كتب: محمد حبوشة
لا توجد مهنة، صغيرة كانت أم كبيرة، لا تؤثر في مصالح المجتمع، أي مجتمع وقيمه، سلبا وإيجابا من خلال الالتزام بأخلاقيات المهنة أو انتهاكها، وبتعريف بسيط وشامل أتوجه به إلى المغني المصري عمرو دياب، فإن أخلاقيات المهنة تمثل مدى التزام الموظف بواجباته الوظيفية كما يحددها القانون، إذ إن القانون يقيد أداء كل موظف أو صاحب مهنة بقواعد أساسها المصلحة العامة وعدم الإضرار به مع سبق الإصرار والترصد.
إقرأ أيضا : رحيل زياد فقوسه.. قصة جحود (عمرو دياب) مع صاحب الفضل عليه !
وأقول للمغني وليس المطرب عمرو دياب: مهنة الصحافة لا تشبه أية مهنة أخرى، لأنها في اتصال دائم مع الناس أينما كانوا وعلى مدار اليوم، وهى التي تصنع الرأي العام وتقوده لا أن يتم توجيهها من جانبك، وإذا كانت هذه المهنة على اتصال يومي مع المواطن، فإن الصحافة تبقى كخطوة مهمة لأساس دولة حقيقية يكون الانسان فيها قيمة عليا ويكون النقد الغنائي فيه لايمثل جريمة مخلة بالشرف، فعليك أن تتوقف عن تلك المهزلة التي حدثت في بيروت عشية الأحد 20 أغسطس أي قبل يومين، ويعتبر سؤال التجديد أهم الأمور التي يطرحها المستمع العربي والمتتبع لمستجدات الموسيقى، فالفنان دائما ما يجد نفسه بين مطرقة المتحول وسندان الثابت، فهو يرغب في مواكبة التحول والتطور الحاصل في سوق الغناء من جهة وفي الحافظ على النجاح والهوية الفنية الخاصة به من جهة أخرى، ومن ثم ينبغي أن يتقبل عمرو دياب وأمثاله للنقد مهما بلغ مداه، لأنه بالأساس يقوم أدائه في كل وقت وحين.
استهجان ضد عمرو دياب
كانت أثارت الشركة المنظمة لحفل الفنان المصري عمرو دياب في لبنان قبل يومين، حالة استهجان واسعة في الوسط الإعلامي، بسبب الشروط التي فرضتها اللجنة المنظمة على الصحفيين، من أجل السماح لهم بتغطية السهرة الغنائية، وسادت موجة كبيرة من الغضب بين الصحفيين في لبنان، خلال الساعات الأخيرة قبل الحفل، بعد تلقيهم دعوات مرفقة بتعهدات عليهم توقعيها، كشرط لحضور حفل النجم عمرو دياب، التي أقيمت مساء السبت وسط العاصمة بيروت بحضور حوالي 15 ألف شخص من اللبنانيين والعرب.
الانتقاد جاء ردا على التعهد الذي أرسل مرفقا بدعوات إلى صحفيين لحضور حفل عمرو دياب في بيروت، يمنعهم من انتقاد الحفل تحت طائلة حذف مقالاتهم، في سابقة لم تحدث من قبل.
نص تعهد عمرو دياب
وأرسلت الشركة المنظمة، في سابقة لم تعهدها الحفلات الغنائية في لبنان، رسالة إلى الصحفيين، كتعهد من أجل التوقيع عليه والالتزام بموجبه بعدم التصوير أو إجراء مقابلات مع المغني كما يلزم الصحافيين التعهد بعدم انتقاد الحفل، أو الشركة المنظمة، أو الإساءة لعمرو دياب، وأكدت الشركة أنه في حال عدم التقيد بالشروط فإنه سيكون من حقها المطالبة بحذف أي مقال أو تصريح منشور أو متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، دون الحاجة لأي إنذار أو مراجعة القضاء.
إقرأ أيضا : ثورة المصريين على إعلان (عمرو دياب) عن البريد المصري !
