كتب: محمد حبوشة
بغض النظر عن أن فيلم (فوي فوي فوي) مأخوذ من أحداث حقيقية، لعدة أشخاص يدعون فقدان البصر لكي يلتحقوا بفريق كرة القدم للمكفوفين، والذي يستعد أعضاؤه للسفر إلى أوروبا للمشاركة في بطولة دولية، أو فيلم مسروق فكرته، فلا أرى أية وجاهة لتريشحه للأوسكار.
معروف أن مصر قبل (فوي فوي فوي) بعشرات السنين قدمت مصر أفلاما ليتم النظر فيها لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم روائي دولي منذ عام 1958، عندما أصبح فيلم(باب حديد) ليوسف شاهين أول فيلم أفريقي وأول فيلم عربي يقدم للتنافس على الجائزة.
وتمنح جائزة الأفلام الأجنبية سنويا من قبل الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم الصور المتحركة إلى فيلم سينمائي طويل تم إنتاجه خارج الولايات المتحدة يحتوي بشكل أساسي على حوار غير إنجليزي.
وهناك معايير صارمة ينبغي أن تتوافر في الأعمال الساعية إلى المنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم، سواء في الأفلام نفسها، أو في ما يتعلق بفرق عملها المختصة بالتصوير والتوزيع، وظني أنها لاتنطبق على فيلم (فوي فوي فوي).
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب : القوى الناعمة المصرية على حافة الخطر !
وبحسب القواعد الجديدة التي سيعمل بها اعتبارا من سنة 2024، ينبغي بالأفلام المتنافسة على الجائزة الهوليوودية الأهم أن تلبي على الأقل اثنين من المعايير الأربعة الآتية:
– أن يكون بين أبطالها ممثل واحد على الأقل ينتمي إلى الأقليات الإثنية والعرقية، وأن تسند نسبة 30 في المئة إلى ممثلين من الفئات ذات التمثيل الضعيف، أو أن يكون الموضوع الرئيسي للفيلم مسائل تتعلق بهذه الأقليات.
– أن يضم الفريق القيادي للفيلم أو فرق العمل الفنية في الكواليس أشخاصا منتمين إلى المجموعات المغبونة تاريخيا.
– تنظيم تدريب مهني مدفوع الأجر أو دورات تدريبية للأشخاص المنتمين إلى الأقليات.
– أن يضم فريق توزيع الفيلم وتسويقه أشخاصا منتمين إلى الأقليات.
(فوي فوي فوي) يفتقد للشروط
فبالله عليكم أي من هذه الشرط ينطبق على فيلم (فوي فوي فوي)، خاصة أن هذه المعايير المستوحاة من تلك المعتمدة في جوائز (بافتا) البريطانية تهدف إلى (تشجيع التمثيل العادل على الشاشة وخارجها، بما يعكس بأفضل صورة تنوع جمهور الأفلام).
ثم أن معايير اختيار فيلم (فوي فوي فوي)، من وجهة نظري الشخصية لم تفهمها لجنة الاختيار المصرية التي تفتقد لأسس وفهم السينما الحقيقية، فلابد أن يكون الفيلم عملا إبداعيا فنيا أصيلا ومبهرا، وهذه شروط غير متوفرة بالمرة في هذا الفيلم.
على مستوى القصة التي يدعي مؤلفها أنها مستمدة من قصص حقيقية، فإنها تعتمد على التفليق ولا تعكس قضية عادلة، خاصة أنه يحمل في طياته الخديعة التي تنسحب على البطل (حسن/ محمد فراج)، ثم تنسحب على باقي الفريق الذي يمثل مصر للاشتراك في مسابقة دولية.
إقرأ أيضا : انتعاشة زائفة للسينما المصرية في عام 2022
ياسادة لاداعي أبدا للمشاركة لأن فيلم (فوي فوي فوي)، فهو غير مستوف للشروط، ومن ثم سيتسبب في فضيحة مصرية جديدة سوف تقع على رؤسنا كالصاعقة في حلبة منافسة دولية لاترحم ولاتذر، لأن الفيلم أراه ضعيفا للغاية على مستوى القصة والسيناريو الإخراج وحتى الأداء فاتر وممل.
ربما المعيار في (الأوسكار) بات متعلقا بالعرق أو الجنس أو اللون، حسنا الأمر وصل لأبرز مؤسسة فنية تمنح جوائز الأفلام، وبالتالي أي عمل غير مستوف لمعايير تمثيل الفئات المنصوص عليها سوف يحرم من الترشح للجائزة الرفيعة حتى لو كان هو الأفضل فنيا.
(فوي فوي فوي) والمبالغة
إعطاء الفرص يجب أن يكون على هذا الأساس العادل، وأن تلك الشروط هى المعادل الأميركي لمصطلح (السينما النظيفة) الذي راج عربيا مع أوائل الألفية الجديدة، حيث كانت هناك شروط غير مكتوبة لنوعية الأفلام السائدة خصوصا في السينما المصرية حينها، والتي سيمثلها فيلم (فوي فوي فوي).
إذا على صناع الأفلام ألا يبحثوا عن القصة الأكثر إلهاما أو الممثل أو المصور الأكثر توافقاً مع رؤيتهم، ولكن فقط من ترضى عنهم الأكاديمية كي لا يتهم بالتمييز العنصري ضد أي فئة.
اللافت أن المبالغة في تلك الشروط يراها البعض تمييزا عنصريا بحد ذاته ففكرة (الكوتة) عموما هي فكرة تبخس المستفيدين منها حقهم، سواء كانوا نساء أو أفراداً من أعراق لاتينية أو آسيوية أو غيرها.
وتظهرهم وكأنهم مفرضون على المشروع، ولا تميزهم إيجابا، فأن ترسل شركة الإنتاج قائمة سرية بأسماء فريق العمل سواء خلف أو أمام لكاميرا ومع كل اسم ما يثبت هويته العرقية مثلا وأصوله أو ميوله الجنسية، كي تضمن أن يأخذ فيلمها فرصته في الترشح هو أمر يبدو وكأنه تمييز عنصري ويحكم على المتواجدين بالقائمة وفق لونهم وميولهم بعكس ما يروج له.
إقرأ أيضا : فوضى (مهرجانات العار السينمائي) في مصر !
وتأتي أحداث فيلم (فوي فوي فوي) في إطار من الدراما والكوميديا السوداء، حول (حسن/ محمد فراج) حارس الأمن الذي يعيش حياة فقيرة مع والدته، ويسعى للسفر خارج مصر عن طريق الانضمام لفريق كرة القدم للمكفوفين في إحدى بطولات كأس العالم في أوروبا ويقرر التظاهر بأنه لاعب ضعيف البصر.
وخلال هذه الرحلة، يلتقي (حسن) بالعديد من الشخصيات، منها صحفية شابة وجذابة تهتم بالكتابة عن ذلك الفريق وتهتم به على وجه الخصوص، ومدرب في منتصف العمر (كابتن عادل/ بيومي) يبحث عن فرصة، وهو بالمناسبة لا يحمل أية مواصفات للمدرب المحترف على مستوى ترهل الجسد و(الكرش) الذي يمتد أمامه مترا.
إلى جانب صديقيه اللذين يشاركانه في الذهاب إلى أبعد الحدود ليكونوا مع الفريق على أمل أن يوفر هذا تذكرتهم للحياة والمزيد من الفرص، وهما ليس على مستوى الأداء المبهر الذي يضمن ترشحا قويا لفيلم (فوي فوي فوي) في مسابقة الأوسكار.
(فوي فوي فوي) والنقاد
لقد عجبت جدا من آراء بعض النقاد حول فيلم (فوي فوي فوي) ومنهم الناقدة ماجدة خيرالله، التي تحدثت عن نجاح التجربة الإخراجية الأولى للمخرج (عمر هلال)، وعن دخول مخرج موهوب حديثا لقائمة المخرجين الشباب الذين أثبتوا وجودهم في أعمال سابقة، ولست أدري ما هى أمارات تلك الموهبة.
تقول خير الله: عمر هلال يؤكد في أول أفلامه كمؤلف ومخرج أن الكوميديا تفرق كثيرا عن العبط والاستهبال، ولابد أن يكون الفيلم الكوميدي يعتمد على فكرة لها قوام ومعنى وسيناريو متماسك ومواقف تخلق الضحك، وهو مالم يصادفني على الإطلاق في أثناء المشاهدة.
أنا مع ماجدة خيرة في أن فيلم (فوي فوي فوي) فرصة جيدة لتجسيد محمد فراج البطولة المطلقة، ومع انحيازي المطلق لفراج كممثل له سمته وموهبته الكبيرة، لكنه أخفق كثيرا في تجسيد شخصية (حسن) على نحو يعكس تلك الموهبة.
من جانبه أشاد الناقد الفني (أندرو محسن) بفكرة الفيلم التي يراها جذابة، وأرى أنه محق في جاذبية الفكرة، لكن المعالجة ضعيفة جدا ولا تحمل أية مغامرات مختلفة، وبالتالي لم تحقق النجاح المطلوب على المستوى الفني، فأغلب المشاهد جاءت بإيقاع بطيء لا يعكس جلاء الفكرة ويجعلها براقة كما ينبغي.
إقرأ أيضا : عزبة حفظي السينمائية .. مهرجان القاهرة سابقا !
كما لم يعجبني رأي الناقد الكبير بينما طارق الشناوي في قوله أن (فوي فوي فوي): فيلم (منعش ومبهج ويدخل القلب بلا استئذان) متابعا: (عمر هلال كاتب ومخرج جديد موهوب، وفريق عمل متميز في الديكور والموسيقي والتصوير، المخرج يجيد ضبط إيقاع الشاشة وأداء الممثلين.
فالفيلم لا هو منعش، ولا يصنع مشاهد كوميدية تدخل القلب بلا استئذان، كما أن فريق التمثيل كله (مس كاستنج)، والدليل على ذلك أنني فور الانتهاء من المشاهد، لم يعلق في ذهني أي ممثل تميز في دوره.
خلاصة القول أن فيلم (فوي فوي فوي) أقل من متوسط القيمة بكافة العناصر الفنية، ولا يستحق تلك الضجة التي أثيرت حول ترشحه لجائزة الأوسكار، وبالتالي فهو يعكس سذاجة في الاختيار، وعلينا أن ننتبه إلى حالة التردي التي تشهدها السينما المصرية حاليا قبل الذهاب إلى المحافل الدولية.