بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
مازال في حياتها (سامية جمال) العاطفية مراحل، منها ما نبع خالصا من القلب مجردا من الحسابات، ومنها ما كان تكوينه من أرقام وحسابات ومعادلات عقلانية، ومنها ما بعد النضج وهو ما جمع بين حبيب القلب وأرقام الآلة الحاسبة وتداعيات العقل.
في الحلقة الماضية تحدثنا عن علاقتها مع (فريد الأطرش، مرورا بالملك فاروق، وشبرد كينج، وبليغ حمدي) واليوم نستكمل حكايتها العاطفية مع رشدي أباظة، وقصة (مدفن الفنانه ساميه جمال).
(سامية جمال) و(رشدى أباظة)
لا تنكر (سامية جمال) على الدوام أن (فريد الأطرش) هو حب العمر، لكن قراره بالدفاع عن فريد الفنان ضد فريد الانسان – والذى كان يمزق حلم سامية بالزواج والاستقرار تعويضا عن طفولتها البائسة وافتقادها للحياة الأسرية – وذلك خوفا على فنه ونجوميته أولا، وإذعانا لتوصيات طبيب القلب في المقام الأخير.
استمرت مخيلة وأحاسيس (سامية جمال) مشحونتان بحلم الأسرة والأطفال وزوج يخاف عليها و يهتم بها.
أثناء فيلم (الرجل الثانى) كانت إحدى المشاهد تتطلب وجود ثعابين لفقرة حاوى.. كانت (سامية جمال) تشعر بالرعب الشديد منهم.. و كنوع من الدعابة ألقى عليها رشدى فجأة حبلا غليظا وهو يصيح (ثعبان) لتصاب (سامية) بالرعب فتنطلق بالصراخ.
وتدخل في نوبة بكاء طويلة ليشعر (رشدى) بالذنب ويبدأ في تهدئتها ويكاشفها سر رغبته في ملاطفتها بخدعة الحبل لتنطلق ضاحكة وتبدا بينهما صداقة مطعمة بانجذاب متبادل نمى مع استمرار التصوير في الفيلم.
وتحول إلى حب وعدم قدرة عن الاستغناء مع نهاية التصوير.. وأثناء حضورهما عرض الفيلم في بيروت عرض عليها (رشدى) الزواج ووافقت على الفور.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (سامية جمال) .. الأميرة الحافية (1)
منذ اليوم الأول لزواجهما أيقنت (سامية جمال) أن رشدى فنان كبير يسعى للمزيد من النجاح والصعود.. وأنه يحتاج إلى زوجة خالصة يكون محل رعايتها واهتمامها،
وقد علقت على ذلك في إحدى حواراتها بأن (رشدى طفل كبير يحتاج لمعاملة خاصة)، بالإضافة إلى حاجته لمراعاة ابنته (قسمت) من زوجته الأولى أمريكية الجنسية والتي تزوجت في بيروت.
وقد انتقلت (سامية جمال) إلى بيت الزوجية حيث (فيلا رشدى أباظة) وابنته قسمت – و التي كان عمرها 7 سنوات – فاعتنت بها إلى أقصى الدرجات إلى حد أنها كانت تقوم بتوصيلها إلى المدرسة بنفسها يوميا، وتذاكر معها دروسها و تصاحبها السهر.
في حوارها مع مجلة (ألف ليلة وليلة) عام 1971 قالت: (لم أحب في حياتى كما أحببت رشدى أباظة.. كنت أعلم عن إفراطه في الشراب ومغامراته النسائية ومع ذلك كنت أحبه ولا أزال).
رشدى يرد على (سامية جمال)
ليرد عليها رشدى في حوار لمجلة (الشبكة) كنت دائما كولد عاق.. يرضى خاطرا خبيثا ألم به، ثم يعود للبيت محنى الرأس مثقل الضمير فأجدها حانية تصفح.. وملاكا يمسح السوء بابتسامة.
ذكرت (سامية جمال) أنه في إحدى رحلاته إلى بيروت أحب رشدى فتاة لبنانية شقراء.. تابعت أخباره من القاهرة إلى أن كاد يتورط بالفعل في الزواج منها، لولا أن لحقت به في بيروت لتحبط هذا الزواج).
إقرأ أيضا : في ذكراه الثلاثين.. كيف جمعت سامية جمال (بليغ حمدي) بأم كلثوم؟
بعدها وأثناء وجوده مرة أخرى في لبنان.. وفي دعابة من (صباح) لرشدى استفزته قائلة: (أنت لاتجرؤ أن تتزوجنى لأنك تخاف من سامية)، و بكل اندفاعه الطفولى جذبها رشدى من يدها قائلا (أخاف ؟.. تعالى معى إلى المأذون).