أحدثت هذه الشروط حالة غضب في الوسط الصحفي، حيث رفض العديد من الصحفيين، ووسائل الإعلام الموافقة والتوقيع عليها، وعلق نقيب المحررين الصحافيين في لبنان جوزيف القصيفي على ما جرى فقال: (هذه القضية تطرح للمرة الأولى في لبنان، خصوصا من قبل فنانين عرب وأجانب، وتابع: (في مثل هذا الحدث الفني القدير والذي تحتاجه بيروت لتعيد الفرحة للمواطنين كان من حق الزملاء الصحافيين الحضور والكتابة والتصوير دون شروط)، وأضاف: (أؤيد تأييدا تاما وغير مشروط كل ما اتفق عليه الزملاء المعنيين حيال هذا الحدث)، وختم: (حدث فني بهذا الحجم يجب أن يكون مباحا لتغطيته للصحفيين دون ترتيبات لأنه يعكس صورة لبنان السعيدة).
ساءني جدا ما تناولته الصحافة اللبنانية من جانب الزملاء الذين قاموا بتكسير الهضبة على رأس عمرو دياب الفنان المصري الشهير في عالم الغناء الحديث، حين قال بعضهم أن عمرو (كبرت الخسة) برأسه على اللبنانيين الذين يحترمون كل النجوم الذين يأتون للغناء في لبنان مقابل مبالغ مالية طائلة وهو منهم، حيث لم يأت استعطافا على الشعب ولا على دولة لبنان وعلى على الاعلاميين اللبنانيين ولا على الصحافيين، وقال آخر: (عمرو يعتقد نفسه بمثابة فيروز أو وديع الصافي أو حتى شاكيرا ويحتاج لأشواط لا بل لسنوات ضوئية حتى يصل إلى شهرتهم أو احترامهم للصحافة وللشعب المضيف.
وقال ثالث: عمرو لم يأت الى لبنان منذ أكثر من 12 عاما، وحين عاد أخذ كامل مستحقاته وأكثر مما يستحق حتى!، ولم يكتف بعشرات الآلاف من الدولارات بل وضع شروطا مضحكة لم نقرأها مرة، ولم يتجرأ أي فنان عربي كان أو عالمي على الموافقة عليها أو كتابتها، متعهد حفل دياب طلب من الصحافيين، بالاتفاق مع عمرو طبعا، الذين دعاهم مجانا إلى الحفل على التوقيع على تعهد يمنعهم من التصوير أو إجراء مقابلات مع المغني المصري، كما يلزم التعهد الصحافيين على عدم انتقاد الحفل او الاساءة لعمرو دياب ومعه الـ DJ Rodge تحت طائلة مسؤلية حذف المقال او الفيديوهات.
عمرو دياب يفقد ذكاءه
لكن يبدو أن عمرو دياب فقد ذكاءه المعتاد هذه المرة، ولم يدرك أنه يمثل مصر العظيمة بفنها الغنائي الراقي، رغم أنه غنى باقة من أجمل أغانيه من وجهة نظر محبيه، منها: (لو اتساب، بحبه، وياه، اللي عدى، تملي معاك، قمرين، نور العين، ليلي نهاري، انت الحظ، برج الحوت، شوقنا، ميال، الماضي، وهتتدلع)، وبالمنسبة كل هذه الأغاني التي تستحوذ على رضا كثير من الجمهور لاتطربني على الإطلاق، بل أعتبرها ركاكة غنائية في زمن الفوضى العارمة في ساحة الغناء، وأظنها لن تبقى كثيرا في ذاكرة الجمهور الذي مازال يستدعي أغاني (أم كلثوم، عبد الحليم، فيروز، وديع الصافي، فايزة أحمد، نجاة، محمد قنديل، محمد رشدي، محرم فؤاد، وصولا إلى علي الحجار، محمد الحلو، مدحت صالح وأنغام) وغيرهم، عبر أغنيهم التي تشنف الأذان بروعة الإحساس ودفء المشاعر.
