رحيل (ياس خضر) .. صوت العراق المشغول بالشجن والمطرز بالحزن!
كتب: أحمد السماحي
أمس الجمعة كان يوما شديد الحزن على الشعب العراقي، حيث رحل في صباحه المبكر الشاعر المبدع كريم العراقي، وفي نهايته ومع بدايات اليوم السبت رحل المطرب (ياس خضر)، عن عمر ناهز الـ 85 عاما، بعد أيام صعبة قضاها بين عدة مستشفيات إثر مشاكل في الرئة والقلب.
رغم سنواته التى تعدت الثمانين كان لدى (ياس خضر) شغف وحب للحياة وظل يغني حتى قبل دخوله المستشفى، ولم يعلن اعتزاله، وظل يغني مع حفيده (عهد) لتشجيعه ومساندته.
وقد نعاه وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكّاك البدراني، قال فيه: (كان للراحل أثر كبير تركه في المشهد الغنائي العراقي، بكلمةٍ صادقة ولحنٍ أنيق، وصوت يصدح في سماء الطرب العربي، أصبح من خلاله صوتاً للأرض ورسالة فنيّة الى كل العالم).
إقرأ أيضا : العراق يغير قوانينه بسبب “أم كلثوم” !
ونعاه رئيس الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي، المايسترو علاء مجيد، قائلاً: (نم قرير العين أبا مازن الحبيب)، مكملاً: (وداعاً ياس خضر).
كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع صوراً ومقاطع فيديو لمجموعة من أغاني (ياس خضر)، فضلاً عن نعيه بمنشورات تحمل بعض كلمات أغانيه المفضلة لدى جمهوره الواسع.
(ياس خضر).. طارد للملل
ملأ (ياس خضر) حياتنا بكل ما هو شجي وجميل وأضاء مصابيح كثيرة في ظلام حياتنا، كنت كلما مللت من صخب أغنيات هذا العصر، أفتح مكتبتي الموسيقية وأخرج منها ألبوماته وأستمع إلي أغنياته لساعات، حيث تميز في الأغاني الطويلة المشحونة بالطرب.
ثم أعود لحياة الصخب التى نعيشها وأنا قرير النفس، هادئ البال، شاعرا بأنني غسلت روحي بعد الاستماع إلى صوته المليئ بكل شجن وحزن العراق النبيل.
صوت (ياس خضر)
صوت ياس خضر، صوت كبير عذب وكأنه نبع للماء الصافي، ماء رقراق فيه الوضوح والصفاء وهو ما يبدو على طريقة أدائه، ومخارج ألفاظه الشديدة الوضوح، وتعبيره السخي، فهو صوت قادر متميز المعالم.
كان صوت ياس خضر قوي في أكثر من اتجاه، فالجوابات فيه متينة، والقرارات عنده محكمة، والمناطق الوسطى لديه غنية التعبير فيها حلاوة وعذوبة، وعندما يندمج في الغناء بإحساس يتمكن هذا المطرب من التعبير عن حبه لمن يغني لهم.
(ياس خضر) قارئ القرآن
نشأ (ياس خضر) في كنف عائلة دينية، رحل والده وهو طفل وربيته والدته وشقيقه الأكبر، بعد سنوات في المدرسة ترك الدراسة وهو في المرحلة الثانوية.
بدأ (ياس خضر) مشواره كقارئ قرآن، وأتقن تجويد القرآن، ومخارج الحروف، لكن سرعان ما تحول إلى الغناء الريفي، عندما غنى في أحد الأفراح أغنية (الهدل) الريفية التراثية، وسمعه مدير الإذاعة العراقية وأعجب بصوته، وطلب منه تقديم مزيد من الأغنيات الريفية.
إقرأ أيضا : بعد مغازلتها العراق .. (إليسا) تغني فى أربيل
وكتب شهادة ميلاده كمطرب في نهاية الخمسينات من خلال الأغاني الريفية، بعد لقائه الأول بالملحن محمد جواد أموري حيث أنتجا أغنية (الهدل) عام 1958 التي بثتها الإذاعة، وتم طرحها على أسطوانه، وتحول بفضلها إلى نجم للغناء العراقي.
وأثناء ذلك تتلمذ على يد المرحوم الموسيقار الكبير(جميل بشير) واستمريغني الأغاني الشعبية الريفية إلى أن غير لونه الغنائي إلى اللون العاطفي (المودرن) وارتدى الملابس العصرية، وأصبح أحد سفراء الأغنية العراقية المعتمدين في العالم والوطن العربي.
(ياس خضر).. حسافة وتايبين
قدم العملاق (ياس خضر) مجموعة كبيرة من الأغنيات أشهرها (ياليلة من ليل البنفسج) كلمات الشاعر الكبير مظفر النواب وألحان طالب القرة غولي، بعدها استمر تعاون (خضر، والقره غولي) ليقدما (مرينا بيكم حمد) للشاعر النواب أيضا، ثم (إعزاز) للشاعر زامل سعيد فتاح صاحب، والتي أجادها (ياس خضر) لتلقى صدا واسعا وتطبع في ذاكرة العراقيين.
(ياس خضر) .. ليل الوداع
توالت الأغنيات التى تمثل محطات مهمة في مشوار (ياس خضر) منها (لو تزعل، تايبين، جذاب، يا ولدي، دوريتك، وداعا يا حزن، مجروحين، أجا الليل، هم رجع قلبي يحن).
وقدم الراحل العديد من الألبومات الغنائية الناجحة، منها ( كنا بفرح) الذي تضمن (شهرين مرن، غالي حبكم، كنا بفرح، موال وهم هم، اصبر يا جرح).
وقدم أيضا ألبوم (وداعتك) الذي تضمن (صحبتكم كذب، أنا هواي تعبني، أنا على نيتي، وداعتك، وسط الجوبي، موال وراهم، ايد مو عشرة وياك، موال وطرها عشرتك).
وكان آخر ألبومات (ياس خضر)، هو ألبوم (ليل الوداع) في عام 2010، والذي تضمن (ليل الوداع، الكلام العذب، قلبي غني، يشوفني الخلك، مواويل منها يا رحلين، ونادي، جفنها)، كلمات وألحان كريم اللامي، كما تضمن الألبوم أيضا أغنية (مو بيدي) كلمات كريم الدراجي، ألحان عباس حسن.
كلمة أخيرة
غادرنا (ياس خضر) بالجسد ولكن أعماله ستظل باقية ، ولن ينساه أحد وسيظل تراثه الغنائي خالدا مع الزمن، وسيبقي ياس خضر أبد الدهر في قلب ووجدان كل عربي ذواق للطرب الأصيل.