بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
في بعض الأوقات وأثناء جلوسي مع الأستاذ (كمال الطويل) ةكنت أشعر أنني لم أعطه فرصة للكلام.. وفي بعض الأوقات أشعر بالعكس، كان دائما ما يحدثني عن ذكاء عبد الحليم حافظ، وأنه الوحيد في الوسط الفني الذي كان يفكر بعقله، بعكسهم جميعا، فهم لا يفكرون إلا بحنجرتهم.. يضرب لي مثلا على ذلك.
عندما قال (كمال الطويل) وهو يقدم بليغ حمدي، أنه أمل مصر في الموسيقي..انقلب عليه الموجي، وانضم إلى شله كبيرة تكاتف مع بعضها، حتى تهدم هذه الأسطورة الحليمية التي لن تتكرر.
ماذا فعلوا: وقفوا جميعا مع مطرب ناشئ هو (هاني شاكر) وقفة رجل واحد، دفعوا لبعض النقاد الملاكي، حتي يسخروا أقلامهم لمحاربته والوقوف مع (هاني)، وبالفعل أصبح هاني شاكر أمرا واقعا، و بدأ البعض يقارن بينه و بين عبد الحليم,
قلت للأستاذ (كمال الطويل):
أنا شخصيا شاهدت عبد الحليم في هذه الفترة، وهو في مبني الإذاعه والتليفزيون يسلم على كل من يقابله، ويدخل كل الحجرات التي تصادفه.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكشف لـ (كمال الطويل) حقيقة زنزانة مصطفى أمين
يكمل الأستاذ (كمال الطويل) حديثه لي:
ماذا كان رد حليم عليهم؟، أحضر شاب صغير من الإسكندريه يشبهه واستطاع بنفوذه أن يعتمده و يقدمه بنفسه في حفل مذاع على الهواء.. لدرجة أنه ظهر علي المسرحبعد انتهاء هذا الشاب من الغناء ليسأل الجمهور:
إيه رأيكم في الصوت العبقري ده؟، في لحظه انقلبت المقارنه بين (حليم وهاني) إلي مقارنه بين (هاني وعماد عبد الحليم)، الذي ألقي بقنبلة جعلت شقيقه الملحن (محمد علي سليمان) يهاجمه حفاظا علي سمعة والدته.
لقد قال: أنا من أول ما فتحت عنيا على الدنيا وأنا بشوف عبد الحليم في بيتنا.. كل مصر بعدها قالت أنه إبن عبد الحليم.. خصوصا أنه كان يشبهه في كل شئ.. إلا التفكير، (حليم) يفكر بعقله و(عماد) يفكر بأشياء أخرى.
أقول للأستاذ (كمال الطويل):
(كمال الطويل) وعماد عبد الحليم
أذكر أن (عماد عبد الحليم) كان كلما رأي سيدة في عمر والدته يطلب مني أن أخطبها له، حتي أنه طلب مني هذا الطلب بالنسبه لمذيعه في الشرق الأوسط، مشهورة بالمياعة، وأبلغتها بذلك فأملت شروطها التي أبلغتها لعماد.
يكمل الأستاذ (كمال الطويل): (هاني) أصبح من نجوم الغناء، و(عماد) أصبح كذلك،
عبد الحليم يبحث عن كل ما يصبح خطوة في طريق نجاحه.. بمعني:هل تصدق أن أغنيته المعروفة
(علي حسب وداد قلبي)، كلمات صلاح أبو سالم لم تكن أغنية (حليم).
الأغنيه كانت للمطربه شبه (مونولوجستية) تغني الأغاني الخفيفه، المطربه هى (إلهام بديع)، التي اشتهرت بأغنية (يا حضرة العمدة. .إبنك حميده رماني بالسفندية)، والمؤلف هو اللي كتب (عرباوي) لرشدي.. و(زحمة يا دنيا زحمة لعدويه.. سمع حليم اللحن فغناها بدلا من (إلهام بديع).. تصور؟!
