بقلم الدكتور: كمال زغلول
استطاع (H. W. Fairman) من الحصول على نص مسرحي مصري قديم، وقام بجمعه وتحقيقه وترجمته، وقد أطلق على هذ النص اسم انتصار (حورس).
ونحاول في تلك المقالة إلقاء الضوء على العروض التمثيلية المسرحية في مصر القديمة، لنرى كيف استخدم المصري القديم الطرق المتنوعة لأداء فن التمثيل وبداية النص.
نتعرف على أن المصري القديم قد عرف التمثيل الصامت (البانتوميم) واستخدمها في العرض المسرحي المصري القديم، وتبدأ المسرحية بهذا المشهد التمثيلي الصامت ونستعرضه:
(حورس) البهديتي، مزودًا بالحبل والحربة، و(إيزيس) يدخلان القارب، حربة فرس النهر ترمز إلى ست، وهذا المشهد الملخص هو عبارة عن مشهد تمثيلي صامت، يفتتح به المصري المسرحية.
وهو عبارة عن القارب الذى استخدمه حورس في الحرب التي خاضها مع ست، بالإضافة إلى الحربة، والحبال ومعه أمه التي شجعته على خوض تلك المعركة.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزوريس في مسرح مصر القديمة (2)
بعد ذلك نجد شخصية القارئ (أو المنشد) الذى يعلق على الأحداث الماضية ويقدم الشخصيات بأفعالها، وكأنه يقص ويعود بالذاكرة إلي كل شخصية، ثم تقوم كل شخصية بالتمثيل بعد إشاراته.
وكأنه الرجوع بالزمن للخلف (flash back) وهى واحدة من طرق التمثيل الذي استخدمها المصري القديم في مسرحه، ويبدأ بتقديم شخصية (حورس)، ووصف ما قام به من أجل والده ويقدمه للجمهور بوصفة المحارب الباسل.
المنشد: (حورس) البهديتي الإله العظيم رب السماء.
الذي قام نيابة عن والده بمعاقبة الوحش على ما فعله.
ينقلب على نفسه في شكل الحربة الباسلة
ويدوس على ظهور أعدائه
وبعد ذلك يظهر (حورس) ليقدم نفسه بصفته المحارب الجسور، ويقوم بالتمثيل أمام الجمهور، وكأنه تذكر استرجاعي من الماضي يدور على خشبة المسرح استرجعه المنشد .
حورس: الحربة الشائكة الوحيدة في يدي اليسرى،
الثلاثة الشائكة في قبضتي،
دعونا نقتل هذا الشرير بأسلحتنا.
أحصن قلبك يا ابني (حورس)
وهذا المقطع بالتأكيد شمل عند أدائه على بعض حركات القتال بجسد الممثل واستخدامه للحربة، واستعراض مهارته في اللعب والقتال بها، وهذا يتم من خلال التصوير التمثيلي الصامت.
يتبع ذلك استرجاع المنشد لشخصية إيزيس.
المنشد: (إيزيس) العظيمة والدة الإله في وتجيست هور،
من تحمي ابنها في مركبته الحربية (القارب المعد للقتال )
تظهر (إيزيس) بعد ذلك لتمثل دورها
(إيزيس): أحصن قلبك يا ابني (حورس)
اغرس حربتك الحادة في جسد فرس النهر (ست)
عدو والدك.
ثم يظهر المنشد ويقول:
المنشد: هنا يبدأ انتصار حورس على أعدائه
عندما سارع إلى قتل أعدائه بعد خروجه للمعركة
لقد تم الحكم على ست في محكمة رع ويقول تحوت:
وهنا يتم استرجاع شخصية تحوتي
تحوت: يوم سعيد في هذا اليوم الذي ينقسم بالدقائق
ما أسعد هذا اليوم الذي ينقسم بالساعات
ما أسعد هذا الشهر الذي ينقسم بعيد الخامس عشر!
ما أسعد هذا العام الذي ينقسم بالشهور!
ما أسعد هذا الدهر الذي تقدر سنواته!
ما أسعد في هذه الأبدية!
