خالد شباط.. عفوية الممثل المسكون بالموهبة
بقلم: محمد حبوشة
ينبغي أن يكون مفهوما أن الممثل لا يمكن أي يقنعنا بما يفعل أو يجعلنا يستجيب لكل ما يقوله على الشاشة بمجرد اكتفاء بإلقاء كلام الشخصية دون أن يعبر ذلك الكلام من تفاعل داخلي صادق، تماما مثلما فعل الممثل السوري الشاب (خالد شباط) وهو ما تعكسه كل وسائل التعبير التي يملكها .
فخلال عرض مسلسل (كريستال) ترى عين المشاهد جسم الممثل (خالد شباط)، وليس ذلك فقط، بل كل ما يكسو ذلك الجسم من ملابس ومتممات، وحركات وسكنات تبدو غاية في الدقة على مستوى الأداء الفاتن.
أما عن أفكاره أو مشاعر أو رغبات أو أحلام (خالد شباط) فلا يمكن أن تخطئه العين دون أن ترى منها شيئا.
إن المشاهد يمكن أن يتجاوب بانفعال حقيقي من المواقف المتخذة من قبول الممثل المراقب (خالد شباط)، في نفس القدر الذي يتجاوب فيه الناس في الحياة مع حالات الجسم عندما يعبر صاحبه عن حالت تهديد بالهجوم أو التحسس الأولى.
وهو ما قد ظهر جليا مع (خالد شباط) في تقبله للخوف والرعب والهياج، أو التردد أو غيرها من التعابير الأنسانية التي طالما ما أتقنها في الحياة الواقعية على ما يبدو ذلك من خلال أداء بارع.
ومن هذا يفهم رد الفعل الذي يحصل عند المشاهد نتيجة التعبير لجسم الممثل (خالد شباط) عن أفعاله الداخلية، حيث يكون دائما متعددة الأنواع نسبه إلى نوع كل فعل يقوم به بميزان دقيق.
ولعل ردود أفعال (خالد شباط) هذه شبيهة لتلك التي تحدث عند المرء في الحياة الحقيقية ونستدل من هذا أن هناك وعيا واضحا لدي الجمهور الذي شاهده في (كريستال).
وهذا الوعي ناجم عن إدراك المشاهد بأنه يراقب سلسلة من الاحداث التي يتفاعل معها بحيث يلون خلالها ردود أفعال مشاعر مختلفة
إن أحد الأسباب الذي تسبب شلل بعض العروض الدرامية اليوم في استواء المشاهدين هو التمثيل المكبود الذي يؤديه الممثل على الشاشة، ويعني بذلك الممثل لا يعطه للجمهور جسمه شيئا على الانطلاق.
وسائل إقناع (خالد شباط)
لكن في حالة (خالد شباط) فغالبا مكان ينتظر المشاهد وسائل جديدة للإقناع بالكلام الذي يلقيه والملابس الذي يرتديها وبالمناظر الذي يعيش ضمن نطاقها.
ومن الجديد بالذكر أن ممارسه التكنيك الخارج من الممثل (خالد شباط) يروض صوته وجسمه بغيه امتداده وأداء أفعاله من أجل إيصال معنى الاهتزاز والاضطراب النفسي الذي يعانيه إلى الجمهور.
أما بالنسبة إلى التكنيك الداخلي لدى (خالد شباط) فإنه يبدو لي أنه يدرب الممثل نفسه باستخدام خبرته الحياتية الخاصة كوسيله لإيجاد وفهم ما هو معنى هذا الدراما التلفزيونية.
ويظهر مما يتقدم الفعل الداخلي للمثل (خالد شباط) هو الذي يوجه ويصوغ الحركات الجسمية بقدر الذي يتفاعل في داخله ثم ظهر بعدها الجسد في حركه جسميه ذات لون معين تحمل بين ثناياها فكره الفعل والهدف الذي تسعى ورائه.
إقرأ أيضا : الدراما السورية تستعيد حضورها وتشعل فتيل المنافسة !
واستنادا لما ذكر أعلاه يجعلنا نستشهد بقول المخرج الروسي المعلم (ستانسلافسكي)، ويخاطب تلاميذه: (فن هدفنا ليس حياة بشرية بل إبرازها في قالب فني، لأن ليس على الممثل أن يعيش في صميم دوره فحسب.
ولكن يجب أن يبرزه ويعطيه المظهر الخارجي كما فعل (خالد شباط) في حلقات (كريستال) حيث بدا لنا أن يفهم توقف الجسد لاعتماد على الفكر مسلة مهمه لأهميه خاصه في مدرسة (ستانسلافسكي).
