كتب : أحمد السماحي
أول أمس انتهت الدورة السادسة عشر للمهرجان القومي للمسرح كما بدأت! ولفت نظري بعد إجرائي كثير من الحوارات مع النجوم الذين كرمهم المهرجان، أن كثير منهم تباكى على ضياع ذاكرة مصر المسرحية، وذلك لعدم تصوير كثير من أعماله المسرحية، وشعر أن جزء من تاريخه الفني ناقص بسبب عدم وجود هذه الأعمال في أرشيفه، خاصة أنها تمثل مراحل مهمة في حياته، وبعضهم ذكر أنه قدم أدوارا مسرحية مهمة للغاية، وربما تكون أهم مما قدمه في السينما والدراما التلفزيونية!، ومن ثم طلب منا كثيرون منهم فتح قضية عدم تصوير العروض المسرحية.
ذاكرة مصر المسرحية الضائعة
الحقيقة أن تاريخنا الفني سواء في المسرح أو السينما ضائع ومبدد إلى أقصى حد، وسنتوقف خلال الأيام القادمة مع هذه القضية المهمة للغاية وهي ضياع ذاكرة مصر المسرحية، والسؤال الذي نريد طرحه هل تاريخنا القومي هو تاريخ سياسي واقتصادي وإجتماعي وقانوني فقط؟!، الحقيقة أن تاريخنا القومي يمتد إلى أكثر من ذلك، إنه يشمل جوانب متعددة على رأسها الجانب الفني، إن تاريخنا الفني بالذات هو أضعف الحلقات في كل ما كتب ووثق عنه، لأنه لم يجد حتى الآن أحدا يكتب عنه كتابات جدية إلا فيما ندر كان آخرهم الدكتور والباحث المسرحي عمرو دوارة الذي طرح موسوعة المسرح المصري وهى من وجهة نظري الشصية أهم ما تم انجازه في السنوات الأخيرة في مجال المسرح، أهم من كل مهرجانات المسرح التى تكلف الدولة الملايين من الجنيهات بدون أي استفادة حقيقية للتاريخ الفني المسرحي!.
والمتابع لتاريخ مصر سهل جدا أن يجد مثلا دراسات مهمة عن تاريخنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القرن التاسع عشر، وإن لم تكن هذه الدراسات كافية إلا أنها تسد جانبا من جوانب الموضوع، ولكننا في مقابل ذلك لا نجد شيئا موثقا عن الحياة الفنية في مصر!، فمثلا لا نجد شيئا موثقا عن أمير الغناء عبده الحامولي، الذي ملأ الدنيا في عصره فنا وأفراحا، وكانت حياته مليئة بالكفاح والتجارب المهمة، ومع ذلك فالجمهوريسمع عن عبده الحامولي كما يسمع عن أسطورة غامضة قديمة جدا رغم أنه رحل عن حياتنا في عام 1901!.
مصر بلا ذاكرة مسرحية
في ظني أن إهمال التوثيق الفني يرجع لأن في المجتمعات النامية يخسر الأرشيف القومي للسينما أو المسرح دائما، وتصبح الأولوية لبناء كوبري أو مستشفى أو مدرسة تعبر عن إنجازات الحكومة، أي حكومة!، أما الفن فهو ترفيه وتسلية لا يغضب الجماهير ولا الأحزاب ولا النواب، وفي مصر تتأكل ذاكرة مصر المسرحية والسينمائية، وتضيع مئات بل آلاف المسرحيات، لنصبح بلا ذاكرة فنية ولا أحد يسأل ولا أحد يهتم!، ننفق الملايين سنويا على إقامة مهرجانات سينمائية ومسرحية وغنائية لا يستفيد أحد منها شيئا إلا القائمين عليها وبعض أصدقائهم وأقاربهم وأحبابهم، ولا نصورأعمالا مسرحية مهمة، ولا نرمم فيلما سينمائيا، على الرغم من أن الفن هو الشاهد الأساسي على تاريخ حضارتنا، بسبب تلك النظرة والإهمال الجسيم فقدنا – وما زالنا نفقد – الكثير من ذاكرة مصر المسرحية والسينمائية.
أين وزارة الثقافة؟!