وأحيل عمرو دياب إلى تعرض عبد الحليم حافظ لحملة إعلامية قاسية جراء ما حدث في حفل قارئة الفنجان، واتهمه بعض الصحفيين بالتكبر على جمهوره الذي صنع شهرته ومجده، حتى قال بعضهم بتهكم: (ابنك يعيط يا عبدو)، هكذا سخر بعض الجمهور من المطرب الراحل عبد الحليم حافظ عندما صعد على خشبة مسرح نادي الترسانة في القاهرة في ربيع عام 1976، ليشدو بقصيدة الشاعر السوري نزار قباني (قارئة الفنجان)، وألحان محمد الموجي، وهى آخر أغنية له قبل وفاته في 30 مارس عام 1977.
صعق عبد الحليم بهذا الاستقبال غير الودي له رغم المجهودات الكبيرة التي بذلها لتخرج الأغنية لهم بالمستوى اللائق على مدار عدة سنوات وتعرضه للنزيف عدة مرات جراء ذلك، وفوجئ بنكران الجميل الذي قابلها به جمهوره بعد أن أسعدهم وشاركهم أتراحهم ومسراتهم على مدار أكثر من ربع قرن، حاول عبد الحليم أن يتمالك نفسه بادئ الأمر وطلب من الجمهور التزام الهدوء والتوضيح لهم أن كلمات القصيدة صعبة، من دون أن يجدي ذلك نفعا معهم، لكنه استمر في محاولة تهدئتهم والتأكيد لهم أن الميكروفون يعمل ولا مشكلة فيه لمن ادعى أنهم لا يسمعون ما يقول.
عبد الحليم يرد على منتقديه بأدب
وفي المقطع الثاني للأغنية، توقف العندليب عن الغناء فجأة بسبب استمرار الفوضى من بعض الحاضرين وتصفيرهم ورقصهم، وقال لهذه المجموعة بعصبية شديدة (بس بقى، أنا أعرف أصفر وأزعق زيكم، وراح يصفر لهم)، وقد تعرض حليم لحملة إعلامية قاسية نتيجة لذلك، واتهم بعض الصحفيين العندليب الأسمر بالتكبر على جمهوره الذي صنع شهرته ومجده، وحتى عندما كان حليم في أيامه الأخيرة على فراش المرض في لندن، هاجمه أحد الصحفيين واتهمه بالتظاهر بالمرض لكسب عطف الجمهور، الأمر الذي سبب له ألما وحزنا كبيرين.
حاول حليم الدفاع عن نفسه في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي طارق حبيب في برنامج (أوتوجراف – صيف 1976)، وأكد أن سبب ما فعله إصدار عدد من الجمهور أصوات مرتفعة وإطلاق صوت صافرات ومقاطعته عند بداية غنائه للقصيدة، مضيفا أن الذي عمله كان فقط ضد 20 أو 25 شخصا كانوا مدسوسين على الحفلة، لافتا إلى أنه صبر كثيرا وحاول تمالك أعصابه حتى لا يرد برد غير لائق عليهم، إلا أنهم استمروا في رفع صوتهم ومقاطعته، وأوضح عبد الحليم أنه في السابق كان بعض الحضور يثيرون الفوضى خلال حفلاته، لكن ما إن كان يطلب منهم السكوت حتى يصمتوا، وهو ما لم يحدث في حفل (قارئة الفنجان)، وتابع: (واحد جايبلي بدلة وراسملي فنجان قهوة هنا وفنجان قهوة هنا، وما يرمز له ذلك من سخرية منه ومن الأغنية، كما استنكر سخريتهم منه عندما يشرب الماء أثناء الغناء، قائلا إنه يتناول دواء يسبب له نشفان الريق ويضع الماء بجانبه خلال الحفلات.
عبد الحليم يعلن استياءه فقط
وأعرب عبد الحليم خلال اللقاء عن استيائه من بعض الصحفيين المصريين الذين هاجموه بشدة بعد ما فعله في الحفل، مضيفا: أنه لا يذكر أنه قرأ في أي مجلة لبنانية أي كلمة سيئة عن فيروز أو وديع الصافي، بل على العكس كانوا يقدسوهم)، ولم يوقف هذا اللقاء التلفزيوني الهجمة الإعلامية، وزادت معاناة عبد الحليم عندما سخر منه المونولوجست المصري سيد الملاح عندما قلده بشكل مهين على الهواء مباشرة، وأخبر الناس أن عبد الحليم صار عدوهم ويريد تأديبهم، فصفق الناس له بحرارة، وهو ما صدم عبد الحليم الذي رأى أن ما قدمه طوال ربع قرن ذهب هباء.
