بقلم: محمد حبوشة
يبدو لي النجم السوري (محمود نصر) مثل (جواد) عربي أصيل في سباقات القدرة والتحمل في قلب الدراما التلفزيونية باحترافية عالية، فمثلا هو يتميز مثل الخيل العربي برشاقته الأصيلة، وبألوانه الخلابة وتوازنه الطبيعي الكامل وخلوه من العيوب في التمثيل.
إضافة إلى ذلك فـ (محمود نصر) مثل الخيل العربي يتمتع بسلوك جيد، مع شجاعة وطاعة كاملة بالإضافة إلى سرعته الفائقة وتفوقه في المسافات الطويلة، مع قدرته على تحمل التعب واكتفائه بمقدار قليل من الطعام، ومقاومتة للمرض إضافة إلى وصوله لأعمار طويلة.
(محمود نصر) فعلا يشبه الحصان العربي الأصيل، فهو يمتلك الكثير من هذه المواصفات وخاصة التركيب الجسمي الذي يؤهله إلى مرتبة السباق أي (سباق القدرة أو التحمل) في التجسيد الدرامي الصعب، الذي يتطلب التحكم في السرعة والأرض ونبض الحصان.
إقرأ أيضا : في كريستال .. باميلا الكيك تبدي مشاعر مزيفة لمحمود نصر
ومن خلال متابعتي لأعماله الأخيرة (قناديل العشاق، ممالك النار، دانتيل، دفعة بيروت، 60 دقيقة، مربى العز، كريستال) أستطيع القول أن (محمود نصر) مثل تلك الخيول التي اجتازت عمليات التأهيل، بالمعايير التأهيلية الأولية والمعايير التأهيلية الخاصة بالمسابقات المتعلقة بجولات التحمل الدولية.
إن مزاولة (محمود نصر) ركوب القدرة والتحمل في الدراما العربية، هو اختبار لمعرفة سرعة ومدى استعداد الجواد على هذا النوع من السباق وقدرة الفارس على قيادة الجواد خلال خط السير.
(محمود نصر) مثل الجواد
حيث يبدو أداء (محمود نصر) مثل الجواد الذي يعرف أراضى مختلفة التضاريس، هى إعلان على قدرة الفارس على قيادة الجواد وكذلك قوة أخلاقيات الجواد نفسه، كما يظهر ذلك من تكنيك الأداء المبهر على جناح لغة جسد معبرة للغاية.
إنظر إلى قسمات وجه (محمود نصر) في الأعمال التاريخية مثل (ممالك النار) فتجد ملامح نفس الوجه تختلف تماما عن أعماله في البيئة الشامية (مربى العز)، عنها في أعمال السايكو دراما (60 دقيقة)، غير أعماله الرومانسية (قناديل العشاق، دانتيل، كريستال).
إقرأ أيضا : محمود نصر يبهرنا بأداء بارع قبل موته في (60 دقيقة) !
أبرز ما يلفت النظر في أداء (محمود نصر) أنه أصبح حريصا على اختيار الأدوار الاستثنائية غير التقليدية والتي تتسم بالغرابة والغموض أحيانا، فيظهر بشكل مختلف لينال تفاعل وإعجاب الجمهور، ويواصل إثبات موهبته والكشف عن قدرات تمثيلية جديدة.
وخلال السنوات الخمس الماضية، مر (محمود نصر) بمحطات درامية فارقة في مسيرته، فتجده في (كريستال)، أحدث المسلسلات الدرامية قد خطفت اهتمام الجمهور منذ عرض المسلسل خلال الأسابيع الماضية، عبر منصة (شاهد) وهو مقتبس عن المسلسل التركي (حرب الورود).
أما في مسلسل (مربى العز) الذي يرصد أحوال البيئة الشامية؛ كان من بين المسلسلات التي لعب بطولتها (محمود نصر) مؤخرا وخطف الأنظار بسبب أدائه الاستثنائي المختلف عن الأعمال الأخرى التي قدمها مؤخرا، بشكل يختلف تماما تجربته في البيئة الشامية (قناديل العشاق)، والتي غلب عليها الحس الرومانسي.
(محمود نصر) بشخصيات متناقضة
وظهر (محمود نصر) بشخصيات متناقضة تماما في (مربى العز)، حيث قدم شخصيتي التوأم (مناع) و(ورد)، فالأخير هو ابن الزعيم (أبو علاء)، الذي يعاني من مرض يجعله غير قادر على الحركة في النهار، نتيجة التأثير السلبي لضوء الشمس عليه.
