذين أقاموا فيها (كيبوتس) به منتجعات سياحية في الوقت الحالي.
بعد النكبة بنحو 50 سنة لحد سنة 2000، مكنش حد يعرف عن قرية (الطنطورة) غير إنها قرية في إسرائيل حصل بها معركة في حرب الاستقلال بين الإسرائيليين والعرب، وفيها انتصر الإسرائيليين، وباقي العرب هاجروا من القرية وراحوا عاشوا في قرية الفراديس المجاورة لها.
ويستطرد (الدحيح): الحقيقة أن ما حدث في (الطنطورة) لم يكن معركة ولم تكن مواجهة بين جيشين، حيث استباح الجنود الإسرائيليين في صباح يوم 23 مايو عام 1948 قرية (الطنطورة) كلها، في الأول فصلوا ما بين الرجالة والستات، وجردوا الستات من الفلوس والذهب وأي شيء له قيمة.
وأجبروهم على الخروج من القرية، والنساء بالفعل مكانوش عارفين يروحوا فين، أما الرجال تم جمعهم عند الشاطئ، ومن ثم بدأت عملية الإعدام، وباقي أهالي القرية الضحايا الذين نجوا من القتل، تم تهجيرهم ليعيشوا في مخيمات في سوريا وقرية الفراديس التي تبعد عن بلدتهم بضع كيلو مترات.
(الدحيح) وأسلوبه المشوق
الأسلوب المشوق المعروف عن (الدحيح)، وظفه الغندور ليروي على جمهوره قصة تكاد أن تنسى أو تمحى من دفاتر التاريخ، وهى قصة قرية الطنطورة، تلك القرية التي كان يعمل أهلها في مهنة الصيد، وكانت أولى الأراضي التي دنّسها الاحتلال بعد إعلان قيام إسرائيل، وتحديدا بعد أسبوع فقط.
القرية الصغيرة الهادئة طالتها مجزرة إسرائيلية مروعة، وصلت في بشاعتها إلى إعدام كل رجالها بالرصاص، في مشهد إبادة يشبه ما يتم اقترافه ضد أهالي غزة حاليا.
وفي تأكيد للمؤكد، استعان (الدحيح) بما ورد في فيلم وثائقي إسرائيلي ظهر فيه بعض الجناة القتلة وهم يتفاخرون بما اقترفوه ضد الفلسطينيين الأبرياء.
خلال الحلقة أيضا، دحض الدحيح، الأكذوبة التي روجتها إسرائيل التي اعتادت أن تصف نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وقد سخر من هذه الأكذوبة قائلا إن إسرائيل هى طبقة من التحضر والتقدم وأسفلها بمتر واحدٍ تاريخ من القتل والإبادة العرقية.
وزاد متسائلا: (كيف تزعم إسرائيل أنها تمثل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك تسن ما يعرف بـ (قانون النكبة)، الذي يعاقب أي مواطن إسرائيلي يخالف الرواية الرسمية لتل أبيب حول النكبة الفلسطينية بقطع الدعم الحكومي عنه، ومحاصرته مهنياً وإعلاميا؟
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: (الدراما) سلاح أمضى في (طوفان غزة)
وعرج الدحيح على قوافل الهجرة المتتالية التي نظمها اليهود إلى فلسطين، وكان ذلك إبان فترة الحكم العثماني، واستعرض تأسيس إسرائيل التي قامت على فكرة معاداة الآخر.
ولأن الحرب الراهنة على غزة أعادت بشكل أو بآخر مشاهد نكبة 1948، فقد عرج الغندور في حلقته على النكبة الأولى وحجم الجرم الذي ارتكبته إسرائيل آنذاك.
ودحضت حلقة الدحيح، الأكذوبة التي تروج لها إسرائيل منذ عقود، حيث زعمت كل هذا الذي ترتكبه في فلسطين على مدار السنوات إنما يأتي من باب الدفاع عن النفس، وهي للمفارقة نفس الحجة المستخدمة إسرائيليا في الوقت الحالي لتبرير المجازر الإسرائيلية على غزة.
