كتب: محمد حبوشة
عندما تصبح التفاهة سائدة، مصحوبة بالابتذال والسفه يصبح على صناع الفن أن يراجعوا أنفسهم فورا وبلا تردد أو إيجاد مبررات واهية، أتحدث عن مسلسل سيب وأنا أسيب، كنموذج صارخ في التدني والوصول بالفن إلى القاع، وهنا يحضرني كتاب (ثقافة التفاهة) الذي يدور حول فكرة خطيرة يجب البدء بمناقشتها ومقاومتها تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجيا إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الفن، خاصة حين يلجأ صناع الدراما إلى الإنحدار الذي تعاني منه أغلب المجتمعات البشرية، هو من نمط الكتب التي ما زلنا نضطر للعودة إليها كمرجع في هذا المنحى: (تدهور الحضارة الغربية)، للفيلسوف أوزوالد إشبنغلر، (حضارة الفرجة) لصاحب نوبل الأديب فارغاس يوسا، و(مجتمع الفرجة) للفرنسي جي ديبور: (الإنسان المعاصر في مجتمع الاستعراض).
إقرأ أيضا : دراما إفساد الشباب.. (جعفر العمدة) نموذجا سلبيا صارخا!
ظني أن مسلسل سيب وأنا أسيب، على الرغم من أنه لايزيد عن 10 حلقات، يمثل قمة التفاهة من خلال قصة هابطة لاتحمل سوى رسائل سلبية تضرب الأهداف السامية للدراما التي ينبغي أن تعالج حتى أبسط الموضوعات التي تجنح نحو الكوميديا بطريقة منطقية تجلب الضحك دون اللجوء إلى الابتذال، كما لمسنا من خلال مشاهدة حلقات هذا المسلسل الذي يعد من وجهة نظري نقطة سوداء في تاريخ منصة (شاهد)، اللهم إذا كان الهدف هو إظهار الفن المصري الردئ بخبث يهدف إلى ضرب القوى الناعمة المصرية، وهنا أعود إلى صاحب كتاب (حضارة الفرجة) المفكر الفرنسي (جي ديبور) الذي يقول (في العالم المقلوب بشكل واقعي رأسا على عقب، يكون ما هو حقيقي وواقعي لحظة من لحظات ما هو وهمي وزائف).
سيب وأنا أسيب رمزا للتفاهة
وكأن (جي ديبور) يشير بأصابعه إلى مسلسلات التفاهة المصرية مثل سيب وأنا أسيب، في وصفه هذا المجتمع بمجتمع الفرجة أو مجتمع العرض أو الاستعراض، وحاول فيه جدلا تحليل الثقافة الاستهلاكية التي تطغى على مجتمعات العصر الحديث بتحريك من الرأسمالية، والإعلان، والتلفزيون، والأفلام، والمشاهير، ففي (مجتمع الاستعراض) استبدل الوجود بالظهور، وبكلمات أخرى، بات الكثيرون يقيسون وجودهم ودورهم في الحياة ونجاحهم في عملهم أو علاقاتهم أو زواجهم أو في تربية أبنائهم بعدد مرات ظهورهم وظهور صورهم أو منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد الإعجابات التي يحصدونها من متابعيهم، لذلك تراهم يتبعون أي موجة تحدث، فتجد لهم في كل (trend) اسما ورأيا ونقاشا.
إقرأ أيضا : تعالوا يا بنات نلعب مسلسلات
في مسلسل سيب وأنا أسيب، يلحظ المرء صعودا غريبا لقواعد تتسم بالرداءة والإنحطاط المعياريين: فتدهورت متطلبات الجودة العالية، وغيب الأداء الرفيع، وهمشت منظومات القيم، وبرزت الأذواق المنحطة، وأبعد الأكفاء، وخلت الساحة من التحديات، فتسيدت إثر ذلك شريحة كاملة من التافهين والجاهلين ذوي البساطة الفكرية، يتساءل (اَلان دونو): ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ فيجيب: إنه القدرة على التعرف على شخصٍ تافه آخر معا، يدعم التافهون بعضهم البعض، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع.
سيب وأنا أسيب.. كوميديا رخيصة
وهذا ماحدث في مسلسل سيب وأنا أسيب، الذي تدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي رومانسي، حول (هنا الزاهد) التي تجسد دور خياطة وتتحول لفاشون (بلوجر) شهيرة خلال الأحداث، فيما يلعب أحمد السعدني دور زوجها ويعمل كصاحب ورشة سيارات، ومن مشاهدتي لتلك الأحداث أستطيع القول: يبدو واضحا أن المظهر الخارجي للغباء لايشبه التقدم، المهارة، الأمل، أو الرغبة الدائمة في التعديل، وهو ربما تلحظه في فبركة مشاهد مفتعلة في المسلسل الذي لايبعث على الضحك والفكاهة بقدر ما يبعث على التقزز جراء هذا الانحطاط الذي أدى بالضرورة هبوطنا إلى الدرك الأسفل من سلم الفن الذي يعني بالارتقاء بالإنسان، وهو مايشير إلى أن المصري أصبح (ابن نكتة بايخة) يطعمها بألفاظ مبتذلة ونابية على أنها مضحكة.
