كتبت: علا السنجري
(تحت الحزام).. للمرة الثانية عمل درامي يتناول حادثة حقيقية ليثبت أن الواقع أغرب من الخيال، مسلسل مأخوذ عن قصة حدثت بالفعل مع تغيير الأماكن والأسماء، وذلك من خلال ملفات علاج نفسي للأبطال الحقيقيين، ليناقش فكرة التعلق والتملك لحد الجنون من أم لابنها.
في مثل مسلسل (تحت الحزام): هناك العديد من السيدات الأرامل أو المطلقات يضعون أبناءهم الذكور مكان الزوج، وتربيته على أنه رجل البيت،تعوض به حرمانها من السند والأمان.
قد يؤدي ذلك إلى وجود شاب ذو شخصية ضعيفة معتمد على أمه في كل شيء، أو شخص أناني طلباته نمرة واحد، أو شخص لن تفرط فيه لأي أحد، أكبر غلطة تقع فيها هى معاملة الابن على أنه واحد من ممتلكاتها ليتحول ارتباطها به من بديل للزوج إلى تعلق مرضي، كما جاء في أحداث (تحت الحزام).
في الجزء الثالث من مسلسل (ليه لا) يدور حول تعلق الأم بابنها بعد طلاقها، لتضع الابن مكان الزوج، لكن بالتربية الخطأ جعلت منه وحش اتكالي ومنعزل، يتعامل معها بنرجسية.
إقرأ أيضا : غادة عبدالرازق بين سعادة وشقاء الفن ورقي الانفصال !
لكن نموذج الأم هنا في (تحت الحزام) نموذج التعلق المرضي إلى حد الاستحواذ،ما يجعلها ترفض أي بنت تقترب منه، تقوم بالتهديد والتحذير لتبعد هذه البنت عنه، فهي قامت بتربية رجل بعد موت زوجها السيىء.
لا أحد يختلف على أخلاقه وسلوكه، شاب تتمناه كل الفتيات(خالد أنور)، لكن لن تقترب منه أيه واحدة منهن بسببها، لكن تأتي (أميرة/ سلمى أبو ضيف) لتكون مختلفة عن غيرها وتواجه (عالية/ غادة عبد الرازق) وتقرر أن تتبعد بعيدا عنها بعد الزواج، تكتم (عالية) شعورها وانفعالاتها حتى يوم الفرح، لتعبر عن غضبها الشديد بالانتقام من (أميرة) بخطفها، وإخفائها عن ابنها.
(أميرة) في (تحت الحزام) كانت مريضة اكتئاب ومدمنة، تعالجت على يد (عالية)، تتعرف (أميرة) على ابن (عالية) وتحبه ويطلب منها الزواج، (عالية) تتمالك نفسها أمامه وتشعره أنها تحب أميرة وموافقة على الزواج.
(تحت الحزام) وتحكم الأم
لكن (أميرة) بحسب أحداث (تحت الحزام) تغير كل خطط (عالية) من ترتيبات الفرح والقاعة ورحلة شهر العسل، بل أيضا يغير ابنها مكان عمله للخارج، مما يدفع (عالية) لخطفها لأنها تريد خطف ابنها منها.
لأن (عالية) طبيبة كان سهل عليها استدراج (أميرة) وتخديرها وحبسها في مكان مهجور وربطها بسلاسل، وبسبب عملها كطبيبة نفسية وتعرف طرق ممارسة الثبات الإنفعالي والتحكم في مشاعرها، تستطيع أن تبدو أمام ابنها متفاجئة بعدم وجود أميرة.
ورغم عذاب ابنها وحالته النفسية لم يرق قلبها، لأنها تريده وحده لها وإذا تزوج تختار له من تكون طوع لها، تنفذ أوامرها دون نقاش، لم تعجبها (أميرة) لأنها مستقلة بذاتها واختياراتها.
(بنت مين في مصر انتي عشان تتجوزي ابني): عبارة لخصت بها عالية مدى النرجسية لديها وعشقها لابنها، تتخلص (عالية) من (أميرة) وتلفق قتلها لصديقتها (ليلى/ بسنت حاتم) التي قتلتها أيضا.
قصة (تحت الحزام) حقيقية حدثت في الأردن، وأثارت ضجة كبيرة عند اكتشاف أن والدة العريس طبيبة نفسية هى من قامت بخطف العروس وقتلها، ففي عام 2018 تم العثور على جثة فتاة تم تعذيبها ودفنها في أحد المناطق النائية.
وبالبحث والتحريات تم التعرف عليها من خلال محضر اختفاء يوم زفافها من شاب ابن طبيبة نفسية مشهورة، وهى ابنة إحدى العائلات الكبيرة في الأردن.
من خلال التحقيقات تبين أن الطبيبة قامت بسجن الفتاة أسبوعين وتعذيبها، ثم قتلها وإخفاء الجثة، أصدرت المحكمة حكم مؤبد لأن الإعدام غير مصرح به في القانون الأردني.
(تحت الحزام) رسالة للأم
ربما من وجهة نظري أن الاستفادة من الحادثة الحقيقية في (تحت الحزام) هى رسالة توجه لكل أم تربي ولدا وحيدا دون زوج ألا تتعامل معه على أنه بديل الزوج، هو ليس ملك لها وليس دمية تتحكم فيه كيفما تريد.
وكذلك رسالة إلى كل فتاة تتزوج ولدا وحيدا لا تناصر العداء للأم، وتحاول الاستحواذ عليه، لا داعي للمبالغة في التعبير عن حبك له أمامها، ليس بالضرورة قضاء الوقت كله معك، لابد من ترك مساحة للأم دون وجودك، أو أنه ينفذ طلباتك ولا يهتم لما تريده الأم.
لكل من الأم وزوجة الابن هى ليست حرب، لابد أن يكون واحدة منكن منتصرة والأخرى مهزومة لأن الضحية هو الابن، الشخصيات التي تعاني من مشاكل نفسية كثيرة حولنا، ربما لن نقدر على تغير سلوكهم، لكن الأفضل إيجاد طريقة للتعايش معهم والتعامل معهم دون أذى لهم و لنا.
تأليف (تحت الحزام) لفادي النجار، كتابة جيدة في الحلقة الأولى والثانية، طرح ومعالجة للحادثة الحقيقية، تناول تسلط الأم وشعورها بأن ابنها ملك لها، والتحرك بين الماضي والحاضر دون تشتيت لذهن المشاهد، تمت الكتابة لإظهار سيطرة الأم على ابنها ولا يستطيع رفض أي كلام.
إقرأ أيضا : غياب المنافسة يهدد صناعة الدراما المصرية (1)
لكن الحلقة الأخيرة ليست بنفس المستوى، النهاية لم تقنع المشاهد، رغم المشهد القوي للمواجهة بين (عالية وأميرة)، (عالية) خطفت أميرة انتقاما لأنها تريد خطف ابنها منها.
ولأن الحقيقة أغرب من الخيال ،جاءت نهاية (تحت الحزام) أغرب بمعرفة الابن الحقيقة، وكأن عالية في منام، ولم يفعل معها شيئا واستمرت حياته، ربما من وجهة نظري هذه النهاية إسقاط على أن الدكتورة الأردنية لم تنال عقاب الإعدام، وتقضي فترة عقوبة السجن، والفتاة العروس تم دفنها.
الحبكة الدرامية في (تحت الحزام) جيدة لاستحواذ الأم المسيطرة على كل ما يخص حياة ابنها، الذي ينفذ دون اعتراض، مشاهد متتابعة في التنقل في الزمن لشرح الفكرة.
خطف (أميرة) والتظاهر أمام ابنها بمفاجأة اختفاء (أميرة) يوم الزفاف، بلا ندم على ما فعلته، كل ما تهتم به هو ألا يبكي أو يحزن على امرأة أخرى، مشاهد متابعتها لتسجيل صورة لهم معا في مراحل عمرية مختلفة يؤكد فكرة التملك، محاولات (أميرة) لمساعدته ودعم قرار سفره ليبتعد عن (عالية)، فكرة التحرر من سلطة الحماة.
إخراج (تحت الحزام) جيد جدا
إخراج محمد هشام الرشيدي لـ (تحت الحزام) جيد جدا، زوايا تصوير مختلفة وإضاءة مريحة للعين، خاصة مشاهد (عالية) وهى تشاهد فيديوهات مع ابنها، ومشاهد تعامل (عالية) مع أميرة وتعذيبها إضاءة مظلمة للمكان.
بينما مكان (عالية وأميرة) ضوء واضح، ليوضح أن هنا في سجن (أميرة) الوجوه مكشوفة، ولفت نظري ديكور غرفة (عالية) الذي يعبر عن مرضها النفسي، وذلك من خلال اللوحات المعلقة، خاصة لوحة السيدة الممزقة وتحمل وجهين في اتجاهين مختلفين.
حتى الموسيقى في (تحت الحزام) تجهز المشاهد للأحداث، خاصة مع صوت المطر وهروب (أميرة) ومحاولاتها البائسة، كل عناصر العمل الفنية توجه أنظار المشاهد لسيطرة الحالة السيكوباتية لعالية.
تطور ملحوظ في أداء (سلمى أبو ضيف)، دراسة جيدة لانفعالات الشخصية وتمكن من إظهار نقاط الضعف والقوة للشخصية، خاصة بعد شفائها، كذلك (خالد أنور) في شخصية الابن الوحيد الذي لا يرفض أوامر والدته، لكنه كالطفل يفرح باللعبة الجديدة (أميرة) ويبتعد عن والدته.
(غادة عبد الرازق) اجتهدت كثيرا لإظهار انفعالاتها وتأثرها بالبكاء، وبرغم البوتكس والفيلر الذي ضاعت معه تعابير وجهها الطبيعية، لكنها استطاعت توصيل تسلط وقسوة (عالية) مع نساء ابنها وضعفها أمام بكائه ببراعة.
(تحت الحزام).. عمل جيد يسلط الضوء على المرض النفسي وأعجبتني المقولة الموضوعة أسفل عنوان (حدث بالفعل): (الحقيقة أغرب من الخيال) لأني دائما أراها حقيقة، مهما كان الخيال واسع ولايصدق، تأتي الحقيقة أغرب تسبب صدمة، الله يرحم العروس الأردنية ويصبر أهلها.