بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
يا ذات الأنف الإغريقي
وذات الشعر الأسبانى
يا امرأة لا تتكرر في آلاف الأزمان
يا امرأة ترقص حافية القدمين بمدخل شريانى
من أين أتيتى ؟ .. و كيف أتيتى ؟
و كيف عصفتى بوجدانى ؟
الأبيات من قصيدة (حافية القدمين) للشاعر نزار قبانى، وقد اعترف في إحدى لقاءاته.. أنه كان يخص بها (سامية جمال)، ليغنيها لاحقا الفنان العراقى كاظم الساهر.
على المستوى الشخصى لا أحب الرقص الشرقى.. إن لم يكن يصيبنى بالاشمئزاز.. فجذوره ممتدة إلى نوع من العبودية.. حيث الجاريات في قصور العهود البالية شبه عاريات يقدمن اجسادهن في إطار ترفيهى للتسرية عن الملك وكبار رجال الدولة. ليختار منهم أنثى الليلة التي ستشاركه مخدعه بعد معاينة تفاصيل الجسد ورشاقته.. لينتقل بعدها إلى الاستخدام الشعبى فى المواخير ثم الكازينوهات كتجارة جسد.. مقترنة بروافدها من شراب وعهر.
ليتسلل إلى السينما ومنها إلى الدراما بشكل عام كتوابل تجارية يضيفها المنتج عند صناعة الفيلم للاطمئنان نوعا على إحدى جوانب الربح في بضاعته.
إقرأ أيضا : في ذكرى رحيل سامية جمال : تعرف على لغة التخاطب بينها وبين رشدي أباظة في الحب والغضب !
والرقص الشرقى في أصله تعبير فردى وتلقائى لامرأة عن مشاعرها لنفسها أو لشريكها، لكنه اكتسب صبغته التجارية تماما كما هى العلاقة الزوجية خارج إطارها.. واستئجار جسد المرأة في مختلف صوره يصيبني بالغثيان ولا متعة فيه.
لذلك حينما نتناول سيرة راقصة مثل (سامية جمال) فلن نتناول جوانبها الفنية.. فنحلل طريقة تحريكها لوسطها وسائر أجزاء جسدها ولا أنواع خطواتها وما تظهر وما تغطى ببدلة الرقص.
وإنما نتناول في سيرتها جوانبها الإنسانية لنكشف ما وراء الصورة المبهرة من ظلال، ويضاف إلى جانب الرقص في حياة (سامية جمال) جانبها الآخر كممثلة لها نصيبها من البهجة التي أضفتها على أفلام عديدة شاركت فيها كبار النجوم.
(سامية جمال).. اسم شهرة اختارته لنفسها (زينب خليل)، وهي على باب كازينو بديعة مصابنى للمرة الأولى، وقد طالبتها بديعة بذلك كأول شروط العمل معها، فتذكرت اسم (سامية) وقد نادى به أحدهم في الطريق منذ دقائق لبنت تسير أمامه وأعجبت بالاسم.
اسمها (ليلى جمال)
وفي الطريق الى الكازينو شربت قهوة في محل بشارع عادلى اسمه (الجمال) يبقى (ساميه الجمال).. بلاش (الـ) دى .. نخليها (ساميه جمال).
عام 1924 ولدت (زينب خليل إبراهيم محفوظ) في إحدى القرى التابعة لمركز الواسطى ببنى سويف.. تزوج ابوها مرتين.. أنجب من الأولى خمسة أبناء ومن الثانية ثلاثة آخرهم كانت (زينب/ سامية).. انتقل بقافلته الكبيرة إلى القاهرة مستأجرا مسكنا في حى الأزهر.
بعد فترة قصيرة توفت أم (سامية جمال) وهى في الثامنة من عمرها لتبدأ معاملة زوجة أبيها لها في التغير وتحولها إلى مجرد خادمة في البيت.. وتزداد المعاملة سوءا بعد وفاة والدها عند سن الثالثة عشر.
فتنقلب إلى قسوة مفرطة مخلوطة بالإهانات المستمرة والتي غالبا ما تتطور في أغلب الأوقات إلى الضرب.. لتهرب (زينب) من منزلها بالأزهر لتعيش مع اختها (فاطمة) في السيدة زينب.
لكن الأمر لم يختلف كثيرا، فتحولت أيضا إلى خادمة لأولاد أختها.. أما عن الإهانات فلم يدخر زوج أختها وسعا في ذلك إلى أن تطورت الإهانات إلى حد الضرب مرة أخرى.
إقرأ أيضا : سر اجتماع (رشدي أباظة، وفريد شوقي، وسامية جمال) قبل (طريق الشيطان)
كان ذلك حينما بدأت في العمل بمشغل حياكة وتطريز ملابس كفرصة للهروب من العمل كخادمة، وحينما بدأت تملك بعضا من النقود أتيحت لها الفرصة للدخول إلى دور السينما والتعرف إلى حد التعلق بهذا العالم.. اكتشف زوج أختها ذلك فلم يتردد في توسيعها ضربا لتهرب مرة أخرى)
في عملها تتعرف (زينب/ سامية) عن طريق إحدى زميلاتها على الباب الملكى للنجومية في هذا العصر بديعة مصابنى.. لتبدأ في العمل معها بعد تغيير اسمها الى (ساميه جمال).
في كازينو بديعة مصابنى بدأت (سامية جمال) كراقصة في التابلوهات الجماعية بأجر يومى عشرة قروش، لكنها – دونا عن بقية المجاميع – كان لها تمايزها وحضورها الأخاذ بجمالها السمر الهادئ وابتسامتها الدائمة التي تشع فرحة وبهجة وبضحكتها المضيئة طوال الرقص.
