بقلم: حماد الرمحي
لا يوجد أحد منا إلا وسبق أن أطلع على معلومة أو فيديو أو صديق بأن هاتفه الجوال عبارة عن جاسوس في جيبه لشركات متعددة الجنسيات، منها الشركات المصنعة لمعرفة تفاصيل حياتك والتأثير في مشاعرك لمزيدا من الشراء والاستهلاك تحت مسمى (الدكتاتورية الخفية).
وذلك لجعل حامل الهاتف مجرد منتج يقوم في كل لحظة بتلقين الآلة مزيدا من المعلومات عن نمط الإنسان في كل حالاته للترويج لـ (الديكتاتورية الخفية).
لا أذكر في يوم من الأيام إلا وتحدثت عن ضرر التقنية ومستقبلها القاتم، ولا يمكن لأحد – إلا من رحم الله – أن يتفادى تأثير التقنية لأننا بكل بساطة متورطون بشكل لا يمكن الفكاك منه في إطار (الديكتاتورية الخفية).
لكل منا اليوم تمثيل أو سفير ينوب عنك أو تعرفك من خلاله الشركات، ربما الشركات تعرف عن ابنك أو عنك أو عن أقرب أفراد أسرتك أكثر مما تعرف أنت.
السؤال اليوم، ليس في تفادي الضرر، القضية في معرفة حجمه المستقبلي، ومحاولة تخيّل النموذج الذي تسعى له الشركات، لترسيخ قيم (الديكتاتورية الخفية)، والبدء من اليوم في بناء نماذج كترياق للمستقبل وللأبناء وللحياة والهوية والوجود. لا يمكن التعامل معهم إلا من خلال ذات الأدوات التي يستخدمونها.
في كتاب الإنسان العاري للكاتبين (مارك دوجان)، الكاتب والروائي والسينمائي والصحفي (كريستوف لابي)، الصحفي في مجلة (لوبون) الفرنسية، والمختص بالمسائل الدفاعية.
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب : السوشيال ميديا قوة غاشمة!
يتحدثون بشكل حيادي عن أي تتجه بنا الشركات مثل أبل وأمازون وفيس بوك، وميثاق الشيطان الذي يعقده كل منا إذا دخل هذه التقنيات ويميها (البيج داتا Big Data. ) واستشهدا بأحداث 11 سبتمبر وأحداث باريس لتكون البداية لسن قوانين جديدة تخدم مصالح هذه الشركات في تعميق (الديكتاتورية الخفية).
ربما ستأتي كتب ودراسات لتتحدث عن أحداث الكورونا وسجن الكون لسنوات بأنه يصب في مصلحة هذه الشركات، في رواية كفانا حزنا، تطرقت لبعض الأمثلة والتخيلات المستقبلية بناء على البحوث العلمية، وكيف يتصرف شخصك الإلكتروني نيابة عنك.
هنا مختصر لأهم ما ورد في الكتاب، الإنسان العاري (الديكتاتورية الخفية)، تقودنا إلى حالة العبودية الإرادية وستكون نتيجتها النهائية هى القضاء على الحياة الخاصة، بحيث يتعرى الفرد لصالح حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات وهي أمريكية أغلبها، في قالب البق داتا.
(الغاية من هذه المدونة الكبرى للمعطيات هو جعل العالم شفافا ومرئيا والتخلص من سلطة المصادفة.
(الديكتاتورية الخفية) عند جورج أورويل
إعادة بناء كائن بشري استنادا إلى ملايين المعطيات التي جمعت حوله. يطمح غوغل الآن مواجهة الموت. هناك أحلام تدغدغ البيج داتا ذات يوم إلى الخلود، (دكتاتورية جورج أورويل) في روايته 1984 مستوحاة من نماذج استبدادية).
لقد استطاعت الصناعة الإلكترونية من خلال هذه المعطيات أن تبرمج سلوك الناس وتحركم وفق ما توده الآلة الاستهلاكية، أنهم يعرفون عنا كل شيء، ولذلك يروجون لـ (الديكتاتورية الخفية) بطرق غير مباشرة.
صفة جديدة لزمن تخلّى فيه الإنسان عن المستقبل والماضي بكل الحنين والأمل فيهما، لكي ينغمس في حاضر لا أفق له سوى نفسه.
