* عملت فرحي على المسرح في (التشريفة)، ولا أنسى (البلطجية)!
* المسرح رغم أهميته لا يحقق شهرة للعاملين فيه، ولا مكسب مادي
* طالبت ومازلت بتصوير العروض المسرحية الردئية والجيدة وتدريسها لطلبة معاهد الفنون المسرحية
* لو تم تصوير بعض العروض التى قدمتها وعرضت على شاشات الفضائيات لأصبحت الآن (سوبر ستار)
* ثلاثة روافد مرتبطة ببعض كانت السبب في عشقي للفن، وهى القرآن واللغة العربية والأدب
* المخرج جلال توفيق بحث عني شهرا ليقدمني في (ميت حلاوة)
كتب : أحمد السماحي
وجه محمد محمود يذكرك بصحيفة حميمة تصافحها العين كل صباح لتقرأ فيها أخبار الحياة، وكل أوجاع وضحكات الشعب المصري، تشعر أن صاحب هذا الوجه ليس غريبا عنك ولا عن المحيطين بك من الذين تصعلكوا في الحواري والأزقة والشوراع، ومارس البطالة والإحباط والتشرد، وتلقى العديد من الصدمات، وانصهر في العديد من المواقف المؤلمة والمفرحة، وعاش لحظات الضعف واليأس ولحظات الإشراق، وشرب من كئوس المرارة والشقاء ما شرب، واكتوى بنيران لا حصر لها فتكونت له خبرات غنية عميقة تصبح بالنسبة للفنان متاعا سائغا، به يستطيع تحليل الشخصية ورد سلوكها وتصرفاتها إلى أصولها الإنفعالية الصحيحة، يتذوق حوارها، فيبروز الكلمات بأطرها الشعورية والحركية التى تبث فيها الحياة والمصدقية.
وجه محمد محمود في النهاية يتكون من ملامح الألم والمعاناة والشقاء والسهر، ومن الأحلام والأمنيات، ويطل من عينيه (ميكانيكية، وعجلاتية، وخبازون، وفلاحون، وقهوجية، وماسحو أحذية، وموظفون في دواوين الحكومة)، باختصار هو يلخص الشارع المصري بكل تاريخه وألوانه ومستوياته الطبقية منعكس في هاتين العينين المرهقتين الغاضبتين.
تكريم محمد محمود
منذ أيام أعلن المهرجان القومي للمسرح المصري تكريم الفنان القدير محمد محمود في افتتاح دورته السادسة عشرة التى ستقام يوم 29 يوليو الجاري، وذلك تقديرا لمسيرته المسرحية بشكل خاص، والفنية بشكل عام، (شهريار النجوم) دق باب نجمنا الموهوب بقوة وأجرى معه حديثا سريعا عبارة عن مقتطفات سريعة من مشواره المسرحي الذي يستحق كل عمل قدمه فيه، وكل منصب تولى إدراته حوار كبيرا ممتعا.
إقرأ أيضا : محمد محمود يعطي (الكبير أوي) قبلة الحياة ويتألق مع يسرا وأمينة خليل
والحقيقة أن الحديث مع محمد محمود متعة تجعل أمر إنهائه صعبا فهو مبدع يمتلك حسا دراميا كوميديا رائعا وروح الحكي والفكاهة تتألق في نبرات صوته، وتكركر ساخرة في مساحات صمته البليغ، ووقفاته حين يقص علينا حادثة أو قصة، أو يروي تجربة خاضها، فهو في حديثه العادي محدث بارع وكأنه معجون بكل عصائر الدراما، لهذا إحساس عميق بالشجن ينتابك، ولقطات تبرق في الذاكرة فتوجع القلب، وأنت تنهي حوارك معه، أعترف أن الحوار على التليفون يحجب عنك وقع أسئلتك على النجم الذي تحاوره، ويجعلك تنسى بعض الجمل الإنسانية التى تخصه، لهذا عذرا يا (عم محمد محمود) للتقصير مقدما حتى نلتقي وجها لوجه!
