كتب: محمد حبوشة
العامل الرئيسي في معادلة المسلسلات التركية يكمن فى أن تلك الأعمال تبدو متنوعة داخليا، وتعتمد على الحكى المتنوع باعتماد طرق عدة لمتابعة المسلسل من أى مكان تشاهده فيه، ومن أى حلقة، وليس بالضرورة من البداية، ومثال ذلك مسلسل ماذا لو!، الذي يغلب عليه الطابع الرومانسي بخليط من الكوميديا بالتراجيديا مع قدر لابأس به من الإثارة والتشويق، ولعل أكثر ما يجذب المشاهد العربى لتلك المسلسلات هو تفاصيل الحياة فى تركيا، والتى يتم تصويرها فى أجواء تتمتع بمناظر طبيعية وديكور، بجانب أزياء الممثلين، والذى يتم التعامل معه بحرفية شديدة فى الاختيار.
كما أن الذى يشجع على مشاهدة الدراما التركية على المستوى العربي هو تقارب الثقافات والعادات والتقاليد كدولة إسلامية مع عادات وتقاليد الدول العربية، وذلك هو العامل الذى كثيرا ما شجع العرب إلى السفر إلى هناك بعدما ظهرت تلك العادات والتقاليد من خلال الدراما المقدمة، بالإضافة إلى عنصر الإبهار البصرى فى التصوير والإخراج، وفى غفلة من هذا التصاعد الدرامى العربى المتباطئ، جادت الدراما التركية على المنطقة العربية بكل ما تحمله قريحتها من انفتاحٍ غربى بأيد شرقية وقصص غرامية ومشاهد رومانسية أضعفت مقاومة المشاهد على الصمود أمامها، حيث تنقل له هذه البطولات الرومانسية وتجسد قصص روميو وجولييت بالصوت والصورة، والإحساسِ والنشوة أيضا، لكنها تغلف هذه القصص بثوب النصب والاحتيال كما جاء في مسلسل ماذا لو؟!.
ماذا لو!.. إبهار الصورة
تدور أحداث مسلسل ماذا لو! حول (آتش/ كرم بورسين)، شاب ثري وثائر يضطر للعودة إلى إسطنبول إثر وفاة والده، ويقابل في ليلة وصوله العروس المزيفة (ليلى/ حفصة نور)، والتي تبحث في الحقيقة عن عائلتها، والتي تمضي ليلة الزفاف المزعوم في الفندق نفسه الذي يملكه (آتش)، وتحدث بينهما مواقف عديدة ونزاعات طريفة، تفرقهما صفعة من (ليلى) على وجه (آتش)، ثم يجمعهما القدر مرارا وتكرارا، فعندما يعود (آتش) إلى منزل الطفولة تنفيذا لأحكام وصية والده، يلتقي بـ (ليلى) مرة أخرى التي تنتحل صفة المربية الغامضة لأخوته غير الأشقاء.. نظريا، هو لقاء شخصين لا يفترض أن يجمعهما شيء، لكن سيعتبر كل من (آتش) و(ليلى) أن لقاءهما غير حياتهما تماما.
(آتش وليلي) ثنائي جديد بدأ الجمهور يتفاعل معه في مسلسل ماذا لو؟!، فأغلب المسلسلات التركية الصيفية التي تكون رومانسية كوميدية يخرج منها ثنائيات يحبها الجمهور ويحصل النجوم فيما بعد على جوائز عديدة، المسلسل من بطولة كرم بورسين وحفصة نور، وكرم بورسين عرفه الجمهور العربي من خلال مسلسلات عديدة آخرها مسلسل (أنت أطرق بابي) الذي حقق نجاحا كبيرا، ومن كتابة (كبرى سولون) التي قدمت أعمالا كثيرة، منها: (العشق الفاخر، كذبتي الجميلة، وإخراج علي بيلجين، مخرج مسلسل (القضاء).
