بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
قبل انتشار (السوشيال ميديا)، ارتبط الفن ارتباطًا وثيقًا بردود أفعال الجماهير باعتباره أحد وسائل الاتصال الجماهيري التي يعتمد نجاحها اعتمادًا وثيقًا على (مُستقبِل الرسالة) الموجَّهة وهو الجمهور.
لذا كان لا بد من الاستعانة بوسائل الإعلام التقليدي لتؤدي دورها المُتمثل بكونها أهم جسور التواصُل بين المادَّة الفنيَّة المُقدمة وبين الجماهير، وبين الفنان وجمهوره.
وعلى مدى عشرات الأعوام كانت تلك الوسائل قبل (السوشيال ميديا) خير سفيرٍ قادر على تقديم الأعمال الفنية والتسويق لها بصورة غير مُباشرة والمُساهمة في انتشار نجوميَّة الفنانين بإبرازهم في قالبٍ راقٍ مرموق يحترم موهبتهم وسُمعتهم وكيانهم الإنساني.
إقرأ أيضا : خصوصيات الفنانات ومعارك السوشيال ميديا
لكن مع انفجار فقاعة وسائط التواصُل الاجتماعي الحديثة (السوشيال ميديا)؛ وما انهمرَت به من مُفاجآت أدت إلى انعطاف بعض الثوابت الإنسانية والمُجتمعية والاقتصادية في العالم عن مساراتها التقليدية المعروفة.
كان لا بد للفن هو الآخر نصيبًا من الانعطاف نحو مسارٍ أجبر القائمين على الشؤون الفنية على توجيه بوصلة سُفنهم نحو عالم تلك الوسائط، والرضوخ لبعض شروطها المُجحفة بحق الفن والفنانين.
قد تكون إحدى أخطر مُشكلات وسائط التواصُل (السوشيال ميديا) أنها مُنصاعة كُليًا لما يُمكن أن يُطلق عليه (الذائقة الغريزية الجمعيَّة) للفئة السائدة من جماهير العصر الحاضِر.
وهي فئةٌ لا يجذب اهتمامها إلا الرقص والتنطيط والتغابي ومُحاورة البُلهاء والتحدث عن أسخف (التريندات) الرائجة! ما جعل كثير من الفنانين يتورطون بركوب تلك الموجة في سبيل الحصول على مُتابعين كي تظل أسماؤهم حاضرة في ذهن الجمهور، ومن ثم يستمر إقباله على أفلامهم ومُسلسلاتهم.
فوضى (السوشيال ميديا)
إن حالة الفوضى في التعامل مع الفنانين في عالمنا العربي عبر (السوشيال ميديا) ؛ والتي تُجبر الفنان على إدارة جزء كبير من أعمال تسويق صورته الذاتية وصناعة نجوميته بنفسه لعدم وجود شركات مُتخصصة بتأدية تلك المهمة بوضوح وإتقان وشفافية وأمانة والتزام.
كما يحدث في الولايات المُتحدة أو كوريا الجنوبية أجبرت الفنانين على التورط بظهورهم بصورة لا تليق بنجومية بعضهم، إذ ليسَ غريبًا أن يجد النجم المُعتاد على قوانين ونُظُم وسائل الإعلام التقليدي نفسهُ تائهًا ضائعًا أعزلاً وحيدًا أمام سباق وسائط التواصُل الحديثة ذات التطورات والتغيُّرات المُتسارعة.
والتي لا يعرف شيئًا عن خبايا أسرار التأثير على الجمهور من خلالها، وإذا حاول التواصُل مع بعض الشركات العربية التي تُعلن أنها مُتخصصة بهذا المجال يُفاجأ بأنها لا تُقدم لهُ ربع توقعاته مُقابل المال الذي يدفعه لها على أمل إنقاذه والاجتهاد في بقاء اسمه لامعًا براقًا في أذهان الجماهير لا سيما الشابَّة منها!
إقرأ أيضا : محمد شمروخ يكتب : رد قلبى .. رياح النقص الموسمية على السوشيال ميديا
لقد تضاعفت صعوبة المُعادلة التي يجدر بالفنان اليوم تحقيقها سواء كان راسخًا أم صاعدًا، فبينما كان كل المطلوب منه التفرغ لما سيقدمه من مُنجزات فنيَّة، صار مضطر لمواكبة سرعة تقلب أذواق الجماهير.
وبعد أن كان أحد أهم ركائز المنظومة التي تستهدف الارتقاء بذائقة المُشاهدين والمُستمعين صار مُجبرًا على الرضوخ لرغبات وأمزجة (السوشيال ميديا)، وإن كانت هابطةً مُتدنية.
وعليه أن يتحول تارة إلى ببغاء وطورًا إلى بهلوان يتشقلب على حساباته في تيكتوك وإنستجرام كما يتشقلب الآباء لأطفالهم الذين مازالوا في طور الحَبو لعلهم يشدُّون انتباههم ويلفتون اهتمامهم!
طوفان (السوشيال ميديا)
قلائل هم الفنانين الذين استطاعوا النجاة بذكاء من هذا طوفان (السوشيال ميديا)، ولعل أبرزهم النجم السوري الكبير (ياسر العظمة) بما يُقدمه من أطروحات ثقافية قيِّمة ومُتقنة الإعداد في قالبٍ جذاب لأمزجة الجمهور من مختلف الأقطار الناطقة بالعربية لا الجمهورية العربية السورية وحسب.
وكذلك النجم الكويتي القدير (فخري عودة) بأحاديثه العفوية المُفعمة بحكمة الآباء والأجداد دون تكلُّف أو ابتذال.. آخرون اتخذوا سبيلاً وسطًا مُكتفين بنشر مقاطع من أعمالهم الفنية ولقاءاتهم التلفازية.
إقرأ أيضا : السوشيال ميديا تزيف الحقائق حول دراما رمضان
لكن فئة ثالثة انزلقت نحو فخ الإسفاف الذي حوَّلها إلى مثارٍ لسُخرية البعض وشفقة آخرين، وعاملاً من عوامل نسف تلك الصورة الذهنيَّة الراقية المُحترمة المرسومة في ذهن جمهور ما قبل ثورة وسائط التواصُل (السوشيال ميديا) عنهم، واستبدالها بصور مُهرجين في سرك العالم الافتراضي الشاسِع.
لا شك أن طريق النجومية الفنية ليسَ سهلاً، ولا يخفى على العالِمين بخباياه المُعقدة كم يتطلب من عملٍ وجُهدٍ وتضحياتٍ معنوية ومادية لا سيما في منطقتنا العربية التي يعتمد فيها الفنان عى نفسه إلى حدٍ كبير مُقارنة بالفنان الذي تدعمه جهود الوكالات والمؤسسات الخبيرة بإدارة مثل هذا النوع من الأعمال في بلدان أُخرى.
لكن كل تلك التضحيات قد تنسفها لحظة تهوُّر على (السوشيال ميديا)، فتهدم وتُبدد ما بناهُ من احترامٍ على مدى الأيام والأعوام.