صابر الرباعي.. وسوء الاختيار الغنائي في الوقت المناسب!
كتب : أحمد السماحي
صابر الرباعي صوت ثري وشيك كصوت محمد عبدالوهاب، صوت شرقي (للإليت)، عندما تستمع إليه تجد أنك في حضرة صوت هو بذاته كرنفال كامل متعدد المقامات والطبقات بشكل لافت، وصابر الرباعي من الأصوات التى تصدر الأحاسيس العاطفية الراقية إلى الجمهور عبر الأغاني التى يقدمها، ومعظم ما قدمه يعد علامة متميزة ذات مذاق ليس له شبيه، وتبرز أغنياته بقوة من وسط ركام الألحان والأغنيات المتكررة المتشابهة الحالية لتؤكد ببساطة أن الفن الحقيقي يصل الناس ويعلن وجوده بأوضح الطرق التى يمكن تخيلها، رغم الفوضى العارمة الحادثة الآن في الشارع الغنائي.
ورغم حبي الشديد لصوت صابر الرباعي، ومتابعتي الدقيقة لمشواره الغنائي حتى قبل أن يأتي إلى مصرويظهر في مهرجان الموسيقى العربية، لكنه أقدم أول أمس على تصرف أزعجني منه!، وعلى قدر المحبة العتب كبير، وقلت بيني وبين نفسي: (ليه كده يا صابر؟!)، حيث طرح أغنية جديدة متميزة جدا خاصة في اللحن عبارة عن ديو بينه وبين المطرب الليبي أيمن الأعتر بعنوان (جوه عينيك) تأليف الشاعر واحد، ألحان محمود الخيامي، توزيع محمود الشاعري.
شوشرة صابر الرباعي
وسر حزني وانزعاجي من صابر الرباعي أن الأغنية الجديدة جاءت لتطغي و(تشوشر) على رائعة أخرى قدمها منذ أيام بعنوان (اللي همك) كلمات الشاعر هاني عبدالكريم، تلحين وليد سعد، توزيع محمد مصطفى، حيث تمرد الرباعي في هذه الأغنية الدرامية على أغنيات الصيف التى يغلب عليها جميعا طابع البهجة والسعادة، وقدم لنا حالة درامية غنائية مليئة بكبرياء رجل مجروح لكن كبريائه يمنعه من الصراخ أو البكاء، والحقيقة أننا جميعا من عشاق صوت الرباعي ما زالنا (نمز) ونستكشف جمال ومفاتن هذه التحفة الغنائية التى تسللت إلى وجدننا بنعومة شديدة، بجمال كلماتها وعذوبة لحنها المختلف الذي يذكرنا بروائع وليد سعد القديمة.
إقرأ أيضا : عزيز الشافعي يعيد صابر الرباعي إلى الجمهور على جناح الطرب الشعبي في (سلملي)
وكان صابر الرباعي صادقا جدا وهو ينقل لنا بصوته العذب حالة فراق بين اثنين مليئة بالسخرية المريرة من جانب الحبيب المتألم والمجروح في صمت من جانب حبيبه تتاجر بجمالها، ولا يهمها إلا القيل والقال، وتجيد تمثيل العواطف حيث يقول:
بقى هو دا اللي همك فيه، أقول للناس إيه هسيبك ليه
بتبكي وجايالي تترجي، بلاش لو كلامي يجرح
بحبك إيه لا ندمت عليه، هسيبك تاخدي اللي تستاهليه
هقول للناس أيوه ظالمك انا، خلاص هو دا اللي يريح
وعلى الله تيجي تاني ف يوم، ارتاحي دوقي بعدي النوم
أنا ماشي بنيه خالصه خلاص، ولا فيها رجوع.
كام دمعه عليكي مش لايقين، ليه تأذي عيونك الحلوين ..
دا جمالك هو راسمالك، مش ناقصه دموع
روعة صابر الرباعي في اللي همك
بعد الاستماع إلى هذه الحالة الغنائية لا تملك إلا أن تهتف من صميم القلب (الله، الله)، وتعيد مجددا الاستماع إلى الأغنية مرات ومرات، ففي (اللي همك) نجد أنفسنا أمام بناء شعري يتسم بالحضور الطاغي لمبدعه الشاعر هاني عبدالكريم، ثم يخرج الشكل الغنائي من عباءة هذا الحضور الشعري بطريقة متميزة على يد العبقري وليد سعد الذي يتحدى نفسه ويقدم واحدا من أجمل وأصعب ألحانه التى قدمها مؤخرا.
وعليكم أصدقائي أن تستمعوا مجددا إلى الأغنية وتتذوقوا حلاوة اللحن الذي ينضج بمعاني الكبرياء والرجولة والسخرية المريرة، ويرسم بالأنغام العذبة الدافئة صورة لحنية موازية للصورة الشعرية في رهافتها وإشعاع مفرداتها، فكأنه وضع الصورة الشعرية الجميلة التى كتبها هاني عبدالكريم في علبة من البللور المصفي أضفى عليها خصائص اللؤلؤ، وكانت القيمة الأكبر والأعظم تتجلى في اللازمة الموسيقية التى تنطلق بين المقاطع، وأيضا القيمة العليا في هذا اللحن تمثلت في قدرة وليد سعد على تشخيص المشاعر المتناقضة بين الفرح والمرارة، والسخرية والكبرياء.
صابر الرباعي .. حالة من الشجن
وكان الموزع العبقري محمد مصطفى موفقا جدا في استخدام الآلات التى توصل هذه الحالة الدرامية الغنائية بيسهر وسهولة لأذن المستمع، دون صخب ولا زركشات توزيعية لافتة!، أما هاني عبدالكريم فهو ملك الحالة الغنائية بلا منازع، وهو قادر على تركيب وتوليف عناصر طقس إبداعي غنائي كامل، فهاني عبدالكريم إبن مخلص في أكاديمية (حسين السيد، ومرسي جميل عزيز)، وقادر على أن يستدرجك إلى أرضيته، أرضية الحالة الغنائية، ويجعل بوحك الغنائي في إطار صنعه وملعبه.
هذه الحالة الغنائية المليئة بالشجن الجميل كانت تتطلب من صابر الرباعي التركيز فيها، والحديث عنها والترويج لها في الصحافة والبرامج الفضائية بقوة، وعدم مزاحمتها و(الشوشرة) عليها بتقديم أغنية أخرى بعدها بأيام حتى لو كانت هذه الأيام هي أربع أسابيع! لأن هذا سوء تخطيط فني!