إقرأ أيضا : تفوق الدراما العربية يوقف زحف المسلسلات التركية
وكرم بورسين ممثل تركي مواليد 4 يونيو عام 1987، بدأ حياته الفنية في هوليوود، حيث شارك في بطولة خمسة أفلام هناك، اشتهر في تركيا وعربيا من خلال مسلسل (ما وراء الشمس) الذي عرض عبر قناة mbc، قدم بعدها مسلسلات منها (مسألة شرف،الثنائي العظيم) وآخرها (أنت أطرق بابي)، أما حفصة نور ممثلة تركية شابة ولدت في 20 مارس 2000، بدأت التمثيل عام 2018 من خلال مسلسل (جولبيري) كما شاركت في مسلسلات (الحب يجعلنا نبكي، فوضى عارمة،الصيف الأخير، بيني وبين الدنيا).
ماذا لو!.. إثارة وتشويق
لا أنكر أن مسلسل ماذا لو! تتسم أحداثه بالإثارة والتشويق، ويقدم حالة من الرومانية العذبة التي يستمتع بها المشاهد بلا شك، لكنه يرسخ للنصب والاحتيال، تماما كما جاء في مسلسل (بـ 100 وش) المصري الذي عرض منه جزء أول، وطالب الجمهور بجزء ثان، لكن صناع العمل أدركوا خطورة الرسائل السلبية التي يمكن أن تتضمنها الأحداث، ومن ثم لم يستجيبوا لدعوات عمل جزء ثان خشية أن تؤثر ظاهرة النصب والاحتيال على الجمهور العربي، على عكس مسلسل ماذا لو؟!، الذي لطالما كانت تركيا الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، معشوقة العرب والمغاربة، يقصدها المنبهرون بمشاهد المسلسلات التركية، واللاهثون وراء مجد التاريخ وأيضا الراغبون في اعتناق جمال الطبيعة الفاتنة، لكن بعض المشتغلين في المجال السياحي يفسدون عطلة القادمين إليها وينغصون عليهم رحلتهم، بسبب تعرضهم للنصب والاحتيال.
إقرأ أيضا : اقتباس الدراما العربية من مسلسلات تركية .. آفة عصرنا الحالي!
لكن على مايبدو أن مسلسل ماذا لو!، بدأ جولة جديدة من دراما الترويج للنصب والاحتيال على جناح الرومانسية المصحوبة بالإثارة والتشويق بطابع كوميدي، بعد أن اقتحمت المسلسلات التركية الدول العربية من المحيط إلى الخليج من جديد، انتقلت شعبيتها إلى دول أخرى وباتت تنافس المسلسلات الأميركية من حيث الشعبية، فضلا عن العائدات الضخمة التي تجنيها، وأصبحت المحطات التلفزيونية في الشرق الأوسط والبلقان وآسيا الوسطى تزخر بالمسلسلات التركية التي تسجل نسبا قياسية من حيث عدد المشاهدين، متقدمة على المسلسلات الأميركية والمصرية والأميركية اللاتينية.
ماذا لو! وتوظيف الأموال
جدير بالذكر أنه على غرار ماذا لو!، شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة حوادث احتيال متعددة تحت دعوى توظيف الأموال، وقد عالجت الدراما والسينما تلك الظاهرة، واستشرفت كثيرا من الأحداث والطرق الخاصة بالمحتالين على مدى سنوات طويلة، وعلى الرغم من أن الدراما وأفلاما سينمائية مختلفة كشفت عن كواليس النصابين، وطرق عملهم وأساليبهم المختلفة، فإن الناس ما زالوا يسقطون ضحايا لهم، بل يقبلون على مشاهدة هذه النوعية من المسلسلات والأفلام السينمائية التركية الجديدة دون إدراك أو في غيبة من وعينا لانعي ذلك الأثر السلبي الذي ترسخ له.
