في ذكرى نور الهدى نكشف المحذوف من قصيدتها (ما لقلبي)
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها.
كتب : أحمد السماحي
نور الهدى، أو راهبة الفن، واحدة من ألمع وأشهر المطربات العربيات التى حفرن اسمهن بحروف من ذهب في سجل الفن العربي من خلال فنها الراقي الذي قدمته على مدى مشوارها الفني الذي بدأ في بداية أربعينات القرن الماضي، ورغم أنها لم تعتزل الغناء إلا في بداية التسعينات، لