بقلم الدكتور: كمال زغلول
تتمايز العربية بلغتها الجمالية، فكلماتها دالة على المفهوم والماهية؛ اللذان يحددا الحالة الثقافية والوجدانية لحامليها، ولذلك لا تطلق الأسماء على فنونها اعتباطيا، بل تطلق الأسماء على تلك الفنون وفق مفهومها وطبيعتها وماهيتها، ومنذ وقت قريب تم افتتاح مسرح السامر، ومن الصور المعروضة للافتتاح نجد أنه بناء مسرحي مغلق مثل المسارح العادية، وأطلق عليه اسم مسرح السامر، وهذا الاسم الذي أطلق عليه يوحي بأنه سوف يقدم عروض فنيه شعبية، ولكن لا الاسم له علاقة بالفنون ولا المبني له علاقة بالسامر، ونوضح المفهوم والماهية من السامر العربي، كما عرفه أصحاب الثقافة العربية، فقد جاءت الكلمة في لسان العرب: سَمَرَ يَسْمُرُ سَمْراً وسُمُوراً لم يَنَمْ وهو سامِرٌ وهم السُّمَّارُ والسَّامِرَةُ والسَّامِرُ اسم للجمع كالجامِلِ وفي التنزيل العزيز.
قال تعالى: (مُسْتَكْبِريِنَ به سامِراً تَهْجُرُون)، وقال أَبو إِسحق: (سامِراً يعني سُمَّاراً والسَّمَرُ المُسامَرَةُ وهو الحديث بالليل.. وقيل السَّامِرُ والسُّمَّارُ الجماعة الذين يتحدثون بالليل والسِّمَرُ حديث الليل خاصة والسِّمَرُ والسَّامِرُ مجلس السُّمَّار الليث السَّامِرُ الموضع الذي يجتمعون للسَّمَرِ فيه.. ورجل سِمِّيرٌ صاحبُ سَمَرٍ وقد سَامَرَهُ والسَّمِيرُ المُسَامِرُ والسَّامِرُ السُّمَّارُ وهم القوم يَسْمُرُون، كما يقال للحُجَّاج حَاجٌّ)، ونلاحظ أن معنى السّامر، هو المتحدثون بالليل، إن معنى الكلمة في أساسه يدل على مجموعة من الناس يجتمعون في مجلس للفرجة عن النفس، هؤلاء الناس منهم شعراء ومنهم مغنين ، ومنهم لاعبين بالعصا، ومنهم راقصون يقدمون فنونهم في المجلس، فليس كل الحاضرين فنانين، فهم منقسمون إلي جمهور وفنانين.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: المسرح في مصر القديمة (1)
وهذا هو المعنى لكلمة السامر، أما المكان الذي يجتمع فيه هؤلاء الناس يطلق عليه (مجلس السُّمَّار) أو السامر، بحكم أن الكلمتين لهما نفس المعني، وهذا المجلس هو مكان التقاء السُّمَّار (الجمهور والفنانين)، وهو مكان غير دائم، ولكنه يعد من قبل (السامر ، فقد يكون المكان جرن القمح، ساحة بها عربة نقل أو كارو مثل الخشبة المسرحية أو ساحة أمام منزل أو في الصحراء.. إلخ ، وهو عادة مكان مفتوح ويتم إعداده وتقسيمه إلى قسمين، القسم الأول خاص بفانين العرض والأداء، أما القسم الثاني فهو مخصص للجمهور، وهذا القسم بالذات يعد بطريقة تسمح بحالة المسامرة من بهجة وفرح، فنجد رحابة في المكان تسمح بجعل الجمهور يعبر عن انفعالاته التي تصاحب حالة السم ، وهذا المكان المعد له تأثيرات نفسية جمالية على الجمهور وفانينه، خاصة وأنه متوافق مع نوعية الفنون المقدمة في (مجلس السُّمَّار) ، و للمكان تأثيرات أقوى على الجمهور إذا كان متوافقا مع طبيعة الفنون المقدمة، والمكان في(مجلس السُّمَّار) يمثل بيئة جغرافية طبيعية، خاصة في ضوء القمر.
