وديع الصافي الذي رفض التعصب وغني لسيدنا محمد ولشهر رمضان!
كتب: أحمد السماحي
على مدى مشواره الفني الطويل لم يغن (وديع الصافي) إلا الجمال في كل صوره، الجمال في الحب، الجمال في الوطن، في الدين، الجمال في الضيعة اللبنانية، وفي العائلة اللبنانية.
(لا أرضى أخذ كلمات أغنية إلا بعد الاقتناع الكامل بأنها ترضي الله، فنحن مسؤولون عن نشر الجمال، وتهذيب الأخلاق، فالكلمة الجيدة ترتقي بالجمهور وتزيد من حضارته وتقدمه)، هذه واحدة من جمل العملاق (وديع الصافي) الذي نحيي اليوم 11 أكتوبر الذكرى العاشرة لرحيله.
(وديع الصافي) مطرب العرب
كما نذر (وديع الصافي) صوته للأمة العربية فـ (مطرب العرب) ليس لقبا حصل عليه الصافي من فراغ لكنه جعل من نفسه وأغنياته وحدة وطنية عربية شاملة، فغني آلام العرب وأفراحهم وعزهم وأمجادهم.
فغني لمصر أروع أناشيدها (عظيمة يا مصر، وإذا مصر قالت نعم فاتبعوها، ومصر يا أم الأمم)، وللسعودية أنشودة (مكة)، وللجزائر نشيد (الجزائر).
وللعراق غنى (وديع الصافي): (جئت بغداد) ولفلسطين (أطفال الحجار، أعرف عدوك، محمد الدرة، ولسوريا (شام، جولان سوريا، قالت لي بنت الجيران) عن القطن السوري.
إقرأ أيضا : نكشف أغنية (وديع الصافي) في وداع (جمال عبدالناصر) التى أبكت لبنان
أما لبنان فلم يغن فنان لوطنه كما غني (وديع الصافي)، حتي تكاد الأغنية الوطنية تزاحم أغنية الحب عددا، وقد تعددت الصور الوطنية في الأغنية عنده إذ غني جيش الوطن، واستقلاله، وصموده، وتاريخه، وأبطاله، وشهداءه، وأرضه، وسهوله، وجباله، وبحره، ونهره، وجماله.
ودعا (وديع الصافي) إلي حماية لبنان، وعودة المهاجرين إليه، وبذل كل نفيس في سبيله، ومن أشهر أغنياته الوطنية (أرز الجبل، لبنان يا قطعة سما، سيجنا لبنان، كلنا للوطن، زرعنا تلالك يا بلادي.
ويا جيش بلادي، وطني الحبيب، الله معك يا بيت صامد بالجنوب، وطني أغلي من ولادي، رجعت عالبنان، لبنان عرس الدني، لبنان أرض المحبة، لبنان للأبطال) وغيرها.
(وديع الصافي) والتعصب الديني
وضع (وديع الصافي) صوته في خدمة دينه، وعن هذا يقول/ (إن الفن يسمو حين يكون مستمدا من الأديان السماوية، وفي الأمثال الفرنسية يقولون: إن من يغني الله، يصلي مرتين، وعندما أنشد ترتيلة أو آية من الذكر الحكيم أشعر بأنني قريب من الله، ولا أجد وصفا دقيقا لهذا الشعور الجميل).
لهذا لم يكن غناء (وديع الصافي) الديني نابعا عن تعصب ديني، أو تطرف ديني، بل علي العكس من ذلك كان مؤمنا متسامحا منفتحا علي الدين الإسلامي انفتاحا محبا قائما علي الإيمان بالخالق الواحد، والقيم الدينية السماوية الواحدة.
فقدم بعض الأناشيد الدينية الإسلامية كنشيد (نداء الحق) وهو عن مولد الرسول عليه الصلاة والسلام.
كما غني (وديع الصافي) لشهر رمضان أغنية (شهرنا السمح) وأيضا (رمضان) ومن أشهر تراتيله (إرحمني يا الله، الوصايا العشر، الله نوري خلاصي، ألقاك أصلي، إلهي حنيت السماء، أنا إنسان، يا فاتح بواب السما) وغيرها.
رسالة (وديع الصافي)
عن الأغنية الدينية في مشواره قال (وديع الصافي): دمجت في بعض المزامير الدينية التي قمت بغنائها اللحن البيزنطي مع اللحن السرياني، وأدخلت آيات قرآنية فيها بغية تقريب قلوب الجميع.