مما جذب انتباه الجماهير إليها وأثار اهتمام بديعة لتقرر تقديمها في رقصة منفردة في احدى الحفلات، وقد عهدت بها الى مدرب رقص محترف يدربها قبل الحفل، وقد قام بتدريبها بالفعل بحذاء عادى على حركات تعتمد كلها على ارتدائها لحذاء ذو كعب عالى.
سخريته الجمهور من (سامية جمال)
وعند دخولها للمسرح بحذاء كعب عالى حقيقى تجمدت في مكانها لتثير ضحك الجمهور وسخريته من جهة، وغضب بديعة العارم عليها من جهة أخرى، لتعاقبها بإعادتها مرة أخرى إلى صفوف راقصات التابلوهات الجماعية.
لم تستسلم (سامية جمال) لهذا الإخفاق، فبدأت في الادخار من راتبها والدفع لمدرب رقص آخر، وقد بدأ في تدريبها بالفعل بشكل مختلف، بالرقص على أطراف الأصابع تارة، والانطلاق أثناء الرقص كطيران الفراشة تارة أخرى.
مع الاحتفاظ بابتسامتها المشعة طوال الوقت وقد انعكس ذلك على تمايزها أكثر أثناء التابلوهات الجماعية مما حفز بديعة أن تقدمها في تجربة انفرادية جديدة فاشترطت (سامية جمال) أن تقدم الرقصة بطريقتها، وبالفعل بمجرد انتهائها من (النمرة).
تضج الصالة بالتصفيق لدقائق وتنفتح أبواب الشهرة على مصراعيها ويرتفع راتبها إلى إثنى عشر جنيها شهريا، ليتضاعف بعدها إلى أربعين جنيها عند تعاقدها مع ملهى (الرولز).
في احدى حفلاتها بملهى الرولز ينقطع رباط حذاء (سامية جمال) ليعاودها رعب موقف الكعب العالى وتفكر في الانسحاب من العرض غير أن احدى زميلاتها همست إليها ان ترقص بغير حذاء لتبدع بالفعل بدونه أكثر.
إقرأ أيضا : فريد وسامية جمال قصة حب رائعة أفسدها ولاد الحلال! (2)
وبالصدفة يشاهدها في هذه الليلة (محمد بديع سربية) صاحب مجلة (الموعد) ليطلق عليها لقب (حافية القدمين).
على شاشة السينما كان أول ظهور لـ (سامية جمال) عام 1941، وللبداية قصة تحكيها مع المذيع (طارق حبيب).
فقد كان فريد الأطرش هو مطربها المحبوب، وحينما سمعت بأنه سيبدأ اليوم تصوير فيلمه (انتصار الشباب) أسرعت (سامية جمال) بالذهاب إلى الاستوديو حاملة إليه بوكيه ورد ضخم.
ليشكرها (فريد) ويقدمها بالتعارف للمخرج (أحمد بدرخان) ليفتن بجمالها ورشاقتها ويطلب منها مشاركتهم في إحدى الرقصات الجماعية في حفل زفاف بالفيلم، وبعد انتهاء التصوير أعطاها فريد رقم تليفونه لتبدأ في مطاردته باتصالاتها لأكثر من ثلاثة أشهر.
سامية جمال وعبد الوهاب
تكرر ظهورها في السينما ككومبارس لثانيتين في فيلم (رصاصة في القلب) لمحمد عبد الوهاب وتحديدا في أغنية (انسى الدنيا و ريح بالك) وهى تمسك بوسادة على شكل جيتار.. ليعيد عبد الوهاب تقديمها في فيلم (تاكسى وحنطور) فتقوم بدور أول أمام المطرب محمد عبد المطلب.
وتبدأ أعمالها السينمائية تتوالى..
تعترف (سامية جمال) أن فريد الأطرش في بداية عملها لم يكن يحبها، بل ويرفض تماما عملها معه في أي من أفلامه كبطلة.. غير أن ضغط الموزعين وتبريرات المخرج بركات اضطرته في النهاية لقبول الفكرة.
وأن تؤدى أمامه بطولة فيلمه (حبيب العمر) ليحقق الفيلم نجاحا أسطوريا شجع فريد أن يسند لها – وبحماس شديد – أدوار البطولة في أفلامه الثلاثة التالية.
إقرأ أيضا : حيرة رشدي أباظة بين “سامية جمال ومريم فخر الدين”
وكان نجاحها في هذه الأفلام حافزا للمنتجين للتهافت عليها حتى أنها شاركت في بطولة إثنى عشرة فيلما في أربعة أعوام – فيلم كل أربعة أشهر – منها (أحبك انت، عفريته هانم، أسمر وجميل، نشاله هانم).
عام 1959 قدمت فيلم (الرجل الثانى) مع رشدى أباظة، لتختفى (سامية جمال) من السينما لتسع سنوات منذ عام 1963 معتزلة التمثيل لرعاية زوجها (رشدى أباظة) وابنته من زوجته الأولى (قسمت).
لتعود عام 1972 بفيلمى (الشيطان والخريف، ساعة الصفر)، وقد فشل كلاهما في تحقيق النجاح مما دفعها ان تقرر وبشكل نهائي اعتزال السينما.
والحياة العاطفية لـ (سامية جمال) زاخرة بالإخفاقات.. من (فريد الأطرش) إلى (الملك فاروق) ثم متعهد الحفلات الأمريكي (شبرد كينج) والملحن (بليغ حمدى)، وأخيرا رشدى أباظة.
ولهذا مقال قادم..