ويستطرد الأستاذ (كمال الطويل): هل تعلم أن أغنية (تخونوه)، التي كتبها (إسماعيل الحبروك) ولحنها (بليغ حمدي) كانت ستغنيها (ليلي مراد كاملة)، لأنها غنت بدايتها، أنا أيضا كان لي موقفا غريبا جدا مع حليم!
استمع إلى أغنية من ألحاني، وكلمات (محمد علي أحمد) سيغنيها الصوت العبقري (محمد قنديل)، فطلب مني أن يغنيها، رفضت تماما لأن (قنديل) سجلها بالفعل، فطلب مني (حليم) أن يغنيها في تسجيل خاص، و قد كان، الأغنية هى: (يا رايحين الغورية).
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب : كمال الطويل وعبدالحليم حافظ في خلية سرية
يكمل الأستاذ (كمال الطويل) كلامه قائلا: من الحاجات اللي تضحك.. إني حضرت حفلة لمحمد نوح في الصاله الحمرة بنادي غرناطه.. نوح بيحب يتريق ويسخر من فكر الأغاني القديمة أو الموجوده في الفتره دي.. علشان كده مالقاش قدامه غير أغنية:
(يا رايحين الغورية!
هاتوا لحبيبي هدية)
اللي أنا ملحنها بس هو ما يعرفش!
نوح علق بإيه علي الأغنية، قال للجمهور:
يصح كده.. مطرب قد الفيل يوصي اللي رايحين الغورية.. يجيبوا لحبيبه هديه..ليه.. هو متكسح.. ما يروح يجيبها بنفسه.. ولا عايزهم يجيبوهاله علي حسابهم.. دا احنا بيننا و بين الغورية خطوتين.. دا كمان بيحدد الهدية اللي هو عايزها.. دا راجل تنبل
واحد من الفرقه قال لنوح في ودنه: إن الأغنيه دي من تلحيني.. وقف (نوح) علي المسرح ساكت حوالي خمس دقائق!
بعدين قال:
محمد نوح و(كمال الطويل)
الأغنيه دي من ألحان أستاذي.. اللي باعتبره كرمني أكبر تكريم في حياتي بحضوره.. أستاذ العالم العربي كله: الأستاذ (كمال الطويل).. نزل نوح و حاول يبوس إيدي.. بعد تفكير عميق لنوح.. لقيته بيغني:
(يا رايحين الغورية..
هاتوا لحبيبي هدية)
غناها أحلي من قنديل نفسه..
يستكمل الأستاذ (كمال الطويل) حديثه قائلا:
الحقيقه يا إبراهيم إنه قال: لولا أن ربنا بعتلي الشاعر (إبراهيم رضوان)، قالها بضم الراء.. كان زماني غرقان في بحر (سيد درويش)..الراجل ده بيحبك جدا.. وانت بتحبه جدا.
أنا لاحظت أن (منير) عنده عقدة غريبه جدا.. مفكر أن اللي بيقع من (نوح) بتوديه لمنير.. وأكيد ده مش صحيح.. لأني ملاحظ إن مفيش حاجه بتقع من (نوح) خاصه بيك.. وان كل اللي بتعطيهوله بيغنيه!
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: أنا و كمال الطويل وعسكري المرور!
وأضحك مع الأستاذ (كمال) الطويل وأنا أقول له: مشكلتي مع (نوح) هى (أبوللو).. الكلب اللي قد الجمل..و اللي أول ما يحس اني جاي لسيده أطلب منه مبلغ يمكن يكون ملاليم تحت حساب الأغاني اللي كتبتها له.. يرفض دخولي الفيلا.. ويفضل يزوم ويزغر ليا.. لحد ما بنتي (سحر) الحبيبه تخرج تدخلني!
يخرج الأستاذ (كمال الطويل) من موضوع (نوح) ليسألني: كتبت لعماد..أو لهاني
أقول له: عماد كان مشغول بحاجات كتيره جدا غير الغنا.. الحقيقه طلب مني أغاني أكتر من مره.. وأنا كسلت!
هاني.. في فتره من الفترات كان كل ما يقابل حد يقوله: لو قابلت الشاعر (إبراهيم رضوان).. قول له هاني عايزك.. لأن معاه مبلغ كبير ليك من الشركه اللي هاننتج الشريط.. اللي فيه أغنية ليك بعنوان (أرجوكي يا حبيبتي).