كم هو لطيف أن يأتوا إليك كل عام!
يظهر حورس ليمثل مشهد محاربة ست
(حورس): ما أسعد هذا اليوم!، لقد ألقيت حربتي بشهوة!
ما أسعد هذا اليوم!، يدي لديها السيطرة على رأسه!
لقد ألقيت على أبقار فرس النهر في مياه عمقه ثماني أذرع،
لقد ألقيت حرابي على ثور مصري السفلي في مياه عمقها عشرين ذراعا،
ونصل حربتي طولها أربع أذرع، وحبل طوله ستين ذراعا،
وفي يدي رمح طوله ستة عشر ذراعا،
وأنا شاب طولي ثمانية أذرع
لقد ألقيت واقفا في حرب مغلي على ماء عشرين ذراعا
لقد رميت بيدي اليمنى، وأرجحت بيدي اليسرى،
كما يفعل رجل مستنقع جريء!
الكورس يمجدون (حورس)
تظهر (إيزيس) متفاخرة بابنها (حورس)، وتنوة بأن زوجات ست (وهم أنثي فرس النهر رمز ست) سوف يتوقفون عن الحمل والوالدة بعد ما فعله (حورس)، بمعني انقطاع نسل ست.
(إيزيس): والحوامل من فرس النهر لا يلدن،
ولم تحمل واحدة من إناثهم
عندما يسمعون صوت رمح الخاص بك،
وصفير نصلك ، مثل الرعد في شرق السماء
كالطبل في يد طفل.
وبعد ذلك تظهر شخصيات الكورس يمجدون (حورس):
كورس: سبحانك حورس البحدتيت الإله العظيم رب السماء.
سور من الحجر حول مصر،
حامي ممتاز، حارس المعابد،
من يطرد المنحرف من التدفقين،
حارس القلعة الطيب
(حورس): الحربة الثالثة عالقة بقوة في رقبته،
أشواكها، تنغرس في لحمه
(إيزيس): ألقي الحربة الخاصة بك ، أنا أسألك،
عند تل الوحش المتوحش،
كما ترى، أنت على تل خالٍ من الشجيرات،
شاطئ خالي من الفرك،
لا تخف من فظاعته،
لا تهرب بسبب الذين في الماء،
دع حربتك تثبت عليه،
ابني (حورس)،
لقد سقط أعداؤك تحتك،
فأكل لحم الرقبة،
كراهة النساء،
ضجيج الرثاء في سماء الجنوب،
والنحيب في سماء الشمال،
ضجيج رثاء أخي سيت،
لقد أمسكه ابني حورس بقوة.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (المسرح) .. صراع بين قوتين في العرض !
ونكتفي بهذه الصور التمثيلية من النص، حيث تعرفنا من تلك المشاهد على طرق التمثيل المختلفة داخل العرض المسرحي المصري القديم ، وكيف أن المؤلف المصري القديم استطاع تأليف نص بنائه مسرحي تماما.
ذو حبكة حديثة تحتوي على شخصية المنشد الذي يستعيد أو يسترجع الأحداث، وتظهر الشخصيات بعد إشاراته عنهم لتقوم بتمثيل الحدث الذي يصور كيفية انتصار حور على ست.
كذلك استخدم المؤلف الكورس وهم مجموعة الممثلين الذين يشجعون (حورس) وهم سكان المستنقعات التي تربي فيها حور مع أمه إيزيس، وبهذا النص يتضح أن المسرح المصري القديم كان متقدما جدا في الفكر التمثيلي.
ووضع الصورة البنائية لفن المسرحية (مشتملة على الحبكة والشخصيات والحوار، والصراع .. إلخ)، والتي أصبحت قواعد لهذا الفن فيما بعد، كما كان المسرحي المصري القديم متقدما جدا في طرق التمثيل.
وأيضا في تقديمة للعرض المسرحي، ومن ما وصلنا حتى الآن من البرديات النصية المسرحية يؤكد على ذلك، وبهذا نجد مصر القديمة هي بلد الفن التمثيلي المسرحي بلا منازع في العصر القديم، وهى البلد التي قدمت فن المسرح للعالم.