بقلم : بهاء الدين يوسف
خلال الأيام القليلة الماضية وجهت مواقع التواصل ضربات جديدة مميتة للإعلام الرسمي في مصر الذي يعيش مترنحا منذ سنوات، بعدما فقد الكثير من المصداقية ومعها الدقة والأمانة التي لم تعد تتوفر في كثيرين ممن يعملون فيه، وخصوصا منهم من يتصدرون المشهد الإعلامي سواء المكتوب أو المتلفز.
ما حدث أن مواقع التواصل فجرت حادثتين لم يكن (في الغالب) هناك فرصة للمصريين ليعلما عنهما من خلال وسائل الإعلام الرسمية التي باتت منذ سنوات مثل عبوات الحليب (منزوع الدسم) التي تتكلف منتجيها ومستهلكيها الكثير ولا تحمل من القيمة الغذائية سوى النذر اليسير.
إقرأ أيضا : (فتاة الفيرمونت) تشعل مواقع التواصل في الطاووس
الواقعة الأولى شهدها مجمع مدينتي السكني حين تورط ضابط طبيب في القوات المسلحة في تصرف غريب على المجتمع المصري حسب ما تابعنا وشاهدنا عبر مواقع التواصل من تفاصيل الحادث التي لا حاجة لإعادتها مجددا، والثانية وقعت في (منتجع هاسيندا) بالساحل الشمالي، ومرة أخرى تم الزج باسم القوات المسلحة في تفاصيلها التي شملت رجل الأعمال الشهير هشام طلعت مصطفى، ونجل وزير السياحة والإعلام الراحل ممدوح البلتاجي، الذي يملك مطعما داخل القرية السياحية.
تأثير مواقع التواصل
الملفت في الواقعتين وتفاصيلهما التي لم تكن لترى النور عبر وسائل الإعلام (سابقة التجهيز) هو التأثير الهائل لـ مواقع التواصل ليس فقط على الشعب العادي ولكن على الجهات المسؤولة في الدولة، حيث سعت الجهات المختلفة إلى توضيح موقفها من تلك الوقائع بشكل سريع عبر بيانات رسمية تحسبا من انتشار معلومات غير دقيقة تضر بهذه الجهة أو تلك، وهو تصرف كانت الجهات المختلفة تخص به وسائل الإعلام في أزمنة سابقة للرد أو توضيح بعض التفاصيل حول ما تنشره تلك الوسائل، لكنها الآن تخاطب به جمهور السوشيال ميديا مباشرة وكأنها لم تعد ترى الصحف والقنوات التليفزيونية التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات سنويا.
إقرأ أيضا : لحية (أحمد بدير) تشعل مواقع التواصل الاجتماعي!
الأمر الثاني يحمل رسالة مهمة للمسؤولين في الدولة إنه في غياب إعلام رسمي قوي وهادف وأمين فأن كمية الشائعات والتفاصيل الملفقة التي يمكن لأي جهة تمريرها عبر مواقع التواصل لا حصر ولا حدود لها، ذلك أن أسهل شيء على المتربصين هو استغلال غياب المعلومات الرسمية الموثقة لضخ المئات من المعلومات الزائفة أو المبالغ فيها أو المقتطعة من سياقها بهدف الإساءة للدولة أو لجهات معينة فيها، وخلق حالة من الاستنفار الشعبي ضد تجاوزات المنتمين لها، وهى نقطة بالغة الأهمية لمن يريد إحداث القلاقل في المجتمع.
شائعات مواقع التواصل
وكاد المتربصون أن ينجحوا فيما إليه في واقعة مدينتي لولا الوعي الإعلامي المقدر من قيادات القوات المسلحة الذين سارعوا إلى توجيه المتحدث العسكرى بتوضيح كل تطورات القضية أولا بأول لكشف المعلومات الزائفة التي سعت للوقيعة بين شعب مصر وجيشه، لكن تبقى الخطورة قائمة مع أي وقائع تحدث في المستقبل سواء مع القوات المسلحة أو جهات أخرى ربما لن تملك الوعي أو الأدوات التي تساعدها على التصدي لشائعات مواقع التواصل، ومن ثم يبقى عنصر الأمان المضمون لكل جهات الدولة في وجود إعلام صادق وقوي ونزيه يستطيع استعادة ثقة الشعب فيما يقوله ما يمهد استعادة الدولة لقوتها الناعمة في الداخل والخارج.
صحيح أن تراجع قوة الإعلام الرسمي في مصر بدأ قبل سنوات من ظهور مواقع التواصل، نتيجة لأسباب متعددة على رأسها الاستعانة بمجموعة من الأشخاص المهترئين مهنيا وإنسانيا لتصدر المشهد الإعلامي دون اعتبار لما يمكن أن يحدثه هؤلاء من تأثير سلبي على الجمهور، فضلا عن الانطباع المخجل الذي يتركونه عند المشاهدين بشكل عام والمتربصين بالإعلام المصري بشكل خاص والذين حصلوا على فرصة لم يكونوا يحلموا بها للتشكيك في مهنية هذا الإعلام والعاملين به.
إقرأ أيضا : (هيفاء وهبي) تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بـالبرومو التشويقي (رمسيس – باريس)
لكن ما حدث في الأيام الماضية أعاد التذكير بقوة أن صحافة البيانات سابقة التجهيز، وإعلام الإذاعات المدرسية التي كان أغلبنا يمارسها في فترة الدراسة الابتدائية، خصوصا حيث يملك المستمعون الكثير من السذاجة والجهل مع القليل من البراءة وبالتالي يمثلون بيئة مثالية لتلقي النصائح المعلبة التي يعدها مدرس النشاط الاجتماعي المسؤول عن الإذاعة المدرسية، ويلقيها مجموعة مختارة من التلاميذ، ليستقبلها الطلبة بكثير من الفتور واللامبالاة، هذا رغم البيئة المثالية لإلقاء مثل هذه النصائح من جهة، ورغم أن مدرسي النشاط الاجتماعي كان لديهم من الفطنة والضمير، ما كان يجعلهم يختارون الأنسب من التلاميذ والأكثر إقناعا لإلقاء تلك النصائح، وهي معايير تفتقدها النماذج التي تتصدر المشهد الإعلامي حاليا.