كتب : أحمد السماحي
رغم رحيل الشاعر الصوفي الكبير (أحمد شفيق كامل) منذ 15 عاما، إلا أن كثير من أعماله العاطفية والوطنية تذاع يوميا على محطات الإذعة المختلفة، وتكثر إذاعة أغنياته الوطنية تحديدا وقت الأزمات.
فـ (أحمد شفيق كامل) هو صاحب أشهر الأغنيات العاطفية التى جمعت أم كلثوم بالموسيقار محمد عبدالوهاب مثل (أنت عمري، أمل حياتي، ليلة حب).
كما غنت ثومه من كلماته أيضا (الحب كله) ألحان بليغ حمدي، و(بإسم مين) ألحان رياض السنباطي.
ولم يقتصر إبداعه على سيدة الغناء العربي فقط، ولكنه كتب لكل نجوم الأغنية في الأربعينات والخمسينات والستينات منهم (عباس البليدي، كارم محمود، نجاة علي، شادية، فايزة أحمد، نجاة، وردة، عبدالحليم حافظ) وغيرهم.
و(أحمد شفيق كامل) مفجر أجمل الأناشيد الوطنية في الأغنية العربية، أشهرها (الوطن الأكبر، خلي السلاح صاحي، قولنا هنبني وادينا بنينا السد العالي، قولوا لمصر تغنى معايا، ذكريات.
ومطالب شعب، ويا نسمة الحرية، وغني يا قلبي وصحي الدنيا وقول مبروك، كبر البيت واتجمع شملك أنت وأخوك، ولد العم يا جمال، وبإسم مين يا خارجين عالشعب قمتم باسم مين) وغيرها.
ظلم شديد لـ (أحمد شفيق كامل)
رغم ما قدمه (أحمد شفيق كامل) للمكتبة الغنائية من أغنيات ملء السمع والبصر، فهو من مظاليم الفن، حيث لا يذكره أحد سواء في ذكرى ميلاده في التاسع من يونيو، أو ذكرى رحيله يوم 31 أغسطس.
ولم يحظ بما يستحقه من التقدير الأدبي لدى النقاد والدارسين والباحثين والفنانين، وأجهزة الدولة الثقافية المنوطة بالتسجيل والتدوين والتكريم!.
وبقى اسم (أحمد شفيق كامل) مجرد اسم مشهور يكاد يكون مجهول الهوية والقيمة لدى الكثيرين من الأجيال الجديدة سواء كانوا من العامة أو المتعلمين أو حتى المثقفين.
بل والمصيبة من بعض نجوم الغناء الحاليين الذين لا يعلمون عنه غير أنه شاعر أغنية (أنت عمري) ولا يعرفون عنه أكثر من هذا، ومعلوماتهم عنه ناقصة بالطبع!.
لأنه ظلم إعلاميا ظلما فادحا، وغير مفهوم في الواقع، وهذا الظلم لا يخصه وحده، ولكن يعاني منه كثير من شعراء الأغنية الرائعين مثل (بيرم التونسي، بديع خيري، فتحي قوره، مأمون الشناوي، إسماعيل الحبروك) وغيرهم.
(أحمد شفيق كامل) التواضع والأدب
من حسن حظي أنني ارتبطت بصداقة وطيدة في بداية حياتي الصحفية مع شاعرنا الكبير (أحمد شفيق كامل)، وكنت أزوره كثيرا في منزله في حي (جاردن سيتي).
وكان الراحل يتميز بالأدب الجم والتواضع، وقلة الكلام، ولا يسمح لأحد بالإقتراب منه إلا إذا شعر أن هذا الشخص يعرفه جيدا.
عبدالوهاب سر حبه للفن
قال لي (أحمد شفيق كامل) في حوار طويل نشر في مجلة (الأهرام العربي) في 13 أكتوبر عام 2001، وسنعيد نشره الأسبوع القادم في الحلقة الثانية من (مظاليم الفن).
عن سر حبه للفن: أنه منذ طفولته ومع ظهور الراديو كان (وهابي) السمع، أي يعشق الإستماع إلى أغنيات الموسيقار محمد عبدالوهاب.
وكان يدخر من مصروفه ليشتري اسطوانات عبدالوهاب، ويقضي معها عدة ساعات يوميا، ومن كثرة استماعه لعبدالوهاب أحب الشعر والموسيقى.
وخاصة الأغاني الشعرية مثل (يا جارة الوادي، وتلفتت ظبية الوادي، الهوى والشباب، يا شراعا وراء دجله) وغيرها من أغنيات وقصائد محمد عبدالوهاب التى تغنى بها لشعراء مرحلة العشرينات والثلاثينات.
