(السينما) والمصايف وشواطئ مصر الساحرة والمبهجة
* أفلام الصيف مرتبطة بالرومانسية، وبالكوميديا، وهما أبرز وأهم العناصر التي تتحكم في سلوك البشر
* بعد (البحر بيضحك) عام 1928 ظل الشاطئ بعيدا عن قصص الأفلام حتي شاهدنا فيلم (شاطئ الغرام)
* بعد فيلم (شاطئ الغرام) لم نر مرسى مطروح كمصيف في أفلام أخري بل ظلت منفى يعيش فيها البدو، والموظفين المغضوب عليهم
* ظلت الأسكندرية هى المصيف الاجتماعي الأول في الكثير من الأفلام، حتى ظهرت مصايف أخرى
بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم
جميلات (السينما) يأتين غالبا من القاهرة، أما المصايف فهي منتشرة بطول سواحل مصر، وما أمتع أن نقرأ عن هوي المصايف والجميلات، فلاصيف بدون بنات جميلات يملأن الشواطئ بالبهجة والفرحة، يتخففن من الملابس والمتاعب قدر الامكان.
وتتفتح قلوبهن لقصص حب جميلة تجسد فيها (السينما) اللوعة والعذاب، واللقاء والفراق، واللهفة، هكذا عاشت الأجيال بمفاهيمها الثقافية والاجتماعية عبر القرن العشرين، وهكذا تمني كل إنسان أن يعيش التجربة، وأن يذهب إلى المدن الساحلية، خاصة شواطئ الأسكندرية الطويلة العريضة.
(السينما) وحكايات العشاق
كل شاب كان يبحث في المصايف عن فتاة أحلامه، ويحاول أن يعيش التجربة، هكذا خاطبتنا أفلام (السينما)، وأحببنا قصص البنات في الصيف، وطالما أن هناك بنات، فحتما هناك شباب عشاق، بل ورجال يبحثون عن التجربة لتجديد مفاصل الحياة، من رواية الي أخري، ومن فيلم إلى آخر.
وكم ازدحمت (السينما) بحكايات العشاق في كل الأزمنة فالإنسان يجب أن يقع في الحب، وأن يتخلي عن تزمته وأن يخرج من القمقم الذي حبس بعضنا نفسه لزمن طويل، فالبحر ممتد نحو الأفق بلاحدود، أو متسع.
(السينما) والهوية الاجتماعية
المصيف أيضا فيه متسع للجميع بشواطئه، وعندما يرتدي المرء زي الاستحمام فمن الصعب أن تحدد هويته الأجتماعية ان كان غنيا أو فقيرا، ولذا فإن أفلام (السينما) في الصيف مرتبطة بالرومانسية، وبالكوميديا، وهما ابرز وأهم العناصر التي تتحكم في سلوك البشر
منذ بداية (السينما) وأبطال الأفلام يذهبون الي البحر، يتخففون من ملابسهم، وينثرون أجسادهم المتحررة على الشواطئ، هناك حيث تخف القيود الاجتماعية، وتتفتح القلوب لاستقبال أجمل مافي الحياة الحب.
البحر بيضحك في (السينما)
في فيلم (البحر بيضحك) عام 1928 إخراج استيفان روستي، وتأليف أمين عطالله، فإن هناك قصصا تدور أحداثها علي شاطئ بحر الأسكندرية، بطل هذه القصص رجل شرطة يحمي المصطافين، ولا مانع أن يشاركهم الأستمتاع بالمياة مرتديا لباس بحر يدعو إلى السخرية في (السينما).
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب : من عام لعام تحيا السينما المصرية
في تلك الفترة كانت المدينة أقرب إلى صحراء بيضاء ممتدة أمام البحر، ولم يكن الانسان قد جاء الي هذه المناطق للسكن، ولكن للمتعة، ومن هنا جاء الإحساس بالتحرر، لكن ليست هناك عيونا متلصصة علي الموجودين عند الشاطئ.
وسوف نري أن الرقابة قد زادت كلما زحف السكان الي هذه الأماكن، وسوف نري الي وقت قريب كيف أن العمران ظل بعيدا عن منطقة رمل الأسكندرية مثلما حدث في فيلم (آثار علي الرمال) عن رواية ليوسف السباعي.
شاطئ الغرام في (السينما)
ظل الشاطئ بعيدا عن قصص أفلام (السينما) حتي شاهدنا فيلم (شاطئ الغرام) إخراج بركات عام 1950، وفيه يقوم ثنائي من الشباب بقضاء أوقات ممتعة في الاسكندرية، ورغبة من المرأتين الاستمتاع أكثر بالشابين فإنهما يغافلانهما ويذهبان بهما إلى شاطئ مرسي مطرح، إلى المكان الذي أصبح اسمه فيما بعد (شاطئ الغرام).
وهناك يقع الشاب في غرام المدرسة ابنة عامل التلغراف التي يسمعها تغني عند البحر، لقد ذهب الفيلم هنا إلى مكان غير مألوف علي (السينما).
والغريب أن المدينة في هذا الفيلم كانت خاوية تماما من المصطافين سواء في الطريق، أو الفنادق الصغيرة أو عند الشاطئ، يبدو أن الوقت لم يكن صيفا بالمعني المألوف، لأن الفصول الدراسية مفتوحة.
والغريب أننا لم نر مرسي مطروح كمصيف في أفلام أخرى بل ظلت منفى يعيش فيها البدو، والموظفين المغضوب عليهم، في أفلام منها (أغلي من حياتي) لمحمود ذو الفقار 1964، و(الإنسان يعيش مرة واحدة) لتيسييرعبود 1981.