لقد أعلنت الثورة الرقمية عن ميلاد فرد فائق يتحرك ضد نفسه وضد المجموعة ضمن ممكنات واقع فائق، إنسان فائق بالواقع الفائق والبدائل التقنية ولكنه مفرغ من الداخل.
(ينظر الصينيون إلى أمريكا باعتبارها الأمة التي كانت تهيمن في الماضي، وينظرون إلى غوغل باعتباره الأمة التي ستهيمن في المستقبل) كارلوس أدورد.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: مواقع التواصل تهزم الإعلام الرسمي في مصر
قانون غابور؟
(دونيس غابور فيزيائي هنغاري) مخترع الهولوجرافيا والحاصل على نوبل 1971 (كل ما يمكن القيام به تقنيا يجب أن يُنجز، دون مرعاة لمقبوليته الأخلاقية أم لا؟!).
(بالاجي سريفاناسون) متخصص في البيتيكون عام 2013 (الولايات المتحدة أصبحت عملاقا يسير نحو الانحطاط، وسيلفظها التاريخ).
(لاري باج) سنة 2014صرح: (هناك الكثير من الأشياء الهامة والمثيرة التي يمكننا القيام بها، ولكنهم يمنعوننا من ذلك، لأنها غير قانونية في نظرهم).
تهدف هذه الشركات إلى إقامة حكومة لوغاريتمية وهى نوع لم يسبق أن رآه الإنسان وتشتغل من خلال إسقاط استباقي للممكنات، عوض أن تفعل ذلك من خلال تقنين السلوك، ولا تتوجه إلى الأفراد إلا من خلال إنذارات تخص ردود الفعل في شكل لما يسمى (الديكتاتورية الخفية).
المستقبل الذي ترسمه (البيج داتا) بداية انهيار لنمط المجتمع والدولة والأمة، (ستكون ظلال الأشياء عند هؤلاء الرجال المكبلين هي الحقيقة ذاتها ولن يروها إلا من خلال الظلال) أفلاطون قبل 2500.
(عندما يصبح الشبح واقعيًا، فإن الواقع هو الذي سيصبح شبحًا)، فيلسوف ألماني غانتر أنديرس الخمسينات حديثه عن التلفزيون، (عندما ندخل الشبكة نعقد دون علمنا ميثاقا مع الشيطان).
أهداف (الديكتاتورية الخفية)!
(إيريك شميدت) رئيس المجلس الإداري لجوجل، في كتاب عنوانه (من سيكتب المستقبل) ستكون الهوية عند مواطن الغد هى أغلى المنتجات، ولن يكون لها وجود سوى في الشبكة، إن سلطة ثورة المعطيات هي: مقابل كل مظهر من مظاهر السلبية هناك خير كثير، وهو ما يحقق أهداف (الديكتاتورية الخفية)!
عالم الأنثروبولوجي الأمريكي (شيري تورك) في كتابه وحيدا ضمن المجموع (يعطينا الغلو في الاتصال إحساسا أننا متصلين خارج الحدود الثقافات واللغات.. والحال أننا منغلقين على أنفسنا كل في كون افتراضي منفصل عن العالم).
(هيكيكوموري المتخندقون).. يتحدث السوسيولوجي (دومينيك فولتن) صاحب كتاب (العولمة الأخرى) عن استلاب الاتصال، هؤلاء الأشخاص عاجزون عن العيش خارج العالم الافتراضي،وهو ما يأتي ترويجا لـ (الديكتاتورية الخفية)، بينما الحال الأساسي عن الإنسان ليس هو الصورة بل الإحساس بالواقع.
ينتج عن هذه العزلة هوس سيكولوجي متزايد يبدأ من البارانويا وينتهي بالعصاب الاستحواذي (اضطراب نفسي يتمثل في وجود أحاسيس وأفكار تستولي على المرء وتزج به في صراع وقلق).
إن الشعب الذي يتنازل عن جزء من حريته مقابل شيء من الأمن، لا يستحق الحرية ولا الأمن، وسيخسرهما معا (بنجامين فرانكلين).. ترسيخ واضح لـ (الديكتاتورية الخفية).
…………………..
المصفوفة قادرة على التعرف على الأفراد أو السلوك المشبوه، وظهر في تلك الفترة حتى 2014 مفهوم قدمه الملك (ألكساندر) مسؤول لمدة تسع سنوات عن الناسا مفهوم حزمة القش (يجب مراقبة كل الحزمة للحصول على إبرة).
