بقلم الدكتور: كمال زغلول
بعد أن قام (تحوتي) بعلاج حور من لدغة العقرب، ونجاته من الموت، استقرت (إيزيس) بابنها في منطقة الأحراش، وعاشت مع سكان تلك المنطقة في حمايتهم، متوارية عن (ست).
وأخذت في تربية ابنها (حور)، وإعداده عقليا وبدنيا للانتقام من (ست)، واسترداد العرش بحيث يصبح (حور) هو الملك الفعلي للبلاد، ويأخذ بثأر أبيه أوزيريس، هذا بجانب حمايته من (ست) حتى يقابله في المعركة الفاصل ، والتي تعد لها (إيزيس) قبل ولادتها (حور).
فالصراع بين ست و(إيزيس) مازال مستمرا، وفي كل مرة يضع ست في طريقها العراقيل كي يقضي عليها، تنتصر (إيزيس) على ست، و تزداد صلابة وتحدي، وترعى (إيزيس) حور، وتذهب به إلي مجمع الآلهة كي يأخذ مكانه بينهم.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (إيزيس) وست.. الصراع المميت !
ويصور لنا المسرحي المصري القديم ذلك المشهد بين حور و(إيزيس) وآدوم ، فعندما يراه آدوم يقول: رائع يا ولدي حور ولتبق في بلد أبيك أوزيريس باسمك الذى هو الصقر الذى فوق أبراج قصر ذلك الذى خفى اسمه، إنني أطلب أن تكون بين رفاق إله شمس الأفق في مقدمة سفينة الإله الخالق أبدا.
(تأتي (إيزيس) لتقابل الذى قعدت به السن مصطحبة حور، وتطلب (إيزيس) أن يكون (حور) مع ذلك المتقاعد مثل معبود سرمدى).
(إيزيس): انظروا (حور) أيتها الآلهة .
(ويرتقي حور مكانه بين الآلهة من خلال تنافس إيزيس أدوم وعلى تحسين مصيره).
(حور): أنا حور الصقر القابع فوق أبراج قصر ذلك الذى خفى اسمه، بلغت الأفق في تحليقي، وتخطيت آلهة القبة السماوية وجعلت مكاني يسبق آلهة العناصر، وكذلك النسر لا يستطيع أن يدرك انطلاقي الأول ن مكاني بعيد عن سيث عدو أبي أوزيريس.
بنوى غزوت طرق الخلود، أنني أرتفع بقوة طيراني، وليس هناك إله يستطيع أن يفعل ما فعلته، لأنتقمن من عدو أبي أوزيريس و لأطأنه بنعلي، باسمي المتشح بالأحمر، أنا حور الذى ولدته (إيزيس) والذى تكفلت الآلهة بحمايته وهو ما يزال جنينا.
ومن المشهد السابق نلحظ أن لـ (إيزيس) جعلت من ابنها إله، بل ومكنته من أن يكون له مكانه بينهم، كما فعلت أمها مع زوجها (جب)، عندما حملت بأوزيريس وهو ليس ابنه، وجعلته إله.
(إيزيس) وكراهية (حور) لـ (ست)
كما نرى أن (إيزيس) ربت ابنها على كراهية (ست)، وأصبح مستعد للثأر لأبيه أوزيريس، وجعلت منه محارب قوي يستطيع بالفعل مواجهة ست، وهكذا اعدت (إيزيس) ابنها ليثأر من ست، بل وجعلت له مكانة عالية بين الآلهة، حتى أنهم ذهلوا منه ومن أقواله فاسترسل يقول:
حور: إن الأنفاس المضرمة المتصاعدة من أفواهكم لا تثيروني، وما تتطاولون به على لا يرقى إلى، أنا حور ذو المكان المتسامي عن الآلهة والبشر، أنا حور ابن (إيزيس).
ومن ذلك الحوار الذي دار بين الآلهة وحور، ويعلن أنه حور ابن (إيزيس)، تكون (إيزيس) قد نجحت في أول انتصار على ست، بأن جعلت ابنها له مكانة وسطوة على التاسوع الإلهي.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (أوزيريس) في المسرحية المصرية
وبهذا يكون الطريق مفتوح أمام ابنها حور للحصول على الملك منفردا بعد الانتقام من ست، ونجد أن المسرحي المصري قد أجج الصراع وأشعله بعد تمكن (إيزيس) من جعل ابنها ذو مكانة بين الآلهة.
وهى الآن مطمئنة بأن أجدادها الآلة، عرفوا واعترفوا بأن حور هو أبن أوزيريس، و أن حور أصبح ذو سطوة بينهم، وبذلك عندما يدخل في مواجهة ست، وينتصر عليه ينفرد حور بالملك، ويستعيد العرش.
ويصبح حور هو الملك المتوج وموحد البلاد من جديد، ولم يتبقى لـ (إيزيس) وحور سوى المعركة الفاصلة التي سوف يواجه فيها حور ست قاتل أبيه، وعند انتصار حور في تلك المعركة سوف يتفرد بحكم البلاد ويوحدها كما فعل أبيه أوزيريس من قبل.
وتستعد (إيزيس) لتلك المعركة وتخطط لها وتجعل ابنها يواجه ست في معركة قاسية، بمساعدة سكان الأحراش والآلهة، ليعاونوا حور في تلك المعركة، وتقوم (إيزيس) بإعداد ابنها للمعركة، وتزوده بكل ما يلزم، وينتصر ور على ست، ويعود الملك إلي عائلة أوزيريس، وتنتصر (إيزيس) على ست وتنتزع منه الملك.
لعبت (إيزيس) عدة أدوار مسرحيا
وهكذا لعبت (إيزيس) عدة أدوار في المسرحية المصرية الدينية السياسية، فهي المرأة التي كافحت بكل قوتها وضعفها في سبيل العرش، ولهذا يمكن القول أن المصريين القدماء لقبوها بالعرش بعكس اختها نفتيس التي يعني اسمها (ست البيت) فـ (إيزيس) اسمها يعني العرش.
وهى من استعادت العرش ووحدت البلاد مرة ثانية عن طريق ابنها حورس، ولهذا هى داخل المسرحية المصرية هى البطلة السياسية المحنكة ، والتي استطاع بمفردها مواجهة مملكة ست والقضاء على تلك المملكة.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزيريس .. أساس الأدب التمثيلي المصري
وهكذا صورت (إيزيس) داخل المسرحية المصرية القديمة، فكانت تقام لها مسرحيات تصور معانتها وتضحياتها، هذا على المستوي الفني، ولكن على المستوي الشعبي في الحياة الشعبية المصرية القديمة الأسطورية أقام لها المصريون عيدا كانوا يحتفلون به وفق الديانة المصرية القديمة.
وكانوا يحتفلون به كل عام، ولقبت بالعرش، لأنها هى التي استعادت العرش، وهكذا نرى دور المرأة السياسي والديني في الحياة المصرية القديمة، فالمرأة كان لها دور سياسي غلف بإطار ديني داخل الأسطورة والمسرح المصري القديم.