كمال زغلول يكتب: (جب) .. والسياسية الدينية في المسرحية المصرية

بقلم الدكتور: كمال زغلول

ارتبطت العقيدة المصرية القديمة بمدينة الأمنتت، وملوك تلك المدينة كانت محور اهتمامه حتى نصب ملوكها آلهة له مثل الملك (جب)، و ظهرت تلك الشخصيات في الأدب التمثيلي المصري، في صورة المؤسسين الأوائل للمملكة المصرية ، من خلال الأسرة الحاكمة للأمنتت.

 وتتكون من الملك (جب) والملكة (نوت) وأبناؤهما (أوزيريس وست وإيزيس ونفتيس)، وعن كيفية تكوين هذه الأسرة، فإن المؤسس الأول لها هو ملك الأمنتت العادل (جب)، وعندما قرر الزواج أخذ يبحث عن أميرة جديرة بمملكته ، ويكون زواج متكافئ يليق بملكه.

ولم يرغب (جب) من الزواج بابنة واحد من أتباعه حتى لا يثير غيرة الآخرين، وراح يبحث شرقا عن فتاة من سكان جبل تفنوت، هذا الجبل الشاهق الذي كان يعتقد أنه كان يسند السماء عند بداية الخليقة.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: نشأة العرض المسرحي في مصر القديمة

ولذلك اعتقد المصري القديم أن تلك الزيجة هى أول ثنائية كونية بين الأرض والسماء ورمز إلي شخصية (جب) بـ (الأرض) وإلي نوت بـ (السماء)، ورفعا إلي مصاف إلهي.

ويظهر (جب) على مسرح الأحداث بأنه الملك المؤله، ويضعه المصري القديم داخل التاسوع الإلهي، له حكم ونهي في إطار هذا التاسوع، و(جب) أنجب من نوت أربعة أبناء هم (أوزيريس، إيزيس، ست، نفتيس).

ومن تحليل تلك الشخصية، نرى أن (جب) شخصية بشرية ملكية، لها أبعادها الثلاث (مادية – اجتماعية – نفسية) ولكن المصري القديم (الكهان) أضاف لها بعد آخر وهو صفة القداسة ورفعها لمصاف الآلهة.

وكون عنه معتقد بأن الأرض تجسدت فيه، وبذلك اتخذ صفة إله، وأصبح يرمز له بأنه إله الأرض، وله سلطة سياسية على حكم الأرض، فعندما ظهر في المسرح المصري ، ظهر بسلطته الحاكمة على الأرض.

عندما مثل أمامه (ست وحورس) بعد الصراع على حكم مصر، لكي يحكم لمن يكون الحكم بينهما وكان الحكم الذى نطق به هو:  (جب) يخاطب (ست): إذهب إلى المكان الذي ولدت فيه ست الوجه القبلي .

(جب) يخاطب (حور):

إذهب إلى المكان الذي أُغرِق فيه والدك (حور) الوجه البحري.

(جب) يخاطب (حور) و(ست):

لقد فصلتكما الوجه (البحري والقبلي).

ولكن يتراجع عن هذا ويعطى حور كل الأرض ليحكمها ويتكلم مع تاسوع الآلهة:

جب لتاسوع الآلهة:

لقد قرر قراري

وحدي

لهذا الوارث

ابن ابني

أول مولد لي

إنه ابني الذي ولد لي

حور، فلتكن ابن اوى الحنط

حور، ميراثي

حور، ميراثي

حور، أبوفيس الجنوب

حور، أبو فيس الشمال

حور، في مولد أبو فيس الشمال وأبو فيس الجنوب.

ليحكم (حور) البلاد، وعندها سوف تتوحد البلاد.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: المسرح .. عرفه المصريون قبل العالم

لقد جمع جب التاسوع الإلهي ليحكم بين (حور وست) وقرر قراره، وهنا تظهر الشخصية الحقيقية للملك (جب) بأنه أنجب طفلين تصارعا على الحكم وقسمت مصر بعد صراع عنيف بين الأخوين انتهت بمقتل أحدهم، وبدأ الصراع من جديد.

قرر أن يكون الحكم من نصيب (حور) للتوحد البلاد تحت حكم واحد، حتى لا تتقسم مصر من جديد، وهنا يتضح جليا أن الأسطورة المصرية القديمة ما هي إلا أسطورة سياسية أضفي عليها رجل الدين طابع ديني من خلال فكرة التجسد التي اختراعها الكهنة.

وقد أصبح (جب) رمز لحكم الأرض، حتى في مراسم تتويج الفرعون الجديد فإن (جب) هو الذي يساعده على الجلوس فوق عرشه، وهذا يبين سلطته ونفوذه على المخلوقات والأشياء بالعالم الدنيوي.

وهنا نرى صورة البطل الأول في الأدب التمثيلي الأول الملك (جب) مؤسس مملكة الأمنتت، والتي يعتقد المصريون أنهم امتداد لجب ولتلك المملكة، ونرى أن المصري القديم أستطاع أن يصور شخصية (جب) ثلاثية الأبعاد إلا أنه أضاف لها بعد رابع وهو تجسده في صورة الأرض ثم رفعة إلي إله الأرض ليعطي له السلطة الحاكمة فيم من يتولى حكم مصر ويحافظ عليها كمملكة موحدة.

وقد تم تمثيل هذا الجزء في المسرحية المصرية القديمة ليتم ترسيخ هذا المبدأ السياسي في صورة دينية، ويكون حكم (جب) صارم على الجميع حتى على الفرعون الجديد.

(جب) والملكة نوت

هى ملكة الأمنتت التي تزوجها (جب) وهى أم الآلهة الأولية (أوزيريس – إيزيس – ست – نفتيس)، وكما سبق القول هى من جبل تفنوت، ولا يظهر لها دور في أحداث المسرح المصري سوى أنها من التاسوع.

ولكن لهذه المرأة دور مهم داخل الأسطورة المصرية، فهي من أنجبت أوزيريس بدون زواج من (جب)، وسوف نتعرض لهذا الحدث عندما نتحدث عن شخصية (أوزيريس)، وكعادة الكهنة أضافوا لها بعد رابع مقدس لتكون إلهة.

وميزوها بأنها تجسد للسماء فأصبحت إلهة السماء، وقد فصل بينها وبين زوجها (شو) الذي يعني الهواء، وكانت تقابله سرا، ولكن كان (شو) يفصل بينهما دائما، وفي متون الأهرام جسدت (نوت) القبة السماوية المبرقشة بالنجوم والكواكب وهم جميعا أبناؤها.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: المسرح في مصر القديمة (1)

وبعيدا عن ما لصق بهده الشخصية من تخاريف، فهي كانت ملكة الأمنتت، وكان دورها الأساسي داخل الأسطورة ولادة الأبناء الأربعة، والصراع الذي قام بينهم على حكم مصر.

وسوف نتعرف على دورها الحقيقي عندما نتحدث عن شخصية (أوزيريس)، ومن تحليل شخصية (جب) و(نوت) في الأدب التمثيلي المصري القديم، تعرفنا عن الشكل السياسي الأولي وكيف أضيفت إليه قدسية من خلال التجسد لكي تغلف بغلاف الدين، وسوف نتعرف على ذلك بشكل موسع عندما نتعرض بالتحليل لباقي شخصيات لمسرح المصري القديم.