(خالد شباط).. منتهى الحساسية والأخلاق
كما ظهر لنا أيضا أن (خالد شباط) يسعى دائما لإبراز الحياة الداخلية الدقيقة، لذا يجب أن تلاحظ عزيزي المشاهد ما هو جسماني وصوته معن بعنايه وبد دراسة دقيقه يجب ان تبرز نتيجة ذلك أدق المشاعر بمنتهى الحساسية والأخلاق.
ويضيف (ستانسلافسكي): ذلك يجب على كل ممثل في مدرستنا أن يعمل كثيرا بل أكثر من أي شخص آخر، سواء لتعويد ذهنه على عمليه خلق مايسمونه: (أن الممثل يعيش في دوره) أو لتدريب جسده عن نقل التأثيرات الناتجة عن ذلك منتهى الدقة.
وهذا الحال بالنسبة بالمظاهر الخارجية بالدور فأنها تتأثر بعمليات العقل غير الواعي عند (خالد شباط) الذي بدا لنا أنه يشعر داخليا بما هو مقنع لكل فكل شيء واضح وان لا يجد هنا موقع متخيل لا يحتوي على قدر معين من فعل الفكرة المجسدة (جسديا)، ما يوضح أنه يتوفر له الايمان الكامل بحقيقة الشخصية التي يلعبها.
إقرأ أيضا : الدراما السورية واللبنانية 2022 .. حضور حثيث يعوض غيابا مؤقتا !
(خالد شباط)، ممثل سوري الجنسية، أنهى تعليمه الثانوي في سوريا ومن ثم انتسب الى معهد الفنون الجميلة، وشارك في العديد من الأعمال الدرامية إلى جانب العديد من الممثلين المعروفين نذكر منهم شكران مرتجى وكاريس بشار.
من أعماله (دفا – 2022، ناس من ورق، بقعة ضوء – الجزء 14، مقامات العشق، أثر الفراشة – 2019، شارع شيكاغو، بورتريه – 2020، الكندوش – بجزأيه الأول والثاني، شارك (خالد شباط) في مسرحيات عدة أبرزها (هدر – 2018، كومبارس – 2019)
بالإضافة إلى مشاركته في العديد من الأفلام السينمائية كان أبرزها فيلم (زيارة)، حيث تمكن (خالد شباط) من إبرازه، وتبعه عروض فنية، وفي وقت قصير، استطاع أن يكون له أتباع ومعجبون ومحبون له.
استطاع الفنان السوري الصاعد (خالد شباط) أن يكون من بين أفضل الفنانين السوريين، في بداية مسيرته التمثيلية التي بدأت عام 2013، من خلال مشاركته في المسلسل السوري (همام الشامي).
(خالد شباط) أثبت نفسه
بعد ذلك واصل عمله كفنان، وشارك في العديد من الأعمال الدرامية السورية الناجحة، والتي لاقت تفاعلاً كبيرا استطاع من خلالها أن يشتهر في سوريا والوطن العربي.
قد يبدو ظهور الممثل السوري الشاب (خالد شباط) متأخرا، ورغم دخوله الفن متأخرا إلا أنه تمكن من إثبات نفسه وأصبح مشهورا جدا،و شارك خالد في العديد من البرامج التلفزيونية.
يبدو (خالد شباط) هادئ ورزين يعرف تماما، لمنه يعرف جيدا ماذا يريد، وأين توجد مكامن قوته وضعفه، يسرق انتباهك هذا الممثل السوري الصاعد، يطبعك بشخصيته القوية والمطواعة في نفس الوقت.
فتكتشف معه نبض الشباب في الدراما المختلطة، كاسرا النمطية الكلاسيكية بالحوار والأداء والحضور، ينفخ فيك الأمل بغد مشرق لأعمال دراما يتوق إليها المشاهد العربي.
إقرأ أيضا : الدراما السورية تهرب من الواقع باللجوء للبيئة الشامية
في شخصية (باسل) التي يجسدها في مسلسل (كريستال)، استطاع (خالد شباط) أن يحظى بإعجاب مشاهديه، فهم يجمعون اليوم على أنه يبدع في تقمص شخصية خطيرة بخطوطها وحبكتها.
لا يبالغ بأدائه ولا يستخف في كيفية تقديمها، فتحولت الأنظار إلى شخصية (باسل) النافرة في (كريستال) وصارت حديث الناس بأداء يجنح نحو عفية الأداء المسكونة بموهبة آسرة.
عند سؤاله: ألم تخف من القيام بهذا الدور؟
قال: أي تجربة تمثيلية تفرز الخوف لدى صاحبها، لأنه يضع فيها كل أحاسيسه وأفكاره ولغة جسده وعيونه، وعندما تضع كل طاقتك في دور معين يصبح الأمر مخيفاً
لا يعلم حتى اليوم خالد شباط، لماذا اختاروه لهذا الدور، ومع ذلك ففي مسلسل (كريستال) دخل تجربة لا تشبه سابقاتها، صحيح أنه لمع نجمه في أعمال سورية أخرى، ولكنه في (كريستال) حظي بفرصة العمر من حيث مساحة الدور والانتشار عربيا.
يستطرد (خالد شباط) قائلا: تساءلت حقيقة: لماذا اختاروني؟ ولماذا هذه الشخصية بالذات سأدخل منها باب دراما واسعا؟ وقلت لنفسي ربما يلزمني خبرة أكبر للقيام بها، ولكنني قبلت التحدي ومشيت مع التيار.
وعندما صرخ المخرج: (أكشن) علمت أنه لا مفر من هذه التجربة ونسيت كل شيء، وتفاعلت على الفور مع شخصية (باسل) التي تعاني من متلازمة أسبرجر، أحد اضطرابات طيف التوحد.
(خالد شباط) سكنته الشخصية
ويظهر المصابون بها صعوبة في تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين، ويرتكز تشخيصها على إعاقة في التواصل، وتأخر في النمو الإدراكي، لذا يقول (خالد شباط): لقد سكنتني هذه الشخصية.
بحثت كثيرا عن المتلازمة المذكورة، والتقيت أحد المصابين بها، وهو طفل في السابعة من عمره، تعرفت عن قرب إليه وإلى معاناته كي أكون صورة واقعية لأدائي.
هكذا اجتهد (خالد شباط) من أجل إنجاح هذا الدور، وفي اليوم الذي لم أكن مندرجا على لائحة التصوير، كنت أشعر بفراغ، وأنتظر بفارغ الصبر الوقوف أمام الكاميرا.
طلب من (خالد شباط) إتقان اللهجة اللبنانية لأنه في العمل يجسد دور فرد من أفراد عائلة لبنانية، فيقول: استصعبت الأمر بداية، وعندما كنت أسمع نفسي أتحدث بها أقلق.
وخلال التصوير اجتهدت كي لا أزعج الفريق اللبناني بلهجتي فتصبح عائقا بيننا، ومنذ المشهد الأول بيني وبين (ستيفاني عطا الله)، وكذلك مع (باميلا الكيك) سرت كيمياء جميلة، وانسجمنا في هذا التعاون.
ولا بد هنا من ذكر فضل مدرب التمثيل (معن حمزة)، ومدربة اللهجات جوانا طوبيا اللذين ساعداني وكانا حريصين على نجاح العمل.
ولكن ما أغراني أولا لدخول التجربة هى شخصية (باسل)، لم يسبق أن مرت شخصية تشبهه في أعمال مماثلة، شعرت بأنني أبني مملكة خاصة بي ستسجلها الدراما العربية في تاريخها الحديث.
نحن كممثلين نرتبط بالظرف والمناخ الدرامي الحاضر على أرض الواقع، وهذا النوع من الأعمال يسجل أعلى نسبة مشاهدة اليوم في عالمنا العربي، وكممثل أقوم بخطوات هادئة، وهذا المسلسل شكل فرصة جيدة لي في الوطن العربي.
أحببنا كل ما في (خالد شباط)
وفي النهاية لابد لي تحية تقدير واحترام للنجم السوري الشاب (خالد شباط)، الذي يحدثك عن عائلته لا سيما والده (عبد القادر) المتأثر به إلى حد كبير، وذلك لأنه كان يحلم بأن يصبح ممثلاً ولكنه صار شيف مطبخ.
ربما لا نعرف من يكون (خالد شباط) حقيقة، هل هو مهتز الخطى فعلا عندما يمشي، هل يتهدج بالكلام عندما يحكي، لكننا نعرف أنه جمع في داخله حباً استطاع أن يوزعه على كل من رآه.
ومن هنا أحببنا كل ما فيه حتى إعاقته، أحببنا كيف يحب وكيف يثور وأصابنا بألم عندما توجع، أبدع شباط في هذا الدور الذي جعل منه نجماً خطف القلوب، قدمه في أعلى حرفية ممكنة.
أقنعنا أن مرض الجسد مقدور عليه أما مرض النفس فهو المخيف، صدقه رقوة في الشدائد، ونصاعته قادرة أن تغطي على كل الشرور، هو حبل الخلاص عندما تشتد المكائد، هو الصدق عندما يصبح كل المحيط كاذبا.. هكذا بدا في (كريستال)!
لم يتوقف (خالد شباط) عند شاطئ معين ليظهر قدراته في التمثيل بل دخل عمقا جديدا في بحر الأداء.
بالأمس أضحكنا كما لا يفعل محترف كوميدي ولا كاتب كاريكاتوري، هذه الطاقة في تدوير الحركة وفي النطق واستعمال المفردات البسيطة التي جعلت منه منجم فرح وإضحاك وهذا أمر استثنائي.
فهو يجيد إرضاخ المتفرج له وينقله معه حيث يشاء سواء بالشعور بالحسرة أو الحزن أو الفرح.