بقلم الدكتور: كمال زغلول
دخلت (إيزيس) منطقة الأحراش لتختفي هى وابنها بعيدا عن (ست) الذي يريد قتل ابنها، ولكن يتعرض الطفل للدغة عقرب، ويسري سم العقرب في جسده، وفي هذه المشاهد المسرحية نلاحظ تنوع في الصراع.
فهذه المشاهد تصور صراع (إيزيس) لإنقاذ ابنها (حورس)، ويصور المسرحي المصري القديم صورة الأمومة في محاولة إنقاذ الابن الذى سوف يحارب وينتقم من ست ويسترد عرش أبيه.
ويصور المشهد التالي صورة الأمومة وصراعها لإنقاذ ابنها (تضع إيزيس انفنها في فم حور لتشم الرائحة التي تكمن في رأسه ، فتجده في غمرة السم ، فتنكفئ تقبله سريعا ، وتثب وثبة السمك على الجمر، تصرخ وتنتحب على ابنها).
ها هو ذا حور قد لدغ، ابنك حور يا راع قد لدغ، لدغ حور، لدغ حور وارث وريثك الذى على مملكة شو، لدغ حور فتى خميس، الفتى المقدس لقصر الأمير، لدغ حور الرضيع الذهبي، الطفل الذى فقد أباه و هو فى المهد، لدغ حور الذى كان قلقا في المخبأ والذي كان يخاف منذ كان في بطن أمه.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزوريس في مسرح مصر القديمة (2)
ما أشد لهفتي لأن أراه حيا، أنعم به من صديق ذاك الذى يرد إليه الحياة تدخل (نفتيس): ماذا هناك، أنتم أيها الملتفون بالطفل (إيزيس) اختاه، أطلقيها صرخة نحو السماء ضارعة مبتهلة وسوف لا يتحرك الزورق بملاحيه إلى أن ينهض بنك حور من مرقده.
وتطلق (إيزيس) صوتها نحو السماء وصيحاتها نحو زورق السنين الملايين صارخة، فيثبت القرص لا يتزحزح من مكانه ويهل (تحوتي) مزودا بالسحر والتنظيم الأعظم الذى يحقق الفوز.
ويستجيب تحوتي لصرخاتها (تحوتي): ما وراءك يا (إيزيس)، يأيتها الإلهة المجيدة التي تنطق بالحكمة، هل ثمة مكروه وقع لابنك (حور) الذى هو في حماية زورق الشمس، لقد هبطت اليوم من الحرم الإلهي، ولسوف يقف القرص مكانه بالأمس.
(إيزيس) وابنها حور
وليحتجبن النور وليكونن يومنا ليلا إلى أن يبرأ (حور) وينهض إلى أمه سالما (إيزيس): ألا ما أنبل ما يكن قلبك يا تحوتي، أتراك جئت بعد فوات الأوان، وإنك لن تبلغ ما تريد، أم تراك جئت مزودا بالسحر مع التنظيم الأعظم الذي يحقق الفوز وكل الأشياء التي لا تعد ولا تحصى.
ها هو ذا (حور) يتضور ألما من السم، وبؤساه لسوف يؤدى به نحسه إلى الموت، ألا فليحللن بهذا العالم الفناء مع اللحظة التي يلفظ فيها بكر أمه أنفاسه، فما أصدفني من هذا العالم بعده، فلقد هنئت به منذ ولدته ورجوت أن يثأر لأبيه.
أي حور، أي حور، لتبقين على الأرض، منذ أن حملت به وأنا أنشد تحقيق ما تصبو إليه روح أبيه، هذا اليافع الذى حرم ملكه، ويرى تحوتي (نفتيس) تنوح بضراعة اختها (إيزيس) ويأسها من عودة الحياة إلى ابنها.
فيقول: لا تخشى شيئا بعد ايتها الإلهة (إيزيس)، لا تخشى شيئا وأنت يا (نفتيس) كفي عن النحيب، لقد جئت بنسمات الحياة كي أعيد الطفل إلى أمه سليما معافى، يا حور يا حور ليثبتن قلبك فلا يزعزعه اليأس بجرح أصابه، فحور في حماية من يكمن في قرصه ومن يضئ الأرض بعينه.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (المسرح) .. صراع بين قوتين في العرض !
قم يا حور فقد رددت إليك منعتك، وها هو ذا راع يبطلك، وها هو ذا لسان الإله العظيم ينزعك، اخرج إلى الأرض أيها السم، وستطمئن القلوب حين ينبثق نور القرص، إني أنا تحوتي الابن الأكبر لرع رسول آتوم أبى الآلهة فليبرأ حور من أجل أمه (إيزيس).
ألا فلتعودوا إلى دياركم، فقد عاد حور إلى أمه سالما، غير أن (إيزيس) لاتحس الاطمئنان على المستقبل فتطلب من (تحوتي) أن يوصي الناس بها وبابنها خيرا، (إيزيس) ناشدتك أن توصي به مستوثقا أهل خميس والمربين والمربيات في (ب) مرهم حالا أن يرعوا الطفل لأمه وحدثهم عن صفتي في خميس إنسانه مهمله أبقه من بلدتها.
(تحوتي) أيها المربون والمربيات في (ب) أسهروا على هذا الطفل وانظروا أين طريقه بين الناس وردوا عنه كيد الكائدين الذين يعترضون سبيله إلى أن تعيدوا له عرش الأرضين، و(رع) في السماء يتولاه وأبوه يرعاه ، وأمه بسحرها تحميه وتجعل إرادته هى العليا وتحمل الناس على رهبته وعلى الخشية منه.
ها هو ذا حور قد عاد إليكم بعد أن عادت إليه الحياة، وها أنا ذا، أعلن أنه سوف يخلف أباه، وسوف يمنح راكبي الزورق طربا وهم يجدفون: ها هو ذا حور قد حيا من أجل أمه، ولم يعمل فيه السم (وسوف يمدح الرسول على خدمته عندما يحمل البشرى إلى من أرسله ).
صورة الأم (إيزيس)
ومن خلال المشهد التمثيلي السابق نستشف صورة الأم (إيزيس) وصراعها من أجل حياة حور، وكيفية تضرعها ونحيبها حتى جاءت لها استغاثة تحوتي وقام بشفاء ابنها من السم، وقد أوصى بها سكان الأحراش حتى يكبر ابنها بينهم وينتقم لأبيه.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزيريس .. أساس الأدب التمثيلي المصري
ونلاحظ من المشهد التمثيلي السابق كيفية عمل خيال المسرحي المصري في تصوير معاناة (إيزيس) وتقديم صورة الأمومة ومعانتها وصراعها داخل منطقة الأحراش التي لجأت إليها هربا من ست.
ولم تطمئن بعد شفاء ابنها حتى خضع لها سكان الأحراش وتعدوا برعايتها هي وابنها لحين أن يكبر الطفل وينتقم لثأر أبيه، وهم سوف يكونون معاونين له في تلك المهمة ومناصريه ومحاربين معه ويسترد العرش، ويصور لنا المسرحي المصري حنكة المرأة (إيزيس) السياسة.
في هذا المشهد عندما طلبت من تحوتي ولاء شعب الأحراش لها ولابنها، وهكذا استقرت (إيزيس) بالأحراش واستطاعت أن تكون ولاء شعب الأحراش لها ولابنها حتى يكونوا في المستقبل جيش (حورس) في مواجهة (ست)، ويسترد حور الملك، وتثبته أمه على عرش البلاد.