ما يحدث من ضياع لذاكراتنا الفنية يجعلنا نتساءل أين وزارة الثقافة مما يحدث جراء ضياع ذاكرة صر المسرحية والسينمائية؟!، وهل سنظل نتحدث فيما بيننا، ونكتب، ولا مجيب!، دون أي خطوات ايجابية حقيقية، خاصة بعد أن تحللت مئات الأفلام، وضاعت مئات المسرحيات، وحتى لا نبكي على اللبن المسكوب قررنا في (شهريار النجوم) فتح هذا الملف قريبا جدا مع بعض النجوم والمهتمين بذاكرة مصر الفنية، خاصة وأن عدم تصوير الأعمال المسرحية كارثة سيدفع ثمنها الأجيال القادمة التى ربما لن ترى أجمل ما في مسرحنا، ولن تعرف عنا شيئا بعد مرور عدة سنوات، وستتحول الفترة التى عشناها ونعيشها حاليا إلى حلقة مفقودة من الذاكرة إذا لم نبادر بتصوير أعمالنا المسرحية.
أشرف زكي وتجربة شخصية
لابد أن يقوم كل مسرح من مسارح الدولة خلال الفترة القادمة بتصوير عروضه بشكل احترافي وسليم بحيث تحفظ هذه الأعمال، وترسل نسخة إلى المركز القومي للمسرح، وإذا لم يوثق المسرح ستتحول مصر إلى بلد بدون تاريخ مسرحي، وأذكر أنني بحكم حبي للبحث الفني والأرشيف طرحت قضية عدم تصوير العروض المسرحية منذ عشرين عاما من خلال مجلة (الأهرام العربي) ويومها حكى لي الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين حاليا عن تجربة مريرة حدثت معه أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه بسبب عدم وجود أرشيف قومي للمسرح، حيث كانت تتناول رسالته الحركة المسرحية من عام 1960 إلى عام 1982.
وبسبب عدم تصوير معظم العروض التى تناولتها الرسالة اضطر أن يبحث كثيرا، ولفترات زمنية طويلة في قصاصات الجرائد حتى استطاع أن ينهي رسالته، لكن أكيد كانت استفادته – كما ذكر لي – ستكون أكثر في حالة وجود العروض مصورة، حيث كانت ستوفر عليه كثيرا من الوقت والجهد، فضلا على تحليله العروض بنفسه من حيث الإضاءة، والحركة والديكور والملابس والتمثيل، ولا يكتفي بما قرأه.
أهم عروض المسرح لم تصور
المصيبة أنني عندما بدأت أبحث خلال الأيام الماضية عن بعض العروض المسرحية المهمة التى شاهدتها في أول حياتي الصحفية، أو سمعت أو قرأت عنها، والتى قدمها المسرح المصري في السنوات الأخيرة، حاولت أن ابحث عن هذه العروض على (اليوتيوب) أو على شبكة الإنترنت مثل (البهلوان، غراميات عطوة أبومطوة، أنشودة الدم، سعدون المجنون، ليلة من ألف ليلة وليلة، وداعا يا بكوات، الأرنب الأسود، عزبة محروس، عجبي، اللي بنى مصر، الليلة الثانية بعد الألف، اللهم أجعله خير، المحبظاتية، دقة زار، النار والزيتون، كيف تتسلق، عريس بنت السلطان، الكابوس، العار، الشيئ، كلنا عايزين صورة، عيد الميلاد، المملوك جابر، الأيام المخمورة، إتنين في أوفة، زيارة السيدة العجوز، تحب تشوف مأساة، حلم ليلة في أغسطس، بنات جليلة، شكسبيرون تو، شباب يجنن، رفاق الصمت، شفيقة ومتولي، الشيطان يعظ، سالومي، ما أجملنا، مخدة الكحل، بهية وياسين، الطوق والأسورة، وسط البلد، الناس اللي في التالت) وغيرها لم أجدها بسبب ضياع ذاكرة مصر المسرحية.
قناة وزارة الثقافة الهزيلة
وعندما شاهدت قناة وزارة الثقافة على (اليوتيوب) وجدت بعض العروض المسرحية المهمة التى حققت نجاحا جماهيرا كبيرا مثل (رصاصة في القلب) تأليف توفيق الحكيم، وبطولة أنغام وعلي الحجار، وإخراج حسن عبدالسلام، بصورة سيئة للغاية، كما وجدت مسرحية (لولي) تأليف أحمد فؤاد نجم، وبطولة محمد الحلو، وفايزة كمال، وسامي العدل، إخراج مراد منير، بدون صوت في الفصل الثاني رغم أنها واحدة من أجمل العروض الغنائية التى قدمت في العشرين سنة الأخيرة.
ما يحدث في مصر من عدم توثيق وترميم ذاكرة مصرالفنية عيب، وعيب كبير جدا!
ومازالت القضية مفتوحة حول ضياع ذاكرة مصر المسرحية، لمن يريد أن يشارك من نجومنا في كل مجالات الفن.