سر اختراع جهاز لنوع (آبل سمارت فون) يصعب استخراج بطاريته (يكمن في رد الفعل الأول لأولئك الذين يخافون من أن يكونوا موضوع تجسس)، (لقد صبحت الحياة الخاصة شذوذا) فينتون سيرف، أحد مؤسسي الإنترنت.
(إذا قمت بشيء لا ترغب في أن يعرفه أحد، فعليك ألا تقوم به أصلا، وإذا كنت لا تخفي شيئًا فلماذا تخاف أن يعرف الناس عنك كل شيء) إيريك شميدت.
كتب (جورج أورويل) قائلًا: (يمكن للحزب أن يعرف جزئيات ما تقوله أو تفكر فيه، ولكن قرارة نفسك، الغريبة حتى بالنسبة لك، ستظل في منأى عنه).
المدهش حقًا، هو أن عمالقة الإنترنت الذين يبشرون لانتهاء الحياة الخاصة يقومون بكل شيء لكيلا يعرف عنهم الناس أي شيء.
(إن القدرة على مراقبة كل الوقائع وكل الحركات التي تخص الآخرين، مع إخفاء ما يعود إلى المراقب، هي أسمى أشكال السلطة. إنه أمر يخص شركات كبرى كغوغل أو فيسبوك) فرانك باسكوال، أستاذ القانون في جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤلف الصندوق الاجتماعي الأسود.
ألم يضع جوجل صحفيي الاستطلاع في الموقع الأمريكي CENTفي اللائحة السوداء لمدة سنة، لأنهم نشروا معلومات تخص إيريك شميدت (رئيس مجلس جوجل) راتبه وعنوانه وهواياته.. معلومات حصلوا عليها من محرك البحث جوجل.
سيكون هناك 20 مليار من الكائنات المتصلة مع بعضها البعض هي التي تؤثث محيطنا، فيما يعرف بإنترنت الأشياء، وهذا في حد ذاته يشكل (الديكتاتورية الخفية).
(الحال أننا ذباب وقع في فخ العنكبوت، حيث يتم التعرف على كل حركة وتحديدها وتحليلها).
ترسيخ واضح لـ (الديكتاتورية الخفية)
سيفرض ظهور الأشياء الذكية على مستوى الكرة الأرضية، التطبيع الانضباطي الذي كان يخشاه (ميشال فوكو)، ويكمن هذا التطبيع في جعل الناس والأفعال متطابقة مع النموذج، (يجب شد انتباههم، حينها نستطيع امتلاك قلوبهم) إيريك شميدت.
(نيكولا كار) كاتب أمريكي مؤلف كتاب (الانترنت يجعل المرء بليدا!)، قائلا: (آخر شيء يبتغيه مقاولو الأنترنت هو القراءة البطيئة والهادئة أو التي فيها تركيز، فمن مصلحتهم الاقتصادية تشجيع التسلية) وهذا حتما يقودنا إلى (الديكتاتورية الخفية).
إن القارئ الرقمي هو امتداد للفرد الفائق الاتصال الذي مثله مثل النحلة عندما تصاب بالجنون يقفز من موضوع إلى آخر.
حذر الفيلسوف (روجي بول دروات) من أن هذا الانتقال الدائم من اتصال ذهني إلى انفصاله، والتراكب الدائم بين سجلات متنوعة ومتنافرة، والتبعية الدائمة للشاشة والإرساليات المختلفة التي تخطب ودنا قد تؤدي إلى تغيير جذري في طرق تفكيرنا وفي طرق إحساسنا أيضا.
اكُتشف حديثا أن قراءة (أيبوك) لا تستنفر في أذهاننا نفس المناطق التي يستثيرها كتاب ورقي.
تؤكد (باتريسيا جرينفيلد)، أستاذة في السيكولوجيا في جامعة كاليفورنا وخبيرة نمو الطفل، أن الاستعمال المتزايد للإنترنت قد يضر بقدراتنا على اكتساب معارف عميقة، والقيام بتحليل قياسية وإنتاج روح نقدية، وقد يضر التخيّل والتفكير.
(لاري بيج) أحد مؤسسي جوجل (إن الذهب البشري هو حاسوب عتيق في حاجة إلى معالج إلكتروني أسرع وإلى ذاكرة أوسع).
…………………..