في البداية أعرب محمد محمود عن سعادته الغامرة بتكريمه في المهرجان القومي للمسرح المصري وهو مازال على قيد الحياة، فأخيرا شعر أن مجهوده في المسرح على مدى 40 عاما سواء كممثل في مسارح الدولة، ومسرح القطاع الخاص، أو كمدير عام سابق لثلاثة مسارح هي المسرح الحديث، ومسرح الطليعة، والمسرح الكوميدي، لم يضع هباء، وأنه يوجد ناس متابعة ومقدرة ما قدمه واعتبر هذا التكريم تكليلا لمشواره المسرحي الذي بدأه منذ كان تلميذا في المدرسة الثانوية عاشقا للمسرح، وتقديرا للمجهود الذي بذله منذ تخرجه من معهد الفنون المسرحية وحتى الآن.
محمد محمود.. 100 عرض
أضاف محمد محمود: العمل في المسرح رغم متعته الشديدة مضني ومتعب، وبدون مقابل، لا مادي ولا معنوي، فالمسرح رغم أهميته لا يحقق شهرة للعاملين فيه، ولا مكسب مادي، وهو فن عابر عمره قصير مهما طال، فالعرض المسرحي ما أن يولد ويبدأ في الاكتمال حتى يميل نحو الزوال ليبلغ نهايته المحتومة بإطفاء الأنوار، والغرق في الظلام شأنه شأن الإنسان، ولا يبقى منه شيئ إلا ما علق في ذاكرة بعض جمهور الحاضرين من صور وظلال وأصوات، وقصاصات ورق بعض النقاد الذين شاهدوا العرض وكتبوا عنه، لهذا طالب وحارب في كل الاجتماعات التى حضرها أثناء عمله كمدير للمسارح الثلاثة التى تولى إداراتها بتصوير العروض المسرحية سواء الرديئة أو الجيدة، وتدرس هذه العروض لطلبة معهد الفنون المسرحية ويتم تحليل عناصر القوة والضعف فيها كتجارب عملية، كما يخوض طلبة كليات الهندسة والطب تجارب عملية.
وليس هذا فقط – يقول محمد محمود – بل تعرض هذه العروض على القنوات الفضائية الكثيرة الموجودة، أو واحدة منها على الأقل، أو حتى في التليفزيون الرسمي، لتكون وثيقة مسجلة للعاملين في هذه العروض، يجوز من هذه العروض يخرج نجما بارعا، أو مؤلفا متمكنا، أو مخرجا موهوبا، كما حدث عندما سجلت مسرحيات (مسرح مصر) وعرضت في إحدى القنوات الفضائية فأفرزت وجوه كثيرة أصبحت هى نجوم الساحة الفنية الآن.
وصرح محمد محمود، بطل مسرحية (التشريفة) بكل مرارة : أن تصوير العروض المسرحية مهم للغاية للأجيال القادمة، ولإثراء الحياة الفنية، فهو رغم تقديمه لحوالي 100 عرض مسرحي لم تصور معظم هذه العروض، ولو تم تصوير بعض هذه العروض، وعرضت على شاشات الفضائيات لأصبح الآن (سوبر ستار) وليس فقط (ستار)! لكن قدر الله وماشاء فعل!.
محمد محمود والقرآن والأدب
عن ظروف حبه للفن عامة والمسرح خاصة قال محمد محمود : ثلاثة روافد مرتبطة ببعض كانت السبب، وهى القرآن واللغة العربية والأدب، هؤلاء الروافد الثلاثة كانوا سببا في عشقي للفن، فمنذ دخولي الكتاب عشقت اللغة العربية، وتشكيلها، والجرس الموسيقي الخاص بها، وكان القرآن الكريم معلمي الأول الذي تعلمت منه كل ما يخص اللغة العربية، حتى أصبحت متمكنا منها ومن الإلقاء بها، لدرجة أنني أوقفت مرة التصوير – وقلت (ستوب) وهذا ممنوع! – في أحد الأعمال التى شاركت فيها، عندما أخطأ أحد المقرآين في قراءة آية من القرآن الكريم وحدث نقاش بيني وبين القارئ الذي صمم على رأيه وأجلنا التصوير حوالي ربع ساعة حتى أحضروا (المصحف الشريف) وأثبت للقارئ خطأه.
وفي المرحلة الأعدادية كان لدى زوج خالتى مكتبة أدبية عامرة بمئات الكتب، كنت أستعير منها بصفة منتظمة كل الأعمال الأدبية لكبار الكتاب المصريين مثل (توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، عبدالحميد جودة السحار، عباس محمود العقاد، يوسف إدريس) وغيرهم من العمالقة، وكنت لا أشرب ولا أنام إلا بعد انتهائي من الكتاب الذي استعرته من زوج خالتي حتى أحصل على التالي له، وكان ولعي بالقراءة له مفعول السحر حيث صنع عندي خيال مرعب، لدرجة أنني عندما كنت أشاهد مثلا أعمال الكاتب إحساس عبدالقدوس التى تحولت إلى أفلام لا تعجبني لأن الخيال عندي صنع في ذهني الأجمل منها.
إقرأ أيضا : محمد محمود : (بالطو) لا يمكن أن يوجه إهانة لأحد.. فقط هو يعكس الواقع!
ويضيف محمد محمود: بعد ذلك وفي المرحلة الثانوية علمت في أحد الأيام أن المخرج الإذاعي الشهير (عصمت حمدي) حضر للمدرسة لتأسيس فريق تمثيل ننافس من خلاله المدارس الآخرى في مسابقات نهاية العام فتقدمت ونجحت، وكنت أنتظر اليوم الذي به بروفات بلهفة وعشق حتى أشاهد زملائي الأكبر مني وهم يمثلون، وعندما دخلت في نهاية العام المسرح القومي للمشاركة في أحد العروض المسرحية وقعت في عشق هذا المسرح وكنت أردد بيني وبين نفسي: (ايه الجمال ده، وايه عبق التاريخ ده) فكان المكان ساحرا بالنسبة لي، ومع مرور الأيام والشهور والسنين اكتسبت ثقة المخرج الإذاعي عصمت حمدي، لدرجة أنني كنت أعمل وأنا طالب ثانوي في 6 و7 مدارس ما بين التمثيل والإخراج.
وقدمت في نهاية المرحلة الثانوية دور مهم للغاية تقدمت به فيما بعد في امتحان القبول في معهد الفنون المسرحية وهو دور (شيلوك) في مسرحية (تاجر البندقية) لوليم شكسبير، وحصلت على المركز الأول.
محمد محمود وشيلوك
أكد بطل محمد محمود مسرحية (ميت حلاوة): أنه التحق بمعهد الفنون المسرحية بعد انتهائه من دراسته في المعهد العالي للخدمة الإجتماعية، وعمله كمدرس إعدادي في مدرسة (النقراشي)، حيث قدم دورين الأول دور (شيلوك) الذي حاول شكسبير أن يجمع من خلاله كل خصائص اليهود وصفاتهم العامة، والذي يمثل الشعب اليهودي أصدق تمثيل، والثاني دور (أمين) المناضل والثوري في رائعة نجيب سرور (آه يا ليل يا قمر)، ونال إعجاب لجنة التحكيم المكونة من عمالقة المسرح (عبدالرحيم الزرقاني، كمال ياسين، نبيل الألفي، جلال الشرقاوي، سعد أردش، سميرة محسن، سناء شافع، زكريا سليمان) حتى أنهم استمتعوا بادائه وأحبوا (يمزمزوا) في هذا الأداء، لهذا جلس مع اللجنة ساعة ونص، أعطاه خلالها الفنان عبدالرحيم الزرقاني مونولوج شعري من مسرحية (العباسة) للشاعر عزيز أباظة وطلب منه إلقائه.
وأثناء حفظه على هذا المونولوج يقول محمد محمود: كان زملائه الطلبة يؤدون مشاهدهم ويخرجوا، وفي نهاية (المزمزة) اعتقد أنه راسب لا محالة خاصة بعد ما سمعه من شائعات عن ضرورة وجود (واسطة) للنجاح والالتحاق بالمعهد، كما أن وجود كم كبير من الطلبة يقترب من 4000 متسابق، رسخ هذا الاعتقاد، لهذا لم يسأل عن النتيجة!، حتى فاجأه شقيقه بنجاحه بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر من بداية الدراسة في معهد الفنون المسرحية.
وفي أول يوم لدخوله المعهد قابل محمد محمود الفنان (زكريا سليمان) أثناء دفعه مصاريف الالتحاق، وعندما علم أنه (محمد محمود) سأله : (كنت فين يا ابني ولماذا تخلفت عن الحضور لمدة ثلاثة أشهر، وقال له بلغة حاسمة لو غبت يوم تاني هفصلك)، وأبلغه كذبا أنه كان مريضا ووعده بعدم تكرار الغياب مرة ثانية، وكان يحصل في نهاية كل عام على تقدير (جيد جدا) طوال الأربع سنين دراسة، ومكافأة مالية قدرها 8 جنية على مدى ثلاث سنوات، وبعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1981، حصل علي دبلوم الدراسات العليا فى مجال الإخراج عام 1985.
محمد محمود وميت حلاوة
أشار محمد محمود أن أول عرض مسرحي قدمه كمحترف جاء بعد تخرجه من معهد الفنون المسرحية بحوالي شهرين، حيث شاهده المخرج القدير جلال توفيق في مشاريع التخرج وأعجب به، وظل يبحث عنه شهرا كاملا ليقوم ببطولة مسرحية (ميت حلاوة) من إخراجه، وتأليف الدكتور محمد عناني، وحقق العرض نجاحا كبيرا على خشبة المسرح، وحققت شخصية (زقزوق) التى جسدها مشاهدة جماهيرية ضخمة، حتى أن موظفين المسرح، أكدوا له أنهم وكثير من أصحاب المحلات المجاورة للمسرح كانوا يأتون لمشاهدة الربع ساعة التى يجسدها في المسرحية، ويخرجون بعد انتهاء دوره.
أوضح محمد محمود أن العروض التى تمثل محطات مهمة في مشواره المسرحي كثيرة والحمد الله لكن للأسف أن 90% منها لم يصور، أول هذه الأعمال مسرحية (البلطجية) المأخوذة عن نص عالمي للكاتب الألماني بريخت عنوانه (صعود وهبوط أرتورو أوي) إخراج حسام الدين صلاح، العمل الثاني (القاتل خارج السجن) تأليف الكاتب الكبير محمد سلماوي، إخراج سعد أردش، العمل الثالث (المهزلة) تأليف الدكتور يوسف إدريس، إخراج شاكر عبداللطيف، العرض المسرحي الرابع (متحاولوش) تأليف وإخراج مصطفى سعد، العرض الخامس (التشريفة) تأليف أحمد عفيفي، وإخراج عبدالغني زكي، وفي هذا العرض تزوج من زوجته على خشبة المسرح، بعد انتهاء العرض في أحد الأيام، وعزموا الأهل والأصدقاء احتفالا بالزواج.
كما لا يمكن أن ينسى دوره في مسرحيتي (دلع الهوانم) تأليف أحمد هيكل، إخراج السيد راضي، و(لا مؤاخذة يا منعم) إخراج شاكر خضير في مسرح القطاع الخاص.
صرح محمد محمود أنه مازال لديه أحلام مسرحية، وأنه يتمنى أن يقدم للمسرح روائع عالمية طالما حلم بها وهى (تاجر البندقية) التى كان من المقرر أن يقدمها مع المخرج هاني مطاوع لكن لظروف ما لم ترى النور، و(البخيل) للأديب الفرنسي موليير، و(أحدب نوتردام) للكاتب الفرنسي أيضا فيكتور هوجو، وغيرها من العروض التى لا تحضره حاليا.
المهرجان القومي لمحمد محمود
عن الذي أضافه خلال عمله كمدير للمسرح الكوميدي، والحديث والطليعة، قال محمد محمود: صعب أن أذكر لك ماذا أضفت؟! حتى لا أتهم بالشيفونية، لكن عليك أن ترجع لكتابات نقاد المسرح وفي مقدمتهم الدكتور عمرو دواره، لتعرف ماذا أضفت؟!، لكن سأذكر لك جملة منها يمكن أن تعرف ويعرف القراء ماذا أضفت؟!، في فترة عملي كمدير للمسارح الثلاثة كان كثير من الزملاء والنقاد يطلقون على المهرجان القومي اسم (المهرجان القومي لمحمد محمود)، بسبب كثرة الجوائز التى كانت تحصل عليها العروض التى أقدمها من خلال عملي كمدير.
في نهاية حوارنا أكد النجم الكبير محمد محمود، أنه راض عن مشواره المسرحي وقال راضيا: (عملت كل حاجة في المسرح عايز أعملها) لكن تظل هناك أحلام تتمنى لو أعطاك الله العمر لتقدمها.