الشتائم ظاهرة في سيب وأنا أسيب
هاجم كثير من النقاد ورواد السوشيال ميديا مسلسل سيب وأنا أسيب، وعلى رأسهم الناقدة الكبيرة ماجدة خير الله، وكان النقد الأكبر موجها للفنانة هنا الزاهد.. إذ كتبت (خير الله) عبر حسابها بموقع (فيس بوك) وأنا معها ندتماما في طرحها الجاد: اعتقد انه آن الأوان كي تفكر (هنا الزاهد) في الحصول على ورش أو دروس في فن الأداء وطرق استخدام الصوت وفق كل شخصية تؤديها، لأنها ومن خلال عدة أدوار متتالية تبدو وكأنها تلعب نفس الشخصية بنفس الشعر والماكياج والانفعال، ولكن الإضافة في مسلسل سيب وأنا سيب هو استخدامها للشتائم واستقبالها لها بصدر رحب!
وتابعت خير الله: أعتقد أن كلمة (يامنتن) التي تصف بها زوجها (أحمد السعدني) تدخل في نطاق الإباحه وقلة الأدب وليس فيها ما يضحك علي الإطلاق!، في الحلقتين الإولي والثانية كان محمد جمعه متألق في أداء شخصية المحامي الغلبان الذي يشعر بالدونيه أمام المحامي الفخيم ( نبيل نور الدين) إلا أن تركيب شخصية المحامي سرعان ما تعثرت، وأصبح يخاف من زوجته بمجرد أن تتحدث له في الموبايل في أداء لايؤدي للإضحاك!، حكاية محاوله امراه الطلاق من زوجها الذي هربت منه في ليله الزفاف كانت في احتياج إلى إعادة نظر، لأن الطلاق أو الخلع أصبح يسيرا وغير معقد وخاصة لو أن هناك أسباب كثيره ومنطقيه تبرره وفي وجود محامي داهيه وله سمعه في القانون!!
مشهد آخر لم ينتبه إليه النقاد وجمهور السوشيال وهو عبث (أحمد السعدني) بالثلاجة المكتظة بالمؤكولات الفخيمة، حيث قام بدلق علبتي لبن في حوض المطبخ، وبعثرة الشعرية والعبث بالأجبان التي تبعثرت على بلاط المطبخ على سبيل الانتقام من زوجته الناشز، وهو هنا لم يدرك قيمة النعمة التي يعبث بها، في ظل حالة الغلاء التي نعاني منها حاليا، فما الحتمية الدرامية في أن تعبث بالنعمة إلى هذا الحد من الاستفزاز، وما الكوميديا في تدمير محتويات ثلاجة تحوي بداخلها أنواع مختلفة من الطعام الفاخر الذي يمكن أن يسد رمق العشرات من بسطاء الناس الذين يحصلون على لقمة العيش بشق الأنفس.
ألفاظ خادشة في سيب وأنا أسيب
فضلا عن ظهور أحمد السعدني نفسه في الحلقات الست الأولى في مسلسل سيب وأنا أسيب، من خلال مشهد وهو يسب هنا الزاهد، بألفاظ خادشة للحياء، وعلى الرغم من وضع صافرة التشويش على صوته إلا أن متابعي العمل تمكنوا من تحديد الكلمات التي تفوه بها، ما عرضه لانتقادات واسعة وإثارة حالة من الدهشة بين رواد (تويتر) حول إمكانية كتابة مثل هذه الكلمات في نص درامي، وفي تبرير غير منطقي قالت (رنا أبو الريش) مؤلفة المسلسل تعليقا على هذه الانتقادات، عبر تصريحات لها: إنها سلمت السيناريو للمخرج وائل إحسان، وهو قائد فريق العمل، وإذا كانت لديه رؤية لحذف هذه الكلمات من المشهد لفعل ذلك، فيما برر المخرج موقفه بأنه وضع صافرة على صوت السعدني، ليشعر المشاهد أنه أمام مشهد واقعي.
عن أي واقعية يتحدث مخرج سيب وأنا أسيب، لقد أصبحت الرحلة بين القنوات التلفزيونية مهمة شاقة على الكثيرين في يومنا هذا، حيث انقلب حال الدراما ونخرها الابتذال من كل جانب، فلا نلبث أن نشعر بالأمان في مشاهدة إحدى القنوات، حتى تفاجئنا بمشهد يجبرنا على تغييرها فورا، ويتكرر الأمر مع كثير من القنوات حتى بتنا لانعرف ما التصرف الأنسب في هذه الحالة، وخصوصا أمام ذلك الطفل الصغير الذي يشاركنا المشاهدة، ألا يدرك هذا المخرج وغيره من صناع الدراما الرخيصة، أن مسلسلات كثيرة تقع تحت إطار مسلسلات أسرية في حين أنها تخدش الحياء، حين تمر بعض هذه المشاهد أو الألفاظ بوجود الأطفال، إن الإيحاءات التي تعرضها بعض الأعمال الدرامية ومنها سيب وأنا أسيب، رغم تأثيرها الكبير في المشاهد، إلا أنها من الموضوعات المغيبة التي لايناقشها أحد للأسف!