كتب: محمد حبوشة
ربما يستند مسلسل (الغريب) للمخرجة صوفي بطرس عن سيناريو مشترك للكاتبتين لانا الجندي ولبنى حداد على قصة المسلسل الأميركي المرشح لجائزة بافتا (فخامتك – Your Honor)، على الرغم من عدم تطرق صناع (الغريب) إلى هذا التفصيل.
وقد يكون ذلك بسبب إضافة شخصيات أخرى للقصة بدافع التمايزعن النسخة الأميركية، ولربما هو الدافع لعدم ذكر ذلك حتى لا يقعوا تحت طائلة الملكية الفكرية، لكن في زمن أصبحت خدمات البث التدفقي ركن أساسي من صناعة الدراما في العالم العربي.
قدمت الحلقات الأربعة الأولى لـ (الغريب) تسلسلا سريعا للأحداث التي تدور حول عائلة يوسف (يوسف/ بسام كوسا)، وهو قاض نزيه يجد نفسه أمام أزمة أخلاقية تفرض عليه مواجهة مبادئه لحمايه ابنه رامي (آدم الشامي)، بعد تورطه بجريمة قتل عن غير قصد.
لكن هذه الجريمة تتحول إلى سلسلة جرائم ترتكبها جميع أفراد العائلة، بما فيهم الزوجة (لمى/ فرح بسيسو)، وابنتهم علا (ساندي نحاس)، وعلى عكس الجريمة الأولى غير المقصودة، فإن الجرائم المرتكبة مبررها المباشر الدفاع عن النفس وحماية العائلة، وغير المباشر خيانة الأصدقاء، وتخليهم عن مساعدة (يوسف) في محنته.
إقرأ أيضا : سؤال يطرحه (شهريار النجوم) : أي غريب سنحبه أكثر رشيد عساف أم بسام كوسا ؟!
ما يفرض عليه اللجوء إلى خيارات غير قانونية، تبدأ لحظة خروجه من سوريا إلى لبنان بطريقة غير شرعية (تهريب)، وبالتدريج يجد يوسف نفسه يعيش حياة غير نزيهة، وبعيدة عن مبادئه التي حاول الحفاظ عليها طيلة مسيرته المهنية.
يحاول مسلسل (الغريب) المكون من 12 حلقة أن يقدم نظرة غير مباشرة على طبيعة العلاقات بين القضاة والمحامين، وسهولة صناعة الأعداء في السلك القضائي، وكيف أن القضاء ولا حتى القانون بالأساس يستطيع حماية القضاة النزيهين، وهذا ما حصل مع (يوسف) عندما تخلى عنه الجميع خوفاً من أبو إيهاب، والد الشاب الضحية.
والواضح أن أبو إيهاب – الذي نعرفه بالاسم فقط – شخصية نافذة في سوريا يخاف الجميع من انتقامه، وبينما يكون يوسف في حيرة من أمره لمعالجة الموقف قانونيا، يتصل به صديقه فاروق (جمال قبش) الذي لديه خلاف كبير مع يوسف بسبب قضية سابقة.
وينتهز فرصة للانتقام منه، لكنه في الاتصال يقترح تقديم المساعدة لإخراجه من هذا المأزق، ويساعده على الهروب إلى لبنان من أجل بداية حياة جديدة، وهنا تبدأ القصة بأخذ منحى مختلف تماما.
(الغريب).. سيناريوهات عشوائية
وتقدم سيناريوهات عشوائية غير مترابطة لا تخدم عنصري الإثارة والتشويق في المسلسل، وللصراحة قلة من طاقم التمثيل، بما فيهم جوكر الدراما السورية (بسام كوسا)، حاولوا قدر الإمكان إنقاذ المسلسل، لكنها لم تكن كافية لإقناع الجمهور.
يقدم (بسام كوسا) في المسلسل شخصية هادئة ومتوازنة حتى في أصعب المواقف، وهو على استعداد لتقديم التنازلات، والتضحية بمنصبه في مقابل إنقاذ العائلة لدرجة تجعله يقبل أن يكون وسيطا للبيروتي في عمليات تسليم الأموال المغسولة.