طبعا كانوا بيبلغوني.. وكأني ما سمعتش.. لأن عندي (نوح) وبعض الأصوات الأخري.. والبرامج.. والسهر.. والسفر للمنصورة.. لحد ما كنت في ستوديو (سمير حبيب) بنسجل أغنيه لمطرب منصوري ناشئ.
فجأة: لقيت صوت (هاني) منطلق من الاستوديو بأغنيه عن عيد ميلاد ابنة أميرة عربية من ألحان الوسيمي على ما أظن.. بعد انتهاء التسجيل كانت المفاجأ أن (هاني قدامي) ومعاه شنطة أكيد مليانه فلوس.
هاني شاكر وشنطة الفلوس
هاني قاللي: ياللا علي الشقه عندي علشان أحاسبك، قلتله: ممكن كل حاجه تتم هنا، و مفيش داعي آجي معاك شقتك.. ما باحبش دخول البيوت، قاللي: دا بيتك يا إبراهيم، وكمان علشان أعملك الواجب!
انطلق هاني شاكر بسيارته الفاخرة.. وأنا خلفه بالتاكسي الذي استأجره صديقي المطرب الناشئ.. حتى وصلنا إلي شارع جامعة الدول العربية وفندق النبيلة، حيث يسكن هاني في نفس العمارة التي بها الفندق.
تركت من في سيارة الأجرة وصعدت مع هاني، الذي أسمعني الأغنيه مسجلة علي كاسيت، تقول كلماتها:
أرجوكي يا حبيبتي
خليكي زي ما انتي
ما تحضنيش شراعي
ما تضعفكيش دموعي
أضيع لو يوم تضيعي
فماتركبيش سفينتي
أرجوكي يا حبيبتي
…………………..
أنا ربحي..ريح قوية
عاصفة بتهد فيا
والدايرة بيا دايرة
والليلة الأخرانية
قاسيت وتعبت جدا
وحزنت ويا ما هاحزن
والديك على ليل سطوحي
مش قادر إنه يدن
فما تدخليش مدينتي
أرجوكي يا حبيبتي
…………………..
يا مدينة و تايهة بينا
يا ام الفوانيس حزينة
جار الفراق علينا
تعبتنا دموع عنينا
رجلين مش لاقية مطرح
مطرح ما تدب تهرب
إنسان كان نفسه يفرح
عطشان كان نفسه بشرب
ما شربشي يا حبيبتي
أرجوكي يا حبيبتي
…………………..
على ضهري حمول تقيلة
علي صدري الحمل شيلة
ماشي تسلمني ليلة
جوه الأحزان لليلة
عصفور مكسور جناحه
في الليل حزين صبابة
باينه للناس جراحه
والليل حواليه ضبابه
يا نجومي يا ريت ما بينتي
أرجوكي يا حبيبتي
…………………..
(كمال الطويل) وهاني شاكر
أقول للأستاذ (كمال الطويل) أن هاني بصراحه قال لي: عايز كام يا إبراهيم.. المبلغ اللي ها اتحدده مش هاناقشك فيه.. وأنا يا هاني مش هاطلب كتير.. علي ما أظن طلبت مبلغا صغيرا جدا.
خرج (هاني) مسرعا من الغرفه.. ثم عاد لي وهو يسألني: مفيش معاك ظرف فاضي
هاشيل ظرف فاضي معايا ليه يا هاني، إنت عايزه ليه: أحط الفلوس لك فيه، قلت له المبلغ صغير مش محتاج ظرف.
وكانت المفاجأة.. أخبرني هاني أن المبلغ مش صغير.. و أن من المستحسن أن نقسم البلد نصين..
لم أفهم.. فأفهمني.. ووافقت أن أأخذ نصف المبلغ..الذي حددته.. مكافأة لي أو أجرا عن الأغنيه..أحضر لي زجاجة شويبس.. وأقسم لي أنه لا يقدمها للضيوف.. كنت في أشد الحاجه لهذه الزجاجه الصغيره جدا.. و التي شربتها علي مرة واحده.
