بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
لى صديق ساخط دائما، لا أدرى الأسباب الحقيقية لسخطه، فبرغم أنه ميسور الحال و حياته تمضى في هدوء، إلا أن سخطه زائد و عصبيته مفرطة، و يبدو أن إحباطات الحياة أصابته كما تصيب الجميع، ولكنها كانت إصابة بالغة، خاصة بعد أحداث (حماس) في غزة.
ولا يستطيع صديقى أمام تلك الإحباطات التي لا يملك لها حلا إلا أن يُنفّس عن غضبه المكتوم والمتصاعد في موضوعات أخرى.
وطبقا لتلك القاعدة يسعى صديقى لإفراغ غضبه في أي شيئ وكل شيئ، بداية من الحكومة والأسعار وصولا إلى السياسة العالمية وانتهاء بالفن والفنانين.
وفي ظروف الحرب التي نعيشها الآن ونتابعها لحظة بلحظة انصب غضبه في البداية على منظمة (حماس)، لأنها – من وجهة نظره – أشعلت حربا لم تُقدّر عواقبها ولا ما ستجره من ويلات على أهل غزة.
ولذا اعتبر (حماس) مسئولة عن كل ما سيجرى للقطاع من قتل وترويع، وخاض معارك بسبب رأيه الذى ينفى حق مقاومة المحتل مادام هذا المحتل أقوى و أشرس.
و لكن الانتقام الصهيوني فاق كل التوقعات وتعدى كل الأعراف والقوانين وتحول إلى مجازر لا يقوم بها سوى مجنون.
عندها اتجهت طاقة الغضب عند صديقى الى الكيان الغاصب، ومن يقف معه ويسانده من دول، وكان من أشد مناصرى المقاطعة، وخاض بسببها مناقشات ساخنة انتهت غالبا بمشاجرات عندما اتهم من يقولون أن المقاطعة ستؤذى المصريين العاملين بتلك الشركات بأنهم يأكلون لحم إخوتهم في فلسطين.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: لأجل (الدم الفلسطيني).. قررت ألا أكتب مقالى هذا الأسبوع !
ثم انتقل غضب صديقى الى السيد (حسن نصر الله) لأنه لم يعلن الحرب، و اتهمه بأنه فقد ثوريته و آثر السلامة على نصرة إخوانه، برغم أن (نصر الله) حفظ لبنان من التعرض لمجازر تشبه ما يحدث في غزة.
وهو ما كان صديقى يطالب به (حماس)، ولكنه فى ثورة غضبه نسى كل هذا و أصبح يطالب بالحرب، ويبدو أن صديقى يريد (جنازة و يشبع فيها لطم)
واتسع غضب صديقى ليشمل الموقف المصرى من الأزمة ، ففي الأيام الأولى للحرب كان ساخطا لأن مصر أغلقت معبر رفح، وعبثا حاولت إفهامه أن مصر لم تغلق المعبر، فالمعبر له وجهان، أحدهما تابع للكيان والآخر تابع لمصر.
وبالتالى هو ليس باب غرفة نفتحه وقت نشاء لندخل تلك الغرفة، فقال في سذاجه أن الطرف الآخر من المعبر في يد الفلسطينيين، ومضيت أشرح له وضع المعابر والجهات التي تتحكم بها وأن من بينها إسرائيل.
مساعدة (حماس) عنوة
فقال: إذن فلتقتحم مصر المعبر وتدخل شاحنات المساعدات عنوة! لمساعدة (حماس)، قلت له لو حدث هذا فمن حق إسرائيل ضرب تلك الشاحنات التي دخلت دون تنسيق، ولا يمكن للمجتمع الدولى أن يلومها فهذا اقتحام للحدود، وقد يؤدى ذلك إلى إعلان الحرب بيننا وبينهم، فرد بلا مبالاة: وماله؟
والحقيقة أنى عذرت صديقى في موقفه هذا، فالرئيس قال أن الحرب ليست أمرا سهلا أو بسيطا – برغم أنه ترك كل الاحتمالات مفتوحة – إلا أن لا أحد من الإعلاميين الكبار ظهر علينا ليوضح لنا مدى خطورة و صعوبة الحرب.
ليس بسبب تكاليفها المادية والبشرية فحسب ولكن هناك حسابات أخرى، لم يصارح أحد شعبنا طوال السنوات الماضية عن حقيقة اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بيننا وبين إسرائيل والتي استقال بسببها اثنان من وزراء الخارجية المصريين اعتراضا عليها.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: قصف (غزة) بين موقف الداعرة ودعارة المواقف!
بل وصفها أحدهما وهو (محمد إبراهيم كامل) وزير الخارجية، الذى صاحب السادات في محادثات كامب ديفيد أنها (معاهدة التنازلات) وقدم استقالته وهو في كامب ديفيد وقبل توقيع الاتفاقية اعتراضا عليها.
وتنص الاتفاقية على تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق الأولى هى منطقة (أ) و تقع شرق القناة مباشرة ويسمح فيها بتواجد قوات مشاة مصرية لا تزيد عن 22 ألف جندي و30 دبابة فقط، والثانية هي المنطقة (ب) وهى أكبر المناطق حجما واتساعا.
ويسمح فيها لمصر بأربعة كتائب فقط لدعم الشرطة المدنية، أما المنطقة الثالثة (ج) وهى تمتد من شرم الشيخ وحتى رفح بمحاذاة الشاطئ فلا تتواجد بها سوى قوات شرطة تحمل تسليحا خفيفا الى جانب قوات حفظ السلام.
كما تنص الاتفاقية على منع مصر من إقامة أى مطار حربى أو قاعدة عسكرية أو محطات رادار أو أسلحة دفاع جوى في أرض سيناء.
مصر أضافت كتيبتين
وبداية من بعد الثورة فى 2011، قامت مصر بنشر كتيبتين اضافيتين في المنطقة (ج) وبالتحديد في شرم الشيخ التي كانت ممنوعة على قوات الجيش.
ولكن مع تصاعد الحوادث الإرهابية قامت مصر بنشر قوات مقاتلة وعدة طائرات هيلوكوبتر هجومية بالاتفاق مع إسرائيل.
ولكن مصر قامت بنقل أسلحة ثقيلة إضافية إلى المنطقة المجردة من السلاح دون موافقة إسرائيل حتى كادت أن تصبح أزمة.
وفي 2013 اتفقت مصر مع إسرائيل على أن تنشر مصر قوات إضافية في المنطقة منزوعة السلاح، وفي 2022 حدث تعديل جديد للاتفاقية.
وهكذا وبرغم التعديلات المتتالية للجانب العسكرى في الاتفاقية، وبرغم خروقات مصر لها اعتمادا على أن معاهدة السلام تتضمن نصا يطلق عليه (آلية الأنشطة المتفق عليها).
والتي تسمح لمصر بتغيير ترتيبات القوات المصرية في سيناء دون الاضطرار إلى إعادة النظر رسميا في المعاهدة نفسها، إلا أن معاهدة السلام مع مصر – كما قال احد المسئولين البريطانيين – قد نزعت بشكل فعال سلاح شبه جزيرة سيناء.
وأنه (لو اختارت مصر مهاجمة العدو سوف يتعين على قواتها الرئيسية أن تنتقل من غرب القناة عابرة 80 ميلا من صحراء سيناء، وهى منطقة مكشوفة بلا مراكز لوجستية متقدمة ولا شبكات دفاع جوي أو تحصينات دفاعية).
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب: (سيناء).. بين الميديا والفن
ونتيجة لذلك فلا يمكن إكمال عملية التقدم في سيناء بسرعة تكفي لتحقيق مفاجأة للعدو، خاصة في مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي المرجح فوق شرقي سيناء.
وبناء على تلك الظروف فإن مناورات القوات المسلحة المصرية مازالت تتضمن التدريب على عبور مانع مائى – و هو أمر يعلمه الجميع – و لم تتوقف تلك التدريبات خلال عصر مبارك برغم المعاهدة.
بل كان دائما يرمز في التدريب للعدو بالعلم الأزرق، و دائما يأتي من الشرق إلى جانب تجهيزات واستعدادات دائمة على هذا الاتجاه، منها إنشاء قاعدة محمد نجيب و توسيع الطرق الى السويس والإسماعيلية بحيث تسمح بسهولة الوصول إلى الشاطئ الغربى للقناة كما يمكن استعمالها كمطارات احتياطية بديلة.
وفي خضم الأحداث الأخيرة ومع التأكد من المخطط الصهيوني الرامى لتهجير أهالى قطاع غزة قسريا إلى سيناء للقضاء على (حماس)، لوحت مصر بأن هذا يعنى اعلان حرب، ولم تتوقف مصر عند هذا بل تعمدت نشر أخبار حضور السيد الرئيس لتفتيش حرب للفرقة الرابعة المدرعة.
وبعدها نشرت بعض المواقع و الصحف الأجنبية صورا توضح تجمعات عسكرية مصرية غير عادية على الحدود – لا تتفق مع اتفاقية كامب ديفيد – و لكن هذه الصور لم تنشر على أي وسيلة إعلامية مصرية.
وعندما ذكرت كل هذا لصديقى في محاولة منى لأن أجعله يهدأ، وأريته ما نشرته وسائل الإعلام الأجنبية من صور الآليات العسكرية المصرية على الحدود ، فوجئت به وقد غضب أكثر حتى أنه صرخ في وجهى: يعنى الدنيا كلها تعرف واحنا لأ، طب بيخبوا علينا ليه؟