إقرأ أيضا : بسام كوسا يشعل أحداث (التحدي) بأداء استثنائي بالغ الروعة
يؤدي (كوسا) في (الغريب) شخصية يوسف بإتقان رائع، كما تعودنا عليه في الأعمال السابقة، ومثله (فرح بسيسو) تقدم شخصية أم تريد حماية عائلتها، ومساعدة زوجها في تأمين مصاريف الحياة اليومية بالعمل طباخة في منازل المسؤولين ورجال الأعمال اللبنانيين.
وأجاد سعيد سرحان تقديم دور الشبيح أو (الأزعر) في (الغريب) دون تكلف أو تصنع، وأرى أنه الوحيد بين طاقم التمثيل الشاب الذي قدم شخصيته بصورة واقعية ومقنعة، وأثبت أنه استطاع الخروج من شخصية علي شيخ الجبل في مسلسل (الهيبة).
وفي مقابل هذا الأداء لم يكن كل من (آدم الشامي وساندي نحاس) مقنعين في شخصيتهما، كان هناك تفاوت لدرجة كبيرة في الأداء، هذا الأداء التمثيلي الذي يمكن وصفه بأنه أقل من المتوسط سببه التباين صعودا وهبوطا في تصوير المشاعر العاطفية، وتكرار الانفعالات في كل مشهد.
إذا إن الكثير من المشاهد التي كانت تتطلب تفاعلا أكثر إقناعا لتناسب طبيعة الأحداث، إلا أنها مع الأسف ظهرت باردة وفاترة، نفس الانفعالات في كل مشهد، والاختلاف الوحيد فقط في الحوارات.
ومثلهما (محمد عقيل) الذي لا يزال عالقا في دور الشايب في سلسلة (الهيبة)، هذا لا يعني أن (عقيل) لم ينجح في تقديم شخصية الشايب، بل على العكس قدم أداء رائعا يتناسب مع طبيعة الشخصية، لكن لا يمكن إعادة تمثيلها بشخصية وحوارات مختلفة في كل عمل درامي، ومنها (الغريب) بالطبع.
شخصية (رامي) أضعفت (الغريب)
واحد من الأسباب التي أضعفت القصة شخصية (رامي)، فهو في كل مرة يقحم عائلته في مأزق جديد، من بينها نشوء علاقة عاطفية بشكل سريع، وغير مفهوم مع (مريم)، وحين يكتشف شقيقها أنها تواعده في شقة (فيفيان/ سلمى الشلبي) يكون الرد حاضراً بالزواج منها.
وكذلك العلاقة التي نشأت سريعا بين (علا وزاهي)، قد يظن البعض أن السبب نسيان ما حدث معها في دمشق بعد فسخ خطوبتها بسبب جريمة شقيقها، ومحاولة العائلة بدء حياة جديدة في بيروت، أو إضفاء عنصر الرومانسية على المسلسل، لكن هذا الخيار لم يكن صائبا، لأن النتيجة – كما ذكرنا – معروفة مسبقا.
لدينا أيضاً واحد من المشاهد المكررة في الأعمال الدرامية المشتركة، والقصد هنا مشهد اختبار (يوسف) عندما يقوم (البيروتي) بإرسال رجاله لاختطافه على أساس أنهم رجال أمن، ليكتشف بعد ذلك أنه ضحية خدعة ساذجة من (البيروتي) يريد منها اختبار عدم خيانته.
هذه عينة من بين مجموعة محاور للقصة تجعل (الغريب) عمل درامي مقتبس عن مجموعة أعمال درامية مشتركة عرضت خلال السنوات الماضية.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : التحدي.. لقاء الإبداع والفراغ !
ما يمكننا استخلاصه من مسلسل (الغريب) أنه حاول تقديم عمل يركز على دور الأب في حماية العائلة مهما بلغ ثمن التضحية، وكثرة الأعداء غير المرئيين الذين ينتظرون أول فرصة للانتقام من القضاة النزيهين.
وكيف أن القضاة النزيهين حتى القانون لا يستطيع حمايتهم رغم سمعتهم الحسنة في السلك القضائي، هناك الكثير من التأويلات التي يمكننا ذكرها، والكثير من القضايا التي كان يمكن للمسلسل أن يتعمق بها.