أين عمرو دياب من هذا النقد الموجه لعبد الحليم؟، وأين عقله الواعي؟، غالبا ما نسمع عبارة: (عمرو دياب فنان ذكي) من محبيه، وهى فكرة ربما تكون صحيحة، فهو على مدى مراحل متفرقة من مشواره، استطاع أن يستفيد من التجارب التي يمر بها وهذا منذ بدايته، فبعد تجربة الأغاني المتأثرة بالمواضيع الجدية والموسيقى الغربية في (يا طريق)، انتقل لموسيقى تلمس المستمع كمغني بوب مصري، وكانت تجربة ملاهي شارع الهرم مهمة كما يقول هو، فقد عرف حينها معنى الـ hit، ومعنى أن تواكب وتلامس أذواق شريحة مختلفة من المستمعين، ومعنى أن تكون مطلوبا.
فطن عمرو دياب بعدها إلى أن الفنان يجب أن يختفي وراء عمله الفني، وألا يجيب الآخر إلا به، وهى فكرة عميقة نجدها كذلك عند كبار الكتاب الذين يتبنون هذا المبدأ (كميلان كونديرا و موريس بلانشو)، وبهذا صار عمرو دياب مقلا من حيث الظهور الرسمي، كذلك فإنه عرف ضرورة تواجده في أي شيء قد يخدم تجربته الموسيقية، فكانت السينما ملاذه مقدما ثلاث تجارب سينمائية مهمة؛ أولها واحد من أشهر أفلام الأطفال في الوطن العربي (العفاريت)، وآخر يعتبر من أهم الأفلام الغنائية المصرية (آيس كريم في جليم)، بالإضافة لتجربة مهمة بالنسبة إليه جمعته بالأسطورة عمر الشريف (ضحك ولعب وجد وحب).
عمرو دياب جانبه الصواب
ولأنه رأى أن السينما لن تقدم له جديدا اتجه للفيديو كليب، وهو ما نجح فيه في تجارب (راجعين، نور العين، عودوني، تملي معاك) على سبيل المثال، سنجد كذلك أن عمرو دياب الذي يطلق عليه (الهضبة) – التي تكسرت على رأسه قبل يومين في بيروت) – اختار توقيتا مناسبا في كل مرة لتغيير الشركة المنتجة، وحتى طريقة إصدار الألبوم تغيرت، وبالرغم من أن البعض يرى أن نزول الألبوم على شكل أغاني منفردة يؤثر على المنتج الفني، لكنها وبمنطق السوق تمكن للفنان من الاستمرار في الإنتاج وتوفير الموارد المالية ليشتغل مع كبار الشعراء والملحنين والموزعين والعازفين، إذن لماذا يخاف عمرو دياب من النقد ويوجه فرمانا للصحفيين اللبنانيين بعدم المساس بحفله أو به شخصيا، وهو الذي تأخر 12 عاما؟!
أين الحكمة والالتزام الإخلاقي التي تمتع بها كبار النجوم في عالمنا العربي من عمرو دياب الذي هدم معبده على نفسه وأجبر صحفي لبنان من تكسير هضبته على رأسه بعد أن بلغ الستين ويزيد، حتى يهتز إلى هذا الحد الذي أدى إلى مهزلة حقيقية، ومن ثم لابد لنقابة الموسيقيين من خضوعه للتحقيق والتثبت من قواه العقلية التي على مايبدو فقدها في ظل الشفونية والغرور الذي يعانيه والعبث بمقدرات نجومية اكتسبها من كتابات صحفية نالته بالمدح طوال الوقت، ولم توجه له لوما على ركاكة الكلمات التي يغنيها والألحان المستهلكة، بل على العكس توجته على رأس الهرم الغنائي لتسحب عليه صفة الهضبة!!!