نجاة تتحدث عن رحلة العذاب التى تقوم بها في اختيار أغانيها!
كتب: أحمد السماحي
نجاة تمتلك صوتاً دافئا له القدرة على مس شغاف القلوب في عذوبة، وتمنحك فرصة التحليق في أجواء من الشجن المحمل بالأصالة والطرب الذي ميزها طيلة مشوارها، إلى الحد الذي دفع موسيقار الأجيال (محمد عبد الوهاب) صاحب البصمة الواضحة في مشوارها إلى وصفها بقوله: (صاحبة السكون الصاخب) من شدة إعجابه بصوتها، وهو ما دفعه أيضاً في أحد الأيام بعد أن أكتشفها الكاتب الصحفي فكري أباظة، إلى تقديم بلاغ ضد والدها في قسم شرطة الأزبكية عام 1949 كي يمنعها من الغناء في الحفلات وهي في سن العاشرة خوفاً على جمال صوتها وموهبتها.
نجاة والصدق الفني
نجاة، التى نحتفل خلال الأيام القادمة وبالتحديد يوم الجمعة القادم 11 أغسطس بعيد ميلادها، متمنيين لها الصحة والسعادة، هى التى منحتنا الحب كله، والسعادة كلها عبر مشوارها الفني الذي زينته بحوالي 300 أغنية، وسبعة أفلام سينمائية، على قدر بساطتها المطلقة فإن حدسها الفني كان يقودها دائما إلى كيفية انتقاء كلمات وألحان أغانيها بدقة، لهذا تسربت معاني أغانيها لوجدانا بسهولة ويسر، وتحولت بفضل أدائها الصادق إلى أشعار صادرة من القلب وإلى القلب، وأبسط مثال على ذلك أغنيتها الأخيرة (كل الكلام) التى تغنت بها فأعادت إلينا الطرب كله فى زمن الصخب والفرقعات الغنائية الكاذبة.
نجاة وألبوم النجوم
هذا الأسبوع في باب (ألبوم النجوم) نتوقف مع مجموعة من الصور النادرة للفنانة الكبيرة نجاة، والتى نشرت في (أخبار اليوم) عام 1966 تحت عنوان (متاعب مطربة) قالت فيها: الأغنية التى تسمعها في دقائق وصلت إليك بعد عذاب وسهر وقلق استمر شهورا طويلة، وربما عاما كاملا أو أكثر، طوال هذه المدة وأنا أعيش على أعصابي المشدودة دائما.
نجاة ورحلة المتاعب
تقول نجاة: رحلة المتاعب التى أقوم بها عندما استعد لتقديم أغنية جديدة تبدأ وأنا أختار كلمات الأغنية التى تناسبني وتتمشى مع لوني، والعثور على كلمات الأغنية له أكثر من طريق، فأنا لا أستطيع أن أطلب أغنية معينة تتناول كلماتها فكرة بالذات ثم تقدم لي في اليوم التالي من مؤلفها، إن هذا لا يحدث ولا يمكن أن يتم، بل أن العثور على كلمات الأغنية المناسبة مشكلة كبيرة، أحيانا تعجبني الأغنية كفكرة ولا تقنعني بعض كلماتها، أحس أنها لا تصلح للغناء، أو أن فيها ما يجرح الذوق، أو ما يخدش الإحساس، فأطلب من المؤلف علاجها بكلمات أرق.
نجاة واختيار الكلمة
وتضيف نجاة: أحيانا ينجح المؤلف فأقدم الأغنية، أو لا ينجح فتختفي الأغنية إلى الأبد، وأنا عندما أدقق كل هذا التدقيق في اختيار كلمات الأغنيات التى أقدمها سببه الوصول إلى هدف، وهو إرضاء كل الأذواق والأمزجة، فإذا قدمت أغنية واحدة في سنة لا تحاولوا اتهامي بالكسل فإن رحلة العذاب التى أقوم بها وأنا أعد الأغنية إليك ستعفيني من هذا الاتهام، وإذا عثرت على الكلام المناسب والمعاني التى يمكن أن تدخل قلوب الناس أتوقف لحظات التقط أنفاسي خلالها وأنا أستعد للمرحلة الثانية من رحلة العذاب وهى مرحلة التلحين، وأنا أرتاح وأحب التعامل مع ثلاثة ملحنيين (محمد عبدالوهاب، كمال الطويل، بليغ حمدي) ولنبدأ بالملحن الكبير كمال الطويل.
نجاة وكمال الطويل
ونجاة لها شهادة نادرة لها في حق الموسيقار المتطور كمال الطويل، الذي نحتفي هذا العام بالذكرى المئوية له، حيث تقول: حكايتي مع ألحان كمال الطويل مثيرة! عندما أسمع لحنه الجديد أتأكد تماما أنه لحن متكامل من كل نواحيه، لكني اصطدم وأصاب بخيبة أمل لا حدود لها عندما أشاهد علامات الشك في هذا اللحن بالذات وهى تملأ وجه كمال الطويل ويعلن أنه سيعيد تلحين بعض مقاطع الأغنية من جديد، وكل محاولاتي معه لإقناعه بجمال وعذوبة اللحن تبوأ بالفشل، وتمضي الأيام وتمر أسابيع، وبعدها شهور، وكمال الطويل يعيد النظر في لحنه، وتنتهي هذه الفترة الطويلة بشيئ مذهل، وحقيقة رهيبة، وهى أن كمال الطويل اكتشف كرهه للحن الذي وضعه بنفسه، ويهرب من تقديمه بعد أن يترك في أعماقي أسى وحسرة على لحن جميل!.
إقرأ أيضا : يوسف السباعي يعلن على الجميع حبه لـ (نجاة الصغيرة) في (بروفايل) !
وتستطرد نجاة في شهادتها: وكمال الطويل أحيانا يضع لحن جديد لكلمات أغنية لم تكتب بعد، بمعني أنه يضع الموسيقى مع كلمات من تأليفه هو شخصيا، وعندما يتأكد من جمال اللحن ورضائه عنه، يطلب من أحد مؤلفي الأغاني أن يكتب كلمات بحيث تتماشى مع النغمات الحلوة والجمل الموسيقية التى لحنها، وتخرج الأغنية إلى الحياة كاملة رقيقة.
متاعب نجاة مع الجمهور
وعن رحلة متاعب نجاة مع الجمهور تقول: عندما تنتهي مشكلتي مع الكلمات والألحان وإجراء البروفات أدخل في حلقة جديدة وأخيرة هى رحلة المتاعب مع الجمهور ورهبتي منه، حقيقي أنني أشعر أن العلاقة بيني وبين المستمعين علاقة قوية ومتينة إلا أن هذا لايخفف على الإطلاق من حدة الرهبة التى أعانيها وأنا في طريقي إلى المسرح في كل مرة.
إقرأ أيضا : أسامة كامل يكتب: نجاة الجميلة.. الضوء الشارد!
وعندما أقف أمام الميكرفون أشعر وكأن العالم قد توقف تماما، ويسدل الستار وينقضي ما يقرب من نصف ساعة وأنا أتأمل هل أجدت؟ وهل أديت الأغنية وقدمتها كما يجب؟! ويقترب مني العشرات من الذين استمعوا إلى الأغنية كلهم مهنئين معبرين عن أرائهم بكلمات، وبخبرتي الطويلة لا أخدع بما أسمعه منهم، وأعرف منهم ومن خلال كلماتهم وطريقة نطقهم الإحساس الصادق من غيره.