فنون السامر أو السُّمَّار
فمن معاني السمر في معجم الوسيط (ضوء القمر، وكانوا يتحدثون فيه)، وهذه دلالة خاصة بالضوء المكاني الطبيعي ومدى شاعريته بالنسبة للسُّمَّار خاصة وأنه متوافق مع نوعية الفنون المقدمة في هذا المجلس، ومن سماته أنه مكان غير مقيد بسينوغرافيا مصطنعة، فسينوغرافيا العروض المقدمة يعيشها السُّمَّار بخيالهم من خلال فنونهم التي تسمح لهم بمشاركة الفنانين بوجدانهم وخيالهم ، إذ أن (السَّمَرُ 🙂 هو الحكايات التي يُسْمَرُ بها، فالسَّمَرُ حالة وجدانية بين السُّمَّار يتحقق فيها الخيال والأحساس والشعور الجمعي من خلال السِمِّيرٌ صاحبُ سَمَر – الذي يمكن أن نطلق عليه كلمة فنان في فنوننا الأكاديمية – وهذه الحالة تتحقق من خلال فنون السامر أو السُّمَّار وأهمها السيرة الهلالية.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزوريس في مسرح مصر القديمة (2)
وهذا ما نراه مع شاعر السيرة، فهو يمثل السيرة كاملة، وفي أثناء تمثيلها يتسامر مع الجمهور، بالحديث عن الشخصيات، ويتدخل الجمهور متفاعلا بأحداث قصص السيرة، بالإطالة في بعض أجزاء القصة، وعلى المستمعين للقص أن يتدخل بخياله ليتصور القصة مع شاعر السيرة، وكذلك الصيت يدخل في حلقة من النقاش مع الجمهور ويسامرهم، وفن المحبظين من خلال الارتجال اللحظي بين الجمهور والممثلين، ونحب أن ننوه بأن السامر له تاريخية كبيرة في الحياة العربية، وهو متطور بتطور العصور، وله صنوف وأنواع في معظم الدول العربية، فيوجد السامر الأردني والسعودي والمغربي والمصري .. إلخ ، وهذا هو السامر، فما علاقة اسم مسرح السامر بكلمة السامر، فعند تحليل اسم مسرح السامر، سنجد أن كلمة مسرح دالة على فن من الفنون المسرحية مثل المسرح الكوميدي، أو الطليعي، ولكن عندما تقترن بكلمة سامر فهو يعني أنه مسرح يقدم فن السامر، وهو ليس بفن بل هو مجلس السامر أو السمار، الذي تقدم فيه فنون تعتمد على حالة من المشاركة بين جميع أفراد السامر.
لذلك يجب أن يطلق اسم السامر فقط على هذا المسرح بدون كلمة مسرح، فهي دالة على المكان والفنون والمشاركين (فنانين وجماهير)، وكان يجب أن يكون البناء الخاص بهذا المسرح متفق مع فكرة السامر، فكان يجب أن يكون المكان مفتوح، ويتم تقسمه وفق نوعية الفن المقدم، فيمكن أن تكون المساحة الخاصة بالفنانين دائرية أو مستطيلة أو مربعة الشكل أو مثلثة الشكل، كما نرى في تقسيمات السامر الحقيقية، فعلي سبيل المثال عندما يعرض فن المحبظين يصمم شكل المسرح بخشبة مستطيلة وفي منتصفها ممر خشبي عريض يمتد بين الجمهور، ويتم إخراج العمل على مستويين جزء مشاهد من الجمهور على الخشبة المستطيلة وجزء يتم تمثيله على الممر الممتد بين الجمهور، بما يحقق حالة المشاركة.
السامر والفنون الشعبية
كما يمكن للمخرجين المستلهمين الأعمال الشعبية تقسيم المساحة وفق ما يحق حالة المشاركة في الأعمال الشعبية بين الجمهور والفنانين ، ولذلك يجب أن تكون في مصر أماكن عرض مفتوحة مثل المسرح المفتوح في دار الأوبرا المصرية، حتى يتثنى للمبدع تقديم اعماله وفق تقسيم المساحة التي يراها مناسبة للعرض، ويتم التجديد في شكل العروض المسرحية المستلهمة من الأعمال الشعبية، أو الأعمال غير الشعبية، فما يطلق عليه مسرح السامر هو مسرح مثل أي مسرح موجود، ولايوجد فيه ما يوحي بأنه يقدم أعمال تخص التراث أو الفنون الشعبية ، وحتى إن قدمت عليه أعمال مستلهمة من الفنون التراثية فسيكون عرض عادي لا يسمح بفكرة المشاركة الفعلية وتحقيق حالة السامر المنشودة.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: الدراما المنفية في المسرح المصري القديم (3)
ولذلك كان على مسئولي الثقافة الجماهيرية، وهي قطاع متخصص في تقديم الفنون الشعبية أن يقوموا بدراسة فنية نقدية للسامر، وكان يجب توفير النفقات التي انفقت على هذا البناء فالفنون الشعبية العربية بسيطة في عرضها معقدة في أدائها جميعها تعتمد على المشاهد في إعمال خياله مع الفنان لتتحقق الحالة الوجدانية بين الطرفين وتحدث المتعة الجمالية، ولا تحتاج إلي إنفاق مادي كبير على بناء مسرحي مثل مسرح السامر.