كما أنه خجول وهادئ الطباع، أما (مناع) فيتسم بالقوة الجسدية التي تجعله قادرا على مواجهة أي شخص يريد سلب حقه هو وأخوته، لينافس محمود نصر نفسه في هذا المسلسل الناجح الذي أحدث دويا في موسم رمضان 2023، وقفز به إلى مصاف النجوم الاستثنائيين في الأداء الاحترافي.
في مسلسل (60 دقيقة)، والذي يعد من بين الأعمال الدرامية النفسية التي حققت شهرة واسعة عند عرضها قبل عامين، ظهر (محمود نصر) بشكل مغاير، فجسد شخصية الدكتور (أدهم) باحترافية وكان أدائه حديث الجمهور وقتها، حتى وإن باتت شخصيته مكروهة من المتابعين.
إقرأ أيضا : محمود نصر.. يقود كتيبة المبدعين في (مربى العز)
في مسلسل (دفعة بيروت) الذي جمع مجموعة من النجوم، كان (محمود نصر) الذي قدم شخصية مشعل هو أبرز النجوم الذين خطفوا أنظار الجمهور على مدار فترة عرض المسلسل.
فأدائه وأزيائه التي تعود لحقب زمنية قديمة، جعلته محل اهتمام الجمهور، فوصفه البعض بكونه (دنجوان) المسلسل، كما أن أدائه الشعبي وطريقة حديثه وذهنه الحاضر كلها عوامل لفت من خلالها الانتباه.
وربما ساهم في ذلك أن أحداث المسلسل دارت في ستينيات القرن الماضي، حيث مجموعة من الطلاب يسافرون إلى بيروت ليدرسون هناك بالجامعة، وتقع لهم عدد من الأحداث المثيرة، في لبنان عام 1964، ويجد مجموعة منهم أنفسهم في دوامة من الأفكار والطموحات المتناقضة والعادات المختلفة وفي شباك الحب.
في مسلسل (ممالك النار) بمجرد الإعلان عن تفاصيله قبل سنوات ثم عرضه؛ بات العمل التاريخي الأكثر شهرة، بسبب ضخامة التنفيذ وإظهار حقبة تاريخية مهمة بشكل قريب للغاية من الحقيقة، كما أن (محمود نصر) قدم واحدة من أجمل الشخصيات التي قدمها في مشواره.
فجسد شخصية السلطان (سليم الأول) باقتدار، والعمل يتناول الحقبة الأخيرة لدولة المماليك، وسقوطها على يد العثمانيين في القرن السادس عشر، وانضمام البلاد المصرية والشامية إلى الدولة العثمانية.
(محمود نصر) يبهر الجمهور
وأبهر (محمود نصر) الجمهور بأدائه في هذا المسلسل، حيث ظهر بشخصية تتمتع بالقسوة ولا تمانع قتل المقربين لها إذا كان ذلك سيقربه خطوة من السلطة، وتميز بأدائه السلسل في وجود ممثلين من العيار الثقيل مثل (خالد النبوي، وعبد المنعم عمايري ونضال نجم، وشادي الصفدي وكندة حنا، وسعد مينه).
على أية حال فإن النجم (محمود نصر)، ممثل يملك القدرة على سبر أغوار الشخصية التي يجسدها، ليقدمها لنا من لحم ودم وبأسلوب السهل الممتنع كما يجب، بغض النظر عن موقفنا منها.
وعادة ما يحاول (محمود نصر) إيجاد رابط درامي ليضع الحدث التاريخي في سياقه فقط، معتمدا على دراسته الأكاديمية من ناحية، ومن ناحية أخرى حبه وعشقه للقراءة التي لايجد فيها وسيلة لقتل أوقات الفراغ، بقدر ما يتوجب أن يتوفر لها وقت لإضاءة العقل.
إقرأ أيضا : همسة عتاب بين (سيرين ومحمود نصر) في (دانتيل)
ومن هنا فإن الممثل السورى (محمود نصر) ينجح في الإلمام بالشخصية التي يجسدها بحيث تبدو مثيرة للجدل في حياتها ومماتها، بفضل موهبته وثقافته وإخلاصة لمهنة التمثيل التي يقال إنه لم يكن يتمناها، رغم أنه التحق بمعهد الفنوت المسرحية بعد أن تقدم له مرتين.