لكن يبدو أن استسهال الاقتباس عن الأعمال غير العربية كان السبب في عدم إقناع (الغريب) للجمهور، والتي وصلت إلى عنوان المسلسل المتكرر في الكثير من الأعمال العربية وغير العربية التي عرضت سابقا، وتلك آفة من آفات الدراما العربية.
ربما نجح مسلسل (الغريب) الذي انتهى عرضه منذ أيام على منصة (شاهد) في جذب أنظار محبي الدراما إليه، بعد عرض عدد من حلقاته ليتصدر (التريند) في عد كبير من الدول العربية.
(الغريب).. إبداع الحلقات الأولى
وربما أيضا شعر المتابع الجيد لهذا العمل بحالة من الإبداع في الحقات الأولى، نظرا لوجود عوامل مجتمعة في هذا المسلسل ساهمت في نجاحه في البداية بهذه الصورة الكبيرة، أولها كاميرا دافئة تأخذك إلى عالم يعبق بالحب وبواقع حقيقي لا بهرجة فيه تؤلف سمة المخرجة اللبنانية صوفي بطرس في مسلسل (الغريب).
الكثير من التفاصيل يحتوي عليها مسلسل (الغريب) جعلت المشاهد ينتظر حلقاته لمعرفة الجديد في حالة تشوق، ولعل كلمة السر في نجاح هذا العمل الدرامي، هى أحداثه التي خدعت مشاهدي ومتابعي العمل في بدايتها لكنها فشلت في إجباره على متابعة المشاهدة بشغف.
يبدو أن مؤلفة (الغريب) لبنى حداد، ومخرجته صوفي بطرس، قررتا دون سابق إنذار إنهاء فترة الهدنة التي وضعاها مع المشاهدين في أولى حلقات العمل، ليبدءا معهم رحلة جديدة.
وكأننا نرى مسلسل آخر يحمل نفس الاسم، خاصة بعد التغيرات والتحولات الجذرية التي وجدناها في الشخصيات أبرزها هى تخلي القاضي عن مبادئ العدل والقانون التي يقوم بتطبيقها على المجرمين والمخالفين له.
لعل السمة البارزة في مسلسل (الغريب) هو محاولة إظهاره لمعادن الأشخاص على حقيقتها في وقت الشدة، وخير مثال على ذلك هو قيام (فاروق/ جمال قبش) بمد العون والمساعد لصديقه (يوسف) عقب علمه بتورط نجله في جريمة قتل، رغم كل الخلافات بينهما.
ولكن مع مشاهدة الحلقات الجديدة يتبين أن الدافع وراء قيامه بذلك، هو الحقد والغيرة التي يحملها بداخله تجاه (يوسف) ووجد هذه الظروف فرصة رائعة له لكي ينتقم منه، حيث هو من خطط في هروب (يوسف) وأسرته بطريقة غير مشروعة من سوريا إلى لبنان بعد اقناعه بأنه ليس أمامه حل سوى ذلك.
ربما حاولت الأجواء الرومانسية أن تخفف من أحداث المسلسل المشتعلة، والتي كانت بطلتها (مريم/ جوي حلاق)، والتي مرت بقصتين حب إحداهما أجبرت على الدخول فيها وكانت مع (خليل/ سعيد سرحان) أحد أفراد عصابة (البيروتي) المعروف عنه بسوء أخلاقه وتصرفاته التي تؤذي من حوله.
وقصة أخرى كانت مشاعرها حقيقية وصادقة وهى التي جمعتها بـ (رامي/ آدم الشامي)، الذي وجد في حبه لها وسيلة لنسيان جريمة القتل التي تورط بها في الماض في سوريا، لكنهما لم ينجحا في معالجة عيوب السيناريو المرتبك.
ومما لاشك فيه أن وجود نجوم كبار بثقل (بسام كوسا، وفرح بسيسو، ومحمد عقيل، وجمال قبش)، وغيرهم، كل هؤلاء بخبرتهم حاولوا إعطاء ثقلا للمخرجة ويزيدون من قيمة العمل، لكن جهودهم جميعا راحت سدى، ليخرج (الغريب) من دائرة الأعمال التي يمكن أن تضيف لرصيد هؤلاء النجوم الكبار.