(إدريس أبركان)، هو باحث النوروتكنولوجيا في المدرسة المركزية في باريس يقول بأن: (دماغنا لم يصمم لكي يحافظ بكل شيء، إن قوته الحقيقة تكمن في مرونته وقدرته على النسيان لكيلا يحتفظ بكل شيء، إن قوته الحقيقة تكمن في مرونته وقدرته على النسيان لكيلا يحتفظ سوى بما هو في حاجته إليه).
…………………..
إن القوة الضاربة للدماغ البشري في مقابل الحاسوب، هو طعم المخاطرة..إن المستقبل معادلة، (لا يرغب أغلب الناس في أن يجيب جوجل عن أسئلتهم، إنهم يريدون منه أن يقول لهم ما هي الحركة التي يجب أن يقوموا بها) إيريك شميدت.
(روجي بول دروات) فيلسوف: (إن الأفق الذي نحلم به هو الأفق الذي يتم فيه التحكم في الحظ ومراقبته أو القضاء عليه نهائيا).
…………………..
(البيج داتا) و(الدكتاتورية الخفية)
إن التغلب على النوم هو من انشغالات (البيج داتا) التي تتعاون مع البنتاجون في الكثير من مجالات البحث، يعد نومنا عند الشركات الرقمية وقتا ميتا.
صرح (لاري بيج – 2014)، أحد مؤسسي جوجل (جوغل يريد القضاء على الموت) – إنها الدكتاتورية الخفية – خلق شركة في كاليفورنيا لايف كومباني Life Company، وخطتها هي تمديد الأمل في الحياة من خلال محاربة الأمراض قبل أن يكون هناك أي عرض على وجوده؟
جوجل أكس لاب (علوم الحياة)، يرسم جوجل إنسان الغد، الإنسان الذي يعملون على الإبطاء من إيقاعه البيولوجي، وفي انتظار اختراق آليات الشيخوخة.
لا تكتفي (البيج داتا) بالزعم بأنها ستقضي على الموت، بل تريد تصنيع إنسان جديد من خلال تهجينه ومزجه بالآلة، والغاية كائن بقدرات جسدية وفكرية فوق إنسانية.
في ظل هذه (الدكتاتورية الخفية) يؤكد (لاري بيج): بالتأكيد إذا كنتم تمتلكون كل المعلومة حول العالم مباشرة باتصال مع دماغكم أو مع دماغ اصطناعي أكثر ذكاء من دماغكم، فستكونون في حالة أحسن.
البطالة الشاملة: (غاية المستقبل هى البطالة الشاملة، وعندها سيحلو لنا اللهو) أرثر كلارك كاتب علم خيالي.
(أتمنى ألا يكون الإنسان قد استخدم برامج بيولوجية لإطلاق الذكاء الفائق للرقمية، ومع الأسف يبدو ذلك محتمل) أيلون ماسك.
تشاؤم تقاسمه مع الفيزيائي (ستيفان هاوكينج) الذي يُعد عنده هوس (البيج داتا) في خلق (آلة تفكر) دق ناقوس نهاية الإنسانية، ففي تصوره، سيكون هذا الكيان قادرا على التحرر والتحسن، وحينها (لن يكون بمقدور الإنسان المحدود بتطوره البيولوجي البطيء منافسته، وسينسحب من الحياة)
(ستكون تكنولوجيا الاستهداف الفردي متقنة لدرجة أنه سيكون صعبا على الناس أن ينظروا إلى شيء أو يستهلكونه لم يكن قد صُمم خصيصًا لهم) إيريك شميدت، وهذا يمثل قمة (الدكتاتورية الخفية).
إن ذهننا هو لاعب بطبيعته، وبعرف علماء الأعصاب أن اللعب هو أفضل جاذب للانتباه، وهذا ما يفسر شره البيغ داتا نحو الألعاب وغيرها.
سيأتي يوم ستكون فيه الحياة العضوية شاذة، إن حلم (البيج داتا) بمزج الإنسان مع الآلة وهو في طريق التحقق، سنكون حينها خالدين ومتحكما فينا، لم يحدث في تاريخ البشرية أن قامت قلة قليلة بفرض قانونها على هذا العدد الكبير من الأفراد، عندئذا تتحقق (الدكتاتورية الخفية)
…………………..
الحال أن جوغل لا يمكن أبدا اللحاق به، ولا اللحاق بأبل أو أمازون، فالمعطيات التي راكموها تضعهم في منأى عن أي مراقبة أو منافسة، وبهذا تتحقق أهداف (الديكتاتورية الخفية).. أليس كذلك تسير الأمور؟.