لتتحول الدعابة إلى واقع.. وتمتلئ العناوين في كل الصفحات الفنية بخبر زواج رشدى اباظه وصباح.. استمر هذا الزواج لأسبوعين فقط قبل أن يطلقها رشدى عائدا إلى القاهرة، وقد أصرت (سامية جمال) أن تذهب أليه المطار لاستقباله دون ان تحادثه بكلمه بشأن هذا الزواج.
لم يتوقف رشدى طوال خمسة عشرة عاما من الزواج بسامية عن إدمانه إفراط شرب الخمر والخروج عن تحكمه في نفسه أحيانا بصورة كانت تخيفها منه، بالإضافة الى تكرار مغامراته العاطفية.
مما اضطرها الإصرار على طلبها الطلاق (طلبت الطلاق وقلبى يتمزق.. وأقولها بكل صراحة أنى ما زلت أحبه.. وهو يعرف ذلك.. ويعرف أنى أتمنى أن يكون ألمع شخصية في العالم الفني).
بداية نهاية (سامية جمال)
كانت (سامية جمال) بطبيعتها لا تدخر مالا.. أكبر مكسب حققته كان في فترة زواجى وعملى في أمريكا، أما في مصر فالمكسب لا يكون إلا في الأفراح التي اشترط أن تكون مقامة في فنادق كبرى.
إقرأ أيضا : في ذكرى رحيل سامية جمال : تعرف على لغة التخاطب بينها وبين رشدي أباظة في الحب والغضب !
ولأن الرحلة كانت شاقة.. ولأنها ممزقة بين الاضطرار إلى سلوك طريق لم يكن في خيالها.. بل وكانت تحلم بحياة الاستقرار العائلي المفقود أكثر من نجوميتها وحيدة.. ولأنها تشعر بأن في فنها نوعا من التجارة المستمرة بأنوثتها وجسدها فقد قررت الاعتزال في الأربعينات من عمرها مع أوائل السبعينات.. والانتقال للعيش مع اختها (نبيلة) ومشاركتها رعاية أولادها الخمسة.
عام 1980 كانت حاجتها للمال قد بلغت أوجها لتراكم الديون عليها مما اضطرها للموافقة على عرض قدمه لها الفنان (سمير صبرى) بأن ترقص في إحدى الفنادق على أنغام ألحان لفريد الطرش، كان قد خصصه لها دون أن تعلم – وكانت من قبل قد رفضت بالفعل عرضا من إحدى امراء الخليجين المعجبين بها أن يدفع لها كامل تكلفة الانتقال والعيش بإحدى الأجنحة في فندق كبير.
(مدفن الفنانه ساميه جمال)
بعد أن رقصت (سامية جمال) في هذا السن واستطاعت أن تجمع مبلغا من المال يؤمن لها العيش باقى حياتها اعتزلت بشكل نهائي معلقة (سددت الديون والضرائب.. واعتنيت بأولاد أختى ووفرت لهم نفقاتهم.. ولا أريد للجمهور أن يذكرنى بصفة العجوزة اللى بترقص)، وقد ساهم في عيشها في أواخر حياتها إيراد شقة تؤجرها.
في أيامها الأخيرة زادت من قربها إلى الله بمساعدات للمحتاجين والفقراء سرا..و المواظبة على قراءة القرآن.. وأداء فريضة الحج.
كان السبب الرئيسى لمرضها الأخير هو الأنيميا الحادة والمستمرة بسبب اتباعها طوال حياتها لنظام غذائى يعتمد على الابتعاد عن الطعام.. والاعتماد على الخضروات والزبادى فقط للحفاظ على رشاقتها.
إقرأ أيضا : سر اجتماع (رشدي أباظة، وفريد شوقي، وسامية جمال) قبل (طريق الشيطان)
مما خفض من نسبة الهيموجلوبين في الدم و اصابتها بجلطة في الوريد المغذى للأمعاء انتهت بحدوث غرغرينا تطلبت إجراء عملية استئصال للأمعاء.. تكررت عمليات الأمعاء لتبدا صحتها في الانهيار السريع والازدياد سوءا وفقد الوعى تدريجيا إلى أن توفيت عام 1994.
كانت (سامية جمال) قد اشترت لنفسها مدفنا خاصا على أول طريق السويس.. وقد اعتادت على زيارة مدفنها من آن لآخر.. وفي إحدى زياراتها للمدفن لاحظت حارس المقبرة و قد جهز يافطة كتب عليها (مدفن الفنانه ساميه جمال) فنهرته غاضبة بأن يحذف لقب الفنانة، بل وحتى اسم الشهرة (سامية جمال)، وأن يكتفى بكتابة اسمها الحقيقى فقط: (زينب خليل إبراهيم محفوظ)!