وقد رحب العديد من المسلمين والأرثوذكس والمارونيين بهذه المزامير، فما أهفو إليه توحيد شعوب ديانات الله، إذ لا يوجد شيء يفكك وحدتنا في الشرق مثل التعصب والتحزب الطائفي، فالدين لله، والأوطان للجميع.
قدم (وديع الصافي) للمكتبة الغنائية أكثر من1300 أغنية كلها تغنت بالحب، والوطن، والله، والضيعة اللبنانية، تعاون فيها مع عدد كبير الشعراء اللبنانيين وغير اللبنانيين، بالفصحي والعامية.
وقبل (وديع الصافي) وجيله لم تكن الأغنية اللبنانية معروفة وعن دوره في الإنطلاقة قال في حوار صحفي قديم: (لم تكن انطلاقة الفن الغنائي اللبناني سهلة، فقد اجتهدنا كثيرا لتأسيس أغنية تجمل طابعا محليا صرفا.
إقرأ أيضا : تعرف على أغنية (وديع الصافي) التى غيرت (وردة) كلماتها، وغنتها بصوتها !
وفي وقت كانت الأغنية المصرية طاغية بقوة على الغناء العربي والأذن العربية، وكنت من الرواد الذين سعوا إلى أغنية مغايرة لهجة ونمطا، فحولت الكلام الزجلي الذي اقتصر طويلا على حفلات القوالين.
والمناسبات المنبرية فنا غنائيا، وكان ذلك حدثا مهما في تاريخ الفن اللبناني، ثم بدأ الأخوان رحباني، وفيلمون وهبي، وزكي ناصيف، وحليم الرومي، وعفيف رضوان ينسجون على المنوال عينه.
وفي هذا الوقت اخترت قصائد لزجالين مغمورين لحنتها وغنيتها، فحصدت عقب طرحها نجاحا، وأعتقد أن أغنيتي (قلت الهوى) شكلت الانطلاقة الفعلية للغناء البلدي اللبناني، ثم واظبت على ترسيخها أكثر فأكثر بسلسلة أغنيات تتصف بمواصفات خاصة وجديدة وبهوية فنية مستقلة).
أمنية (وديع الصافي) لم تتحقق
كانت للعملاق (وديع الصافي) كثير من الأمنيات منها ما ما ذكره قائلا: (أتمني قبل رحيلي لو أن البلاد العربية تقيم في كل بلد عربي مكتبة غنائية ضخمة تحتوي علي كل تراث العالم العربي الغنائي الأصيل.
والمليء بالتواشيح، والموواويل، والأدوار، والغناء الصحيح السليم، وتكون زيارة هذه المكتبة ضمن المنهج الدراسي في المدارس، حتي ننقذ الأجيال الجديدة من العبث الغنائي الحديث).
(وديع الصافي) في عيون العملاقة
رحم الله العملاق وديع الصافي الذي قال عنه الملحن اللبناني الكبير وليد غلمية: (قبل وديع الصافي كان التلحين رتيبا اجتراريا تافها، لا إبداع فيه.
فأتي صوت وديع وقال للملحنين: لحنوا ما شئتم وهناك صوت يؤدي كل ما تكتبون وتبدعون، فصوته هو الصوت اللبناني بكل ما تعنيه الكلمة.
ومع احترامي لكل العاملين في الحقل الموسيقي أقول: لقد تورطنا كلنا في أساليب تلحينية بعيدة كليا عن أجوائنا اللبنانية الشرقية، والذي أنقذنا من هذا الضياع صوت وديع الصافي بأصالته اللبنانية.
ووصف موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب صوته قائلا: (لو جمعت أصوات المطربين كلهم في صوت واحد لما ألفت صوت وديع الصافي، فهو الأجمل منذ ألف سنة، وصاحب أجمل صوت بين الرجال في الشرق)
أما العملاق رياض السنباطي فقال عنه: (لا أتصور أن في تاريخ الغناء كله صوتا بهذه الروعة، وهذا الجمال، وهذه القدرة علي إثارة الشوق).
وقال عنه المبدع محمود الشريف: (وديع الصافي هبة الله للشرق علي صعيد الأصوات والأداء).
وكتب الشاعر اللبناني الكبير مارون كرم قصيدة في وديع الصافي يقول مطلعها:
وجودك يا صافي بيننا
وجود العياد وفرحة ومحبة للعباد وللبلاد
كل ما بيزيد عمرك بالكبر
كل ما صوتك صفاوة وصدق زاد
مثل صوتك بعد ما شاف الوتر
بكل اللي غنوا بالقراب وبالبعاد
وحدك كنت ما بين هالغنوا القمر
وكنت السنديانة وكلهن فيها عماد.