ربما كشف مسلسل (قناديل العشاق) قبل ست سنوات عن الموهبة المتميزة، والتي بدورها أعطت صاحبها (محمود نصر) تأشيرة دخول إلى مملكة الإبداع، وبفضل ما حباه الله من تلك الموهبة تعب هو من جانبه وثابر وصقل موهبته بالدراسة والثقافة والخبرة والمراس.
حتى استحق (محمود نصر)، وعن جدارة واقتدار صفة (النجم المحبوب) الذي يتقدم في خطواته على مهل، لكن بعزم وروية نحو الصفوف الأمامية للممثلين الأكفاء، أولئك الممثلين الأوائل القادرين على منح الشخصيات التي يجسدونها نكهة مميزة في الأداء المبهر والإحساس العالي والمهارة التمثيلية المستحقة للنجاح والتصفيق من قبل المشاهدين والنقاد على السواء.
وفي نفس الوقت يجد الرعاية الكافية لوضعه في مكانه الصحيح على خارطة الدراما العربية، كما تم ترجمة ذلك في عمل ضخم مثل مسلسل (ممالك النار) الذي عرض نهاية 2019، والذي وجد له (محمود نصر) المبررات الكافية لأداء شخصية السلطان (سليم الأول) في هذا المسلسل.
(محمود نصر) والشخصيات المركبة
حيث كان على دراية كاملة لكل انطباع تقوم به هذه الشخصية المركبة، ذات التركيبة النفسية المعقدة، لذا فإننا نلحظ أن عنى كثيرا في الأداء باللغة الفصحى القوية عالية المستوى، والتي لاتخلو من رشاقة وسلامة تامةً في نطق الحروف.
فضلا عن براعة خاصة في حركة اليدين، مع الاحتفاظ بالمبالغة بالأداء، وهو ما شد انتباه المشاهد، وقد امتاز به (محمود نصر)، بل تفرد عن غيره من بقية الممثلين الذين احترفوا أداء أدوارهم على نحو جيد في العمل.
تتعدد طرائق التأثير الدرامى عند (محمود نصر) – وبالمثل تتنوع وظائفها – بتعدد القوالب الدرامية؛ فمن وظيفة التطهير – من عاطفتى الخوف والشفقة – قديما، إلى التسلية والترفيه حديثا، حتى ولو كانت على جناح التطرق لمعالجة موضوعات العقد النفسية والاضطرابات العصبية.
وها هو (محمود نصر) يتألق من جديد في دور طبيب التجميل (جواد) في مسلسل (كريستال)، ورغم أهمية ومحورية الأبطال الأساسيين في العمل، فإن (نصر) يبدو علامة فارقة في المسلسل، ليس لوسامته، ولكن في توظيف الصوت والنبرات والصمت والسكون، بطرقة بالغة التأثير.
وفي هذا الصدد يوضح (محمود نصر) قائلا: أن لكل عمل خصوصيته، وفي مسلسل (كريستال) أتعرّف على عالم جديد وطريقة تصوير مختلفة عن تلك التي اعتدت عليها في أعمالي السابقة، وذلك ضمن قصة حيوية ومشوقة ومليئة بالأحداث سريعة الإيقاع وقريبة من الناس في الوقت نفسه.
لافتا إلى: أن (ما جذبني لشخصية جواد هو أنه طبيب تجميل، وهو يأتي بعد فترة وجيزة من تقديمي شخصية الطبيب النفسي المليء بالعقد والمحاط بالكثير من علامات الاستفهام، في مسلسل (60 دقيقة).
وفكرت في ما يمكنني تقديمه في شخصية طبيب التجميل الدمث والخير والمسؤول، وهو الشاب الذي يصلح أخطاء الآخرين والرجل المثالي، بمعنى الكلمة إن جاز التعبير.
نجح (محمود نصر) في شخصية (جواد) في مسلسل (كريستال) على نحو ربما لم يتوقعه هو نفسه، لكني على ثقة بأنه لن يتوقف عن تطوير نفسه وتقوية أدواته التمثيلية التي تؤهله للمشارك في أعمال عالمية تليق بهذه الموهبة الكبيرة.. لذا نتمى له التوفيق في قادم الأيام.
فعلا كلام حقيقي جدا .. محمود نصر موهبة رائعة حتي الان لم تكشف عن كل امكانياتها .. غير انه وسيم ولديه القبول فإن قدرته علي تجسيد الشخصيات المختلفة التي يقوم بها قدرة هائلة
أشكرك