وكما هو معروف تناول الفن في مصر ظاهرة النصب بأشكال كوميدية أحيانا ودرامية وتراجيدية أحياناً أخرى، وغلب التشويق على معظم هذه الأعمال، فظاهرة الاحتيال تتطور وتتجدد، ما جعلها مصدر إلهام للمبدعين، وتزخر الشاشة العربية بأعمال بعضها سبق الواقع، منها فيلم (العتبة الخضراء)، الذي سجل حضوره القوي في تاريخ السينما المصرية، بطولة (إسماعيل ياسين وصباح وأحمد مظهر)، وفيه يوقع النصاب الأرستقراطي بضحيته القروي، الذي أوهمه ببيع العتبة الخضراء وميادين القاهرة له.
ويبدوا واضحا أن مسلسلات مثل ماذا لو!، يؤكد أن مسلسلات السرقة والنصب تلقى نجاحا كبيرا، وتمتلك جاذبية غريبة قد لا تتناسب مع بشاعة الجريمة ووجود ضحايا وأبرياء، وهناك أسباب كثيرة لفكرة جاذبية ونجاح تلك الأعمال في معظمها، وهي أنها تجعل المشاهد شريكا فيها، وفي التكنيك والذكاء والتنفيذ وهو في مقعده، وتجعل المتفرج واحدا من أفراد العصابة فهو يتابع بشغف العملية، ويتمنى لو ينجح المحتال في تنفيذ مخططه، وهذا الاندماج من المشاهد يكون في الغالب ناتجا من ظرافة وذكاء شخصية بطل العمل، وتقديم الفن حبكة قوية توضح المبررات والأسباب، تماما كما جاءت أحداث ماذا لو على جناح الشغف.
شغف المشاهد بمسلسل ماذا لو!
ومن هنا فإني لاحظت شغف المشاهد المصري والعربي، خاصة الشباب بمسلسل ماذا لو!، حيث يتعاطف المشاهد مع تلك النماذج بغض النظر عن أفعالها، بل ينظر للضحايا على أنهم أغبياء، وربما طامعون في الثراء السريع والسهل، بالتالي فالتعاطف النفسي للمشاهد ينحاز للأذكى والأقوى بحكم نفسية المتفرج الذي يتوحد بشكل أكثر مع البطل الذكي وليس الطامع الغبي، ومن ثم خلقت الدراما التركية الجديدة بشخصيات المحتالين على الشاشة عالما متكاملا من التفاصيل جعل المشاهد يستوعب أسباب الجاني ويبرر له أحيانا كثيرة، وهذا هو سحر الفن الذي يشكل وجدان من أمامه ولا يحاكي الواقع، بل قد يغيره ويقلبه إذا استدعت الضرورة الدرامية والروح الإبداعية، والانتصار دائما للخيال والحنكة في تقديم العالم الموازي الذي يسعد المتفرج سواء هذا العالم يضج بالمحتالين أو غيرهم.
وأخيرا: علينا أن نتبه لخطورة مسلسل ماذا لو!، وغيره من هذه المسلسلات التي تلقى رواجا كبيرا في المجتمع العربي الذي يعاني غالبيته ظروفا اقتصادية صعبة، ولعل هذه النوعية من الدراما التركية تداعب خيال الطامعين في الثراء على حساب القيم والتقاليد والمعتقدات الدينية التي تخاصم النصب والاحتيال وجرائم السرقة والاستيلاء على فلوس الناس الذين مازلوا يتعلقون بالمستريحين، أولئك الذين ينشطون في ظل الدولة الهشة التي لا تفعَل وسائل الرقابة والملاحقة التي استشرت في استحلال المال العام، ولا أستبعد أن تتحول قصة (طائرة زامبيا) إلى مسلسل درامي يحكي لنا تفاصيل حفنة من الفادسين الذين لم تتكشف هويتهم حتى الآن، ومن ثم تتحول الدراما للترويج للصوص المال العام على أنها نوع من الشطارة والذكاء!