سر رفض (سيد درويش) الذهاب إلى صوته المفضل (سلامة حجازي)!
إعداد : أحمد السماحي
خلال الأيام القادمة وبالتحديد يوم 15 سبتمبر الجاري، نحيي الذكرى المئوية لخالد الذكر الشيخ (سيد درويش)، وسوف تمتلئ مواقعنا وصحفنا ومجلاتنا بالدموع الغزيرة التى تؤكد عبقريته الشديدة!.
وقد أصبحت هذه الدموع روتينا لابد منه في ذكرى كل فنان ونجم كبير، ولكن ماذا بعد الدموع وملأ صفحاتنا بالكلمات العظيمة المؤثرة، الحقيقة أن الذكرى تمر وتجف الدموع، وننسى (سيد درويش) أو غيره.
إقرأ أيضا : فاطمة رشدي : سيد درويش سبب نزولي للقاهرة، ومحمد تيمورعرفني بـ عزيز عيد
ثم نعود إلى (سيد درويش) وإلى أمثاله كل عام في نفس الميعاد، أو بالتحديد في ذكرى وفاة كل واحد منهم، كأن هؤلاء النجوم الذين ملأوا حياتنا بالبهجة والسعادة والنشوة مقبرة نزورها في يوم ذكرى وفاة الفقيد، وننتهي من الأمر كله بإنتهاء الزيارة.
لو تخلصنا من هذه الدموع المزيفة والصفحات التى تكتب، والبرامج التى تستضيف متخصصين يتحدثون عن الأثر العظيم الذي تركه كل فنان من الراحلين.
ترجمة عبقرية (سيد درويش)
دعونا نعمل عملا حقيقيا من أجل (سيد درويش) و(محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، وليلى مراد، وبليغ حمدي، ومنير مراد، وزكريا أحمد، ورياض السنباطي، وياس خضر، وعلى الرياحي، وعوض الدوخي، وطلال مداح)، وغيرهم من الراحلين الذين أثروا في حياتنا لكل هذا أفضل مائة مرة.
عبقرية (سيد درويش) كان يجب أن يتم ترجمتها عمليا للأجيال الجديدة التى لم تعرفه عن طريق إعادة غناء تراثه المسرحي والغنائي مجددا بتوزيع جديد.
وأن يجد من البلد الذي ولد فيه وغني له، وعبر عن كل مافي قلوب أهله من نبضات وعواطف اهتماما بفنه، وجهدا في سبيل إنقاذ هذا الفن من أي إهمال.
(سيد درويش) و(بديع خيري)
كان من الواجب أن تبدأ المحاولات الجادة لإحياء فن (سيد درويش) من جانب وزارة الثقافة، بجمع تراثه أو عمل متحف يخلد ذكراه، يكون مزارا سياحيا لكل عشاق الطرب والأصالة.
هذا الأسبوع في باب (صحافة زمان) نحيي الذكرى المئوية لفنان الشعب (سيد درويش) بحديث خاص مع رفيق دربه الشاعر المبدع (بديع خيري)، كان أجراه لمجلة (الجيل) في نهاية الخمسينات، فإلى نص جزء بسيط من الحوار الطويل الذي أجرى معه.
إقرأ أيضا : مفاجأة .. العشرة الطيبة تبعث من جديد في الذكرى المئوية لخالد الذكر (سيد درويش)
يقول بديع خيري: كان (سيد درويش) فذا في عبقريته، وكان في بدنه روح الفنان منذ شب، وكان الشيخ (سلامة حجازي) علما من الأعلام الفنية يوم كان الشيخ (سيد درويش) يطرق أبواب الفن، ويعمل في ملهى صغير بحي كوم الدكة بالأسكندرية.
وفي أحد الأيام كان أحد أعوان الشيخ سلامة يتجول في حي كوم الدكة وساقته المصادفة إلى المقر الذي يغني فيه (سيد درويش) فسمع منه ما بهره وأذهله، وأسرع الرجل إلى الشيخ سلامة يقول له إنني سمعت الليلة غناء عجبا من شيخ معمم اسمه (سيد درويش)، فأبدى الشيخ سلامة رغبته في أن يرى (سيد درويش).
(سيد درويش) وسلامه حجازي
راح رسول (سلامة حجازي) إلى الشيخ (سيد درويش) يزف إليه بشرى رغبة الشيخ سلامة حجازي في سماعه، وطلب من (سيد درويش) أن يذهب معه إلى الشيخ سلامة، وذهل الرجل عندما سمع الشيخ سيد يقول له أنا لن أنتقل من مكاني وإذا أراد الشيخ سلامه أن يسمعني فليتفضل بالحضور إلى هذا المقهى الحقير، وإلا فلن أذهب إليه!.
وحاول الرجل أن يثني (سيد درويش) عن رأيه ولكنه لم يوفق، ولما أمعن في الإلحاح قال (سيد درويش): اسمع الفن له كرامة، وأنا شاب على أبواب الحياة، ولكن كرامتي في الذروة.
عاد الرجل ليقص على الشيخ سلامة ما سمعه من (سيد درويش)، وهو يظن أن سلامة حجازي سيغضب ويثور، ولكنه فوجئ عندما رأى الشيخ سلامة فرحا بإعتزاز الفنان بكرامته.
وسمعه يقول: لابد أن يكون هذا الولد فنانا تأصلت في قلبه بذور الفن، سأذهب لأستمع إليه، ورفض الشيخ سلامة أن يستمع لمن حاولوا أن يثنوه عن عزمه على الذهاب لحقارة المقهى الذي كان يغني فيه (سيد درويش).
ذهب الشيخ سلامة واستمع إلى الفنان الجديد فأعجبه وأحبه وضمه إلى فرقته، وعندما وقف الشيخ سلامة ليقدم (سيد درويش) لأول مرة خاطب الجمهور قائلا: (سأقدم لكم فنانا موهوبا لا إسم له، ولا شهرة، فاستمعوا إليه وأنصتوا إلى فنه، وسيكون لتشجيكم الأثر كل الأثر في تقدمه).
نبوءة سلامة حجازي لـ (سيد درويش)
وظهر الشيخ سيد وغنى بصوته الخشن الذي لم تكن فيه حلاوة فاستقبل أسوأ استقبال، ولم يفهم الجمهور فن (سيد درويش) وقدرته، وعندئذ غضب الشيخ سلامة، وخرج ليخاطب الجماهير في جرأة وخشونة قائلا: (إنكم لم تفهموا الفن الأصيل والموهبة الفذة التى يتمتع بها هذا الفنان سيد درويش، ولكنه سيحقق نجاحا كبيرا قادما).
ومضت الأيام وإذا بألحان (سيد درويش) تصبح على ألسنة الخاصة والعامة، وتتحق فيه فراسة الشيخ سلامة حجازي.