(السينما).. وآثار على الرمال
قد تكرر الأمر نفسه في فيلم (آثار علي الرمال) للمخرج جمال مدكور، فهناك شاب يذهب الي شاطئ البحر يوميا، وتسترعي انتباهه فتاة تجلس وحيدة بطول الشاطئ الأبيض تقرأ القصص.
ويقع في حبها بحسب فيلم (السينما) ويكتشف أنها كسيحة فيختلط الحب بالشفقة، الا أنه يفاجأ أن حبيبته تنتحر ما يصيبه بأزمة نفسية.
وفي عام 1957 اضطر زوجان للذهاب للعمل بمنطقة البحر الأحمر، بعد أن عاني الزوج من البطالة، وهناك يزعمان أنهما شقيقان، وتنزل الزوجة مرتدية زي البحر للاستحمام، ويصدم الزوج أن شابا يطلب منه أن يزوجه إمرأته دون أن يعرف الحقيقة ما يدفعهما للعودة مرة أخري الي الوادي.
(السينما).. ولا أنام
في العام نفسه ارتدت هند رستم لباس بحر ساخن للغاية بما يناسب فتنة جسدها وهى علي شاطئ الاسكندرية بين زوجها وعشيقها، وذلك في فيلم (لا أنام) إخراج صلاح أبو سيف عن رواية احسان عبد القدوس الذي كان أول من اهتم بهذا العالم المتحرر في (السينما) بشكل واضح في روايته (البنات والصيف) التي تدور حول أربع قصص تدور كل منها علي شواطئ الاسكندرية.
البنات والصيف في (السينما)
في عام 1960 تحولت ثلاثة من قصص رواية (البنات والصيف) الي أول فيلم روائي في (السينما) يحكي ثلاثة قصص مختلفة لكن يجمعها الموضوع والمكان، والقصص تدور مباشرة فوق رمل الشاطئ.
والأبطال هنا مصطافون جاءوا للاستمتاع بالبحر والبشر، ويبدون في تألقهم وقد انتزعوا الحشمة، وصار الهاجس الجنسي هو الأبرز.
وتفتحت القلوب للحب، وربما أيضا للخطيئة، مثل الزوجة التي تقاوم التحرش الذي يقوم به صديق زوجها الملازم لهما في المصيف، وكم حاولت تنبيه الزوج الي سفالة صاحبه، ولما فشلت قتلته، وانتحرت.
القصة الثانية حول رجل تجاوز سن الشباب، أصابه الهوس الجنسي تجاه خادمته أثناء المصيف، وفي القصة الثالثة يحاول شاب قليل التجربة إنقاذ خطيبته علي الشاطئ من الوقوع في إغراء شاب احترف التغرير بالفتيات .
لقاء عند الغروب في (السينما)
في تلك الفترة كانت مريم فخر الدين هى الجسد الأنسب لارتداء المايوه في (السينما)، وبعد القصة الأولي في فيلم (البنات والصيف) فإن المخرج الجديد سعد عرفة قد صورها بالمايوه الفاتن في أكثر من فيلم منها (لقاء عند الغروب) الذي تدور كل أحداثه حول أسرة تقوم بالاصطياف في الأسكندرية، وتلتقي الزوجة بحبيبها القديم وتدور باقي الأحداث.
مع الذكريات في (السينما)
أما الفيلم الثاني (مع الذكريات) فرغم أن أحداثه تدور في عالم (السينما)، فان المخرج يذهب مع بطلة فيلمه الي البحر، وهناك تبدو بالغة الفتنة وهي ترتدي لباس البحر.
أبدى المخرج سعد عرفه إعجابه بعالم البحر فقدم فيلمه (إجازة صيف) بالكامل في المصيف من خلال رحلة جماعية تقوم بها اللجنة النقابية لأحدي الشركات ووسط شخصيات متباينة.
وحكايات الأزواج والعشاق، تدور قصص الخيانة وترتدي الفتيات ملابس البحر، ويبدو البحر بالغ الجاذبية، وهو يهتف للنساء أن يرتدين المايوهات.
(السينما).. وأبي فوق الشجرة
مع نهاية الستينيات بدأت الألوان تزحف علي أفلام (السينما)، وذهب أكثر من مخرج مع أبطاله الي الشواطئ لتصوير قصص البنات والصيف، ومنها فيلم (أبي فوق الشجرة) المأخوذ أيضا عن قصة لإحسان عبد القدوس الذي تدور أحداثه عند شاطئ المنتزه، وفي كباريهات شارع الكورنيش بالأسكندرية.
في الفيلم بدأ كأن هناك حالة خاصة من تقديس قصص البنات والصيف، فهناك مجموعة من شباب الجامعة يذهبون معا الي المصيف ولعل الأستعراض الخاص بـ (دقوا الشماس) هو أبرز احتفائية بهذه الظاهرة.
إقرأ أيضا : هدى العجيمي تكتب : عن فجر السينما المصرية يتحدثون
فالتصييف نوع من شرف العضوية، وهو حالة من الأمل المنشود لدي الشباب، يمكنك أن تحب زميلتك، لكن ممنوع الخروج علي ناموس الجماعة، باعتبار أن (عادل) الذي جسده عبدالحليم حافظ وقع في غرام ابنة ليل من اللائي يكسبن أموالهن من جيوب الباحثين عن اللذة.
كما ظهر الشاطئ في هذه الفترة في أفلام أخري منها (معسكر البنات) إخراج خليل شوقي الذي تدور أحداثه في المعمورة الشاطئ المجاور للمنتزه.
الأسبوع القادم نستكمل رحلة شواطئ مصر مع السينما