* (أوديب ملكا) أجهدني فكريا وجسديا، حيث كنت أبدل ملابسي الداخلية حوالي 7 مرات يوميا أثناء عرض المسرحية
* إذا استكان الفنان للراحة لن ينجح لأن العمل الفني لا يقبل الكسل
* أتمنى في الأعمال القادمة عندما أجسد شخصية شريرة أن أصل بها إلى درجة أن يكره الناس أسعد فضة!
* لا أؤمن بفن لا يقبل عليه الجمهور، وكلما ارتفع المستوى الفني للعمل ازداد الإقبال عليه.
أجرى الحوار: أحمد السماحي
أعلن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي المقرر انطلاقه في الفترة من 25 وحتى 30 نوفمبر الجاري برئاسة الفنان والمخرج مازن الغرباوي خلال مؤتمر صحفي عقد منذ أيام عن تكريم النجم السوري الكبير (أسعد فضة).
ليكون (أسعد فضة) هو(الشخصية العربية المكرمة) في الدورة الثامنة للمهرجان والتى تحمل اسم الدكتورة سميرة محسن، ويترأس المهرجان شرفيا الفنانة القديرة سميحة أيوب، ويترأس اللجنة العليا المهرجان المايسترو نادر العباسي.
ويقام المهرجان تحت رعاية وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني، واللواء أركان حرب خالد فوده محافظ جنوب سيناء .
وبمناسبة تكريم نجمنا المبدع (أسعد فضة) أعيد نشر حواري معه والذي أجريته منذ فترة، ونشر في مجلة (الأهرام العربي) وقد حذفت منه بعض الأسئلة الخاصة بزمن ومكان التكريم.
أسعد فضة أحد أعمدة الدراما السورية المعاصرة، أهم ما يميزه بعيدا عن أستاذيته كفنان، هو طيبته الشديدة البادية في ملامح وجه الهاديء الوسيم، حتى يخيل لي أنه الرحمة والطيبة تمشي على قدمين.
وأستاذية (أسعد فضة) من النضج والعراقة والثقل العلمي إلى حد نفي الأستاذية، فكلما امتلأ الإنسان علما تواضعت شخصيته أكثر فأكثر، لأنه يعرف أنه فوق كل ذى علم عليم.
ويعرف أن المأثور الشعبي يقول: (يموت المعلم وهو لسه ما اتعلم)، ولهذا كان (أسعد فضة) يؤكد الأستاذية من حيث أراد نفيها عن نفسه، فهو يحقق أستاذية فريدة من نوع شديد الخصوصية، وهى أستاذية الفن.
إقرأ أيضا : فلسطين.. الدراما التلفزيونية تجسد سجل المرارة والألم (1)
ولأنه فنانا من ساسه لراسه فهو بالضرورة موصلا جيدا للمعنى، للفكرة، إنها أستاذية تتميز بقدر هائل من الشمولية، شمولية القدوة والمثل الأعلى في الفن العربي الأصيل.
لا يضخ في أعماله فن فقط، ولكن يضخ مكارم الأخلاق، وروح الفن ولغة الجدل المثمر الخلاق ورحيق الإنسانية المشرقة.
وهذا حواري معه الذي يقرأ ويسمع في آن واحد فلنسمع ونقرأ، تفضلوا:
(أسعد فضة) والمسرح العربي
هل تعتقد أن ما يقدمه المسرح العربي الآن يتناسب وهوية الجمهور من ناحية تركيبته الإجتماعية وظروفه الثقافية ومشكلاته؟
** (أسعد فضة): توجد عروض جادة، وجيدة على مستوى العالم العربي استطاعت أن تعكس الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية للجمهور، لكن هذه العروض قليلة جدا.
وتعد على أصابع اليد الواحدة، بالنسبة لكل دولة عربية، فالمسرح العربي يعاني الكثير من المشكلات، وليس معنى أن هناك معاهد ومسارح وفرقا أن هناك نهضة مسرحية!
بالعكس الأزمة الحقيقية أن المعنيين بالمسرح معرضون عنه، ومشغولون بأمور أخرى مثل التليفزيون والسينما، لهذا فإن المسرح الجاد الذي يحترم عقلية الجمهور يتعثر ويحتاج إلى وقفة.
* في أحد أحاديثك قلت لكي يتطهر الفنان من متاعب المهنة لابد أن يمارس العمل المسرحي، ماذا تقصد بهذه الجملة؟
** (أسعد فضة): أقصد لكي يمتلك الفنان نفسه ويشعر أنه يمارس ذاته كفنان لابد أن يمثل للمسرح من وقت إلى آخر.
لكي يتطهر من أثام العمل التليفزيوني الاستهلاكي الميكانيكي الذي يشعر من خلاله الفنان بأنه يقوم بعمل غير إنساني، سواء في طبيعة الجهد أم الوقت أم في طريقة العمل.
* هل هذا الكلام ينطبق على السينما؟
** (أسعد فضة): السينما في سوريا نشاطها قليل، والعمل فيها مختلف، لكن التليفزيون نشاطه طاغ ومن خلاله تستخدم كل طاقاتك وخبرتك وحرفيتك.
* هل المسرح أحب المجالات الفنية إليك؟
** (أسعد فضة): المسرح والسينما والتليفزيون مجالات لكل منها متعته الخاصة، لكن على خشبة المسرح يمتلك الفنان حرية أكبر، ولا يشعر بأنه مقيد كما هى الحال في السينما والتليفزيون.
ولا يكون مضطرا أن يقطع أحاسيسه ومشاعره مع كل لقطة، بل يشعر أنه يمسك بأدواته ويتفرد بها، بالإضافة إلى التفاعل المباشر بينه وبين الجمهور، فعلى خشبة المسرح يقطف الفنان ثمرة جهده مباشرة، وهذا يحرضه على التجويد في استخدام أدواته.
(أسعد فضة) ودقة الاختيار
* ما الأعمال التى تعتز بها في مشوارك المسرحي كمخرج وممثل؟
** (أسعد فضة): لا يوجد عمل فني قدمته كمخرج أو ممثل في مجالات الفن المختلفة وليس المسرح فقط لا أعتز به.
* هل نجاحك سببه الرئيسي دقة اختياراتك؟
** (أسعد فضة): ليس الاختيار فقط هو الذي يحميني من السقوط في عمل فني دون المستوى، لكن ما يحميني هو تعبي وجهدي كمخرج أو ممثل.
* هل وصلت كل أعمالك إلى الجمهور بنفس المستوى الذي تتحدث عنه؟
** (أسعد فضة): أكيد لأ!، لأنها تتفاوت في مستواها الفني والتقني، وهذا راجع إلى اختلاف أدائي والعاملين معي سواء فنانيين أم فنيين من عمل إلى آخر.
ولا تتصور أن الفنان ينجح بمفرده، لكن بكل فريق العمل الذي يعمل معه، فالنجاح لا يتم إلا بالعمل الجماعي.
ومن خلال تضحيات وإخلاص وتفان للعمل، وإذا استكان الفنان للراحة لن ينجح لأن العمل الفني لا يقبل الكسل.
* وما الدور الذي أجهدك في تقديمه للجمهور بصورة مبسطة دون أن يشعر أحد بمدى الجهد والمعاناة؟
** قمت بعملين في المسرح من هذه النوعية، الأول دوري في مسرحية (أوديب ملكا) الذي أجهدني فكريا وجسديا، حيث كنت أبدل ملابسي الداخلية حوالي 7 مرات يوميا في أثناء عرض المسرحية، الدور الثاني (يوميات مجنون) استنفذ طاقتي.
* هل أنت من مدرسة التقمص الكامل في أثناء التمثيل؟
** (أسعد فضة): بعض الفنانيين يبالغون في عملية التقمص لكن بالنسبة لي أصل إلى جوهر عملية التجسيد باتباع طرق علمية صحيحة.
وهى تختلف من فنان لآخر، فأنا مثلا أذوب في الشخصية أثناء أدائي حتى أوصلها إلى مستوى إنساني وأجعل من يشاهدها يشعر فعلا بإنسانيتها.
وبكل أبعادها دون أن يشعر بأنني أمثل لأن من أخطر الأشياء أن يشعر الجمهور بأنك تمثل، لهذا تجدني في كل أدواري لا أمثل، لكنني أعيش الشخصية.
(أسعد فضة) والأدوار التاريخية
* لماذا يغلب على أعمالك تجسيدك للأدوار التاريخية مثل (النعمان بن المنذر، ابن الوهاج، الحاكم عباد) وغيرها من الشخصيات؟
** (أسعد فضة): في المقابل ستجد لي أعمالا كثيرة في الدراما المعاصرة، لكن العمل التاريخي له ثقل فيطغى على الأعمال الأخرى، ودائما الشخصية التاريخية بقدر ما ترهق الفنان بقدر ما تسعده لما لها من أبعاد معقدة ومتشابكة وركائز يستطيع أن يرتكز عليها وتساعده على التجويد.
* لماذا تتميز معظم أدوارك بالطيبة؟
** (أسعد فضة): ربما لطبيعة شخصيتي وملامحي التى توحي بالاطمئنان والمصداقية في تمثيل الأدوار التى تتميز بالطيبة، بالإضافة إلى كرهي الشديد والمرعب على المستوى الإنساني للشر.
حتى إنني عندما أجسد شخصية شريرة أحاول أن أجسد الشر بشكل يجعل الجمهور يكرهني كممثل، لكنني للأسف حتى الآن لم أصل إلى هذه الدرجة، فالجمهور يكره الشخصية التى أجسدها.
لكنه لا يكرهني، وهذه مشكلة أعاني منها، وأتمنى في الأعمال القادمة عندما أجسد شخصية شريرة أن أصل بها إلى درجة أن يكره الناس أسعد فضة!.