بقلم الدكتور: كمال زغلول
بعد أن حملت (إيزيس) بحور من أوزيريس، وتم التأكد من أن ما في أحشائها من نسل أوزيريس، بعد شهادة آتوم بدأ الصراع يشتعل ويتصاعد بعد حالة السكون التي حدثت بموت أوزيريس.
ولكن الصراع في هذه المرحلة لم يكن صراع عادي، أنه صراع غريب بين طفل ببطن أمه، وبين أمه (إيزيس) وعمه (ست)، والمهمة الأولي ليست هى القضاء على الطفل بحيث يموت في بطن أمه ويسقط الجنين.
وذلك لأن آتوم جعل من كبير السحرة حارسا على الولد في بطن أمه، فلابد من حيلة تجعل (إيزيس) تسقط بطريقة عادية، فأمر (ست) بوضع (إيزيس) داخل جزيرة في الأحراش محاطة بالماء.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (أوزيريس) في المسرحية المصرية
وتعيش فيها التماسيح محيطة بالجزيرة، بحيث إذا حاولت (إيزيس) الهرب تلتهما التماسيح ، ولن تجد في تلك الجزيرة أي شيء يعينها على الحياة فتموت ويموت الطفل وينتهي الأمر.
وفي الجزيرة يبدأ صراع (إيزيس) في المحافظة على حياتها من أجل أن تعيش والمحافظة على المولود حتى تضعه، وتمر بمجموعة من الظروف القاسية، فقد وجدت عين ماء تعينها على الشراب.
الآلهة الحارسة لـ (إيزيس)
وبدأت في أكل أي شيء موجود بالجزيرة حتى حانت لحظة ميلاد (حورس)، ونرى في مشهد مسرحي درامي، كيف تم هذا الميلاد من خلال إعلان آتوم عن مولد حورس في جمع من الآلهة الحارسة لـ (إيزيس).
(آتوم : هيا يا رب الأرباب، أظهر للعالم وأنا ضامن لك أن يعبدك ويقوم على خدمتك رفقاء أبيك أوزيريس، سأضع اسمك حين تبلغ الأفق وتقترب من أبراج ذلك الذى اسمه خفيا، إن القوة تترك جسدي ويستمسك الضعف بجسدي، وحينما يستمسك الضعف به ينحني، ويرحل المضيء ويختار مكانه جالسا أمام الآلهة بين حاشية المتقاعدين).
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (المسرح) .. صراع بين قوتين في العرض !
وهذا الحوار يعني أن (آتوم) سوف يولي (حورس) المهمة كاملة وينسحب، وفي جمع من الآلهة يظهر حورس الوليد في زي صقر أو برأس صقر، ويتم الإعلان عن مولده ، في حفل إلاهي.
ويظهر المنظر المسرحي مصورا هذا الحفل في صورة تمثيل صامت مع صوت يصف الحدث نستشفه من الحوار الاتي: (إن الإله أمون بعد أن أخذ الوليد بين ذراعيه أسلمه إلي الإلهات المرضعات كي يرضعنه وإلى الآلهة كي تطهره).
ومن هذا المشهد يتم الاعلان عن أو انتصار لـ (إيزيس) على (ست) حيث أنها استطاعت أن تتحمل الظروف القاسية جدا، وإن تضع وليدها في حماية جمع من الآلهة والإلهات الحامية والحارسة لها.
وتلك المرحلة التي تصور معاناه (إيزيس) في محاول البقاء على قيد الحياة حتى تضع مولودها، قد صورها المسرحي المصري بطريقة تبرز المعناة والألم القاسي التي عانته (إيزيس) لكي تنجب البطل المخلص.
(إيزيس) هى الأم المخلصة
ذلك البطل الذي عندما يشب ويصبح شابا سوف ينتقم لأبيه ويسترد العرش، ويخلص (إيزيس) هى الأم المخلصة الشعب من حكم (ست) القاسي الشرير، ولهذا أصبحت (إيزيس) هى الأم المخلصة، لشعب المملكة، واسمها في المصرية القديمة يعني (العرش).
فهي من ثبتت عرش البلاد بحكم ابنها (حورس) فيما بعد، ورفعت لمكانة القداسة، لأنها العرش أو صاحبة العرش المقدس لحكم البلاد، ومن هذه المشاهد التمثيلية لـ (إيزيس) نستشف لماذا أقام المصريون عيدا لها.
ونلاحظ أن المشاهد التمثيلية التي وضعها المسرحي المصري أيا كان صفته كاتب أو كاهن قد أخرج من التمثيل صفة القداسة على (إيزيس)، وجعل الشعب يعتقد بانها صاحبة العرش، وهي التي تثبت الملوك القادمين على عرش البلاد بحماية ابنها حورس.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزيريس .. أساس الأدب التمثيلي المصري
ولهذا السبب كان المصريون يحتفلون بعيدها، وهذا لأنها تحدث (ست) ووضعت الوليد، ولكن الصراع بينهما لم ينتهي، في المسرحية المصرية فلابد من تنشئة الطفل وحراسته حت يكبر، ولابد من تربيته بطريقة تجعل منه الفارس المخلص الذي يجب عليه هزيمة ست واسترداد عرش البلاد.
ولهذا أمام (ست) فرصة للقضاء على الطفل وينفرد بالحكم، وفي هذه المرحلة المسرحية يشتعل الصراع ويدخل في مرحلة من التعقيد المرير، فعلى (إيزيس) أن تحمي طفلها حتى يكبر وتراعاه ، في مواجهة المكائد التي يضعها ست في طريقها ، فالمعركة لم تنتهي بين (ست) ولـ (إيزيس).
بل تزاد توتر وتعقيد فهي امرأة ضعيفة لا تملك القوة الكافية في مواجهة الملك الست الذي يوجهها بكل ملكة وأتابعه في المملكة، ولكنها تقبل التحدي للمرة الثانية، وتقبل مواجهة هذا الملك القاسي، في جولة من الصراع المؤلم بالنسبة لها.
وهو يظهر بوضوح دور المرأة في السياسة المصرية القديمة، وأن (إيزيس) هى العرش الفعلي للبلاد، وفي المقالة القادمة نستعرض شكل الصراع الذى حدث بين (إيزيس) و(ست)، في مرحلة طفولة (حورس) منذ رضاعته حتى أصبح المحارب المخلص لشعب المملكة من حكم (ست).