أشعل هاني سيجارة طويلة ورفيعه جدا.. ليخبرني مرة أخري أن المفروض أن أوقع له على تنازل عن الأغنية.. لأنك عارف أن شركات الإنتاج بتصمم على تنازل المؤلف.. وقعت له على التنازل.. دخل به.. و عاد بدونه.. عاد و معه ظرف جواب فارغ ليسألني:
اتفقنا على كام يا إبراهيم، قلت له وأنا أختنق: لو مش عايز تدفع يا هاني.. وتعتبرها هديه مني.. أنا موافق!
إنقض هاني علي شخصي و أشبعني من القبلات و الأحضان ما أرهقني.. و هو يردد
و المصحف الشريف: كنت عارف انك فنان.. وما بيهمك المادة.
وقفت لأستأذن فحاول الخروج معي.. فأقسمت عليه بعدم الخروج حتى أستطيع أن أكسر له بقدمي طبق فخم به بعض الورود التي أحسن تربيتها واشتراها بمبلغ كبير.. و التي رفعتها بحذائي حوالي 5 متر تنكسر أما باب شقته وتتحول إلي شظايا.. ويدخل الماء الذي عليها من تحت عقب الباب إلي شقة هاني.. ليخبره أنني كنت في أشد الحاجه لثمن الأغنية
يظهر التعجب الشديد والتأثر على الأستاذ (كمال الطويل)، وهو يقول لي: لو تسمحلي أحاسبك علي الأغنيه من معايا.. وأنا ليا كلام تاني مع هاني، فأضحك..ويضحك معي وأنا أقول له: طيب يا أستاذ كمال والزهريه الغاليه اللي كسرتهاله.. مين ها يدفع تمنها
و..
أقر وأعترف..
إنك ظلمتي فيا..
ولا كنتي يوم وفية..
وجنيتي كتير عليا..
بالفقر والقرف
…………………..
أقر وأعترف..
إنك سرقتي مني..
أنشودة التمني..
وانك خليتي نني..
بالظلم ينطرف
…………………..
أقر وأعترف..
إن المبني الفلاني..
دمر فيا الأماني..
ببليد أخد مكاني..
و لكل شئ خطف
…………………..
أقر وأعترف..
إن الزحام سرقني..
وان الأمان فارقني..
وخداع الناس ضايقني..
غرقني للأسف
…………………..
أقر وأعترف..
إنك كتمتي صوتي..
وفرحتي من سكوتي..
ولما جنيت في توتي..
قسمته بالشرف
…………………..
أقر وأعترف..
إن الأمور تحير..
وان اللحاف قصير..
وان المناخ تغير..
ودخلنا المنعطف
…………………..
أقر وأعترف..
إنك يا خالتي طاهرة..
قطفتي ليا زهرة..
وجيبتي ليا مهره.ة
خطفها المنحرف
…………………..
أقر وأعترف..
إن الحكاية واضحهة..
وراسك فيها بطحة..
وغزالتي لسه شاطحة..
واللي اتداري اتعرف
…………………..
أقر وأعترف..
مش ممكن ليكي أكره..
مهما يجرالي بكره..
من أي حد نكره..
من دمي بيغترف
…………………..
أقر وأعترف..
إنك مخلوقه ليا..
بالحضرة الأحمدية..
والطلة المريمية
ورئيسة الشرف
صعدت مع (هاني)، الذي أسمعني الأغنيه مسجله على كاسيت، تقول كلماتها:
أرجوكي يا حبيبتي
خليكي زي ما انتي
ما تحضنيش شراعي
ما تضعفكيش دموعي
أضيع لو يوم تضيعي
فماتركبيش سفينتي
أرجوكي يا حبيبتي
…………………..
أنا ربحي..ريح قوية
عاصفة بتهد فيا
والدايرة بيا دايرة
والليلة الأخرانية
قاسيت وتعبت جدا
وحزنت وياما هاحزن
والديك على ليل سطوحي
مش قادر إنه يدن
فما تدخليش مدينتي
أرجوكي يا حبيبتي.