(الدحيح) و المصادر الإسرائيلية
حلقة (الدحيح) الاستثنائية اعتمدت على مصادر إسرائيلية ويهودية، بينها شهادات موثقة لجنود شاركوا في حرب 1948، وباحثين وأكاديميين ومؤرخين.
من بين هؤلاء البروفسور (إيلان بابي) صاحب كتاب (10 أساطير حول إسرائيل) وكتاب (الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي) للكاتب (إيال وايزمان).
وركز أحمد الغندور (الدحيح) في حلقته على تعامل القيادة الإسرائيلية مع الإسرائيليين الذين حاولوا في أوقات قريبة فضح النوايا الاستيطانية وكيف أن دولة الاحتلال أقيمت على جثث الفلسطينيين.
وقال (الدحيح): (في سنة 70 ميلادية تشتت اليهود في كل بقاع الأرض ولمدة 2000 سنة تعرضوا لكل أشكال التمييز والاضطهاد، وفي محاولة للنجاة قرر باقي اليهود أن يعودوا لأرض الأجداد، وده الجزء الأول من القصة وفيه بتقدم إسرائيل نفسها).
إقرأ أيضا : (التغريبة الفلسطينية).. أيقونة دراما (فلسطين) بلا منازع (2)
وأوضح (الدحيح) أن الشرير الأول في القصة الإسرائيلية هو الانتداب البريطاني، واللي كان الهدف منه تعطيل هجرات اليهود ويحاول إجهاض حلمهم في بناء دولة، واللي كان بيمنعهم من ترك المحارق في أوروبا ويأملون في وطنهم الجديد.
مشيرا إلى أنه: يوجد عدد من الأصوات القليلة الإسرائيلية التي حاولت أن تحفر في النكبة، ولكن كان مصيرهم مؤسفا، وكان منهم (تيدي كاتس) واللي عمل لقاءات مع قدامى المجندين الإسرائيليين.
واللي اترفع ضده قضية تشهير، وسحبت رسالة الماجستير الخاصة به، وانتهى كاريره الأكاديمي تماما، وهناك أمثلة كثيرة لأشخاص رووا عن النكبة في إسرائيل.
ويضيف (الدحيح): في عام 2011 الكنيست الإسرائيلي وافق على قانون عرف باسم قانون النكبة، واللي بيعطي الحق لوزارة المالية إنها تمنع التمويل والدعم الحكومي عن أي مؤسسة تتحدث عن النكبة.
وبالفعل هناك العديد من الأفلام منعت من التصوير، لأنها كانت تتحدث عن النكبة، بالإضافة إلى المؤلفات والأبحاث والكتب التي منعت من الخروج للنور، وكل دا بسبب رغبة إسرائيل في عدم إفساد القصة التي صنعتها عن نفسها.
(الدحيح) وحياة الفلسطينيين
وسلط أحمد الغندور (الدحيح) الضوء على حياة الفلسطينيين وكيف تحولت غزة إلى سجن كبير والمراحل التاريخية لنشأة دولة إسرائيل ودور دولة بريطانيا في نشأتها.
وقال الغندور خلال الحلقة: (على الرغم من أن إسرائيل لا تحتل غزة عسكريا، إلا أنها حولتها لسجن كبير هى بس معاها مفتاحه، في انتهاك كامل لاتفاقية جنيف)
وتحدثت الحلقة عن عنصرية دولة إسرائيل وتعاملها مع الشعب الفلسطيني بكل فظاظة وقسوة وعنصرية.
وحول الرواية الإسرائيلية، لفت (الدحيح) إلى أن إسرائيل منعت حتى اليهود من انتقاد الرواية الإسرائيلية للنكبة، ولما حصل في فلسطين إبان احتلالها، ولاحقت الأكاديميين والمؤرخين الذين بحثوا في أمر النكبة، وتاريخها، وسنت من أجل ذلك قانونا لمحاربة كل من يتحدث عنها.
إقرأ أيضا : تحفة الدراما السورية “حارس القدس” .. الفن في خدمة الدي
واستعرض (الدحيح)، في حلقته، القصة الحقيقية والحكاية الأصلية للقضية الفلسطينية، وما أحدثه الاحتلال الإسرائيلي من صراع في المنطقة ممتد منذ 75 عاما.
وبين (الدحيح)، من خلال عرض الخرائط وصور الأقمار الصناعية الحديثة، أن تلك المنتجعات الإسرائيلية في (الطنطورة) بنيت فوق مقابر جماعية وساحات إعدام للمئات من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء على يد ميليشيات صهيونية متطرفة.
ورغم الجهد الكبير والملموس الذي بذله فريق إعداد (الدحيح) في كشف الحقائق بأسلوب علمي مجرد من العواطف، وكالعادة، لم يسلم الدحيح من الانتقاد والهجوم من بعض اللادينيين العرب، الذين يرفضون عروبتهم ويتنصّلون منها كما لو كانت تهمة.
(الدحيح) وجرائم غزة الوحشية
بل إنهم يشيرون إلينا بمصطلح (الشعوب الناطقة بالعربية!)، وقد لمس متابعوهم هواهم الإسرائيلي وموالاتهم التي يجاهرون بها لإسرائيل، ولا يخجلون من التطبيل لها، ومن تبنّي خطابها الكاذب الملفق ومن التطبيل لها.
فضلا عن تأييد جرائمها الوحشية المرتكبة بحق أهل غزة، ومن المساواة بين القاتل والضحية، في تجاهل فاحش للحقيقة الجلية الساطعة مثل شمس يوم قائظ الحرارة، فقال أحدهم: إن (الدحيح) كان منحازا ولم يأت على ذكر (جرائم) عز الدين القسام!
وعلى صعيد آخر، واجه (الدحيح)، في ما سبق، تهما بالإلحاد والتطبيع، من متشددين وجدوا في محتواه العلمي ما يهدد قناعاتهم الفكرية، وهكذا انطبق على الغندور المثل (لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير).
ورغم تلك الاتهامات الملقاة جزافا، نجح برنامج (الدحيح) في تأدية رسالته التثقيفية التوعوية، والموجهة إلى جيل الشباب على وجه الخصوص، وقد تألّق كما لم يفعل من قبل في حلقة (فلسطين حكاية أرض).
تلك الحلقة التي أسهمت كثيراً في توعية الشباب بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، كي تتضح الصورة بشموليتها وأبعادها التاريخية.
هجوم غير مبرر على (الدحيح)
وهو أشار إليه الإعلامي (خيري رمضان) خلال تقديم برنامج (حديث القاهرة) المذاع عبر شاشة (القاهرة والناس)، إلى أن المميز في حلقة (الدحيح)، أنه استند في مراجعه، إلى مراجع إسرائيلية.
ولم يستند إلى مراجع عربية؛ ليوثق ما حدث في هذه الأرض، وكيف جاء الاحتلال الإسرائيلي إلى أرض فلسطين.
إقرأ أيضا : حارس القدس وحراس الدراما السورية
وأوضح (خيري رمضان) أن الاحتلال الإسرائيلي سيظل عدوا لنا، مشددا على أن أنهم يغرسون في كتبهم للطفل، أننا (كلاب ضالة في حظيرة).
وطالب بالاستفادة مما جاء في حلقة (الدحيح)، كحلقة توثيقية لما حدث في فلسطين، مؤكدا: (لا بد أن يكون لدينا الكثيرين مثلهم).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لـ (أحمد الغندور)، دحيحنا المثابر وفريقه البارع، حين بدد بالعلم والوثائق التاريخية أكاذيب الاحتلال وبالدليل والحجّة والمنطق، وانحاز بكل شرف إلى قضايا أمته وأوجاعها الكثيرة !