ونظرا لغناء محمد عبدالوهاب لقصائد كثيرة لأحمد شوقي، فقد أحب (أحمد شفيق كامل) شعر شوقي، وليس هذا فقط، فنظرا لكثرة قراءاته وحفظه لشعر هذا الشاعر العملاق، نمت عنده ملكة الكتابة للشعر.
ومن حسن حظه أنه وهو في المرحلة الابتدائية انتقلت أسرته من حي (الحلمية الجديدة) إلى حي (مصر الجديدة)، حيث التحق بمدرسة مصر الجديدة الابتدائية، وحصل على الإبتدائية منها.
أول أشعاره (أحمد شفيق كامل)
في هذه الفترة من الطفولة كتب (أحمد شفيق كامل)، بيتين من الشعر يشكو فيهما من جدول الضرب، فكتب قائلا :
شكوت إليك يا ربي، عدوى جدول الضرب
فكم للهم أسلمني، وكم للضرب أوقع بي.
بعدها التحق بمدرسة (فاروق الثانوية) بالعباسية لمدة عام، ثم التحق وهو في السنة الثانية بمدرسة (فؤاد الأول) بالعباسية أيضا.
والتى كانت تواجه المنزل الذي كان يسكن فيه محمد عبدالوهاب في تلك الفترة، فإزداد تعلقه بالموسيقار الذي يعشقه، وفي المرحلة الثانوية ازداد تعلقه بالشعر، وبدأ يكتب بالفصحى والشعر العامي.
نصيحة أحمد رامي غيرت حياته
كان (أحمد شفيق كامل) يتردد في هذا الوقت على (دار الكتب) وهناك قابل الشاعر الكبير أحمد رامي، فعرض عليه ما كتبه.
وشجعه رامي كثيرا، وفي إحدى المرات كتب أبياتا من الشعر العامي لبنت الجيران التى لم تكن تفهم الفصحى، وعرضها على أحمد رامي، فطلب منه العودة مرة أخرى إلى الكتابة بالفصحى.
وقال له رامي: (الشاعر الجيد يكتب الأغنية الجيدة، لكن من يكتب بالعامية من الأول، فلن يكتب الأغنية التى ترقى إلى الشعر الفصيح).
وكان لنصيحة أحمد رامي أثرها الكبير في نفس (أحمد شفيق كامل)، فتوالت كتاباته الشعرية، وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية التحق بكلية التجارة، وتخرج منها عام 1949 .
عمل (أحمد شفيق كامل) بمصلحة الضرائب حتى سنة 1952، ثم انتقل إلى وزارة الخزانة، ومنها إلى وزارة التخطيط، حيث عمل مديرا لمكتب الدكتور عبدالمنعم القيسوني، وعلى الرغم من مسؤوليته الوظيفية إلا أن علاقته بكتابة الشعر لم تنقطع.
في هذه الفترة تعرف شاعرنا المبدع على الإذاعي عبدالرحمن سامي المذيع والمخرج والملحن الذي كان يعمل في الإذاعة المصرية.
وعن طريقه دخل الإذاعة المصرية، ولحن هذا الإذاعي من كلمات (أحمد شفيق كامل) أغنية بعنوان (الحياة وياك يومين، وفي جفاك النوم سنتين).
وحققت الأغنية نجاحا كبيرا، وبدأ اسم (أحمد شفيق كامل) يتردد كشاعر، فكتب مجموعة من الأغنيات منها (لا أنت بتهجرني) تلحين وغناء سعد زغلول حجازي.
و(عينيكي الخضرة) من تلحين وغناء محمد فرج عيد، و(كأس الحب) تلحين وغناء عبدالرحمن الخطيب، و(ماهوش بعيد الحال يتغير) ألحان علي فراج وغناء كارم محمود.
(أحمد شفيق كامل): دايما تقول بكره
وفي هذه الفترة كتب أغنية بعنوان (دايما تقول بكره)، تلحين وغناء عباس البليدي، فحققت نجاحا كبيرا، وكانت الإذاعة تذيعها في اليوم الواحد عدة مرات.
بعدها قدم أغنية أخرى ناجحة بعنوان (افرح واتهنى) تلحين وغناء أحمد عبدالقادر، وتوالت الأغنيات وبدأ مشوار الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل.
الأسبوع القادم:
أحمد شفيق كامل يعترف: الشعرواي وراء انسحابي من كتابة الأغنية العاطفية، ويحكي ذكرياته مع أم كلثوم وعبدالوهاب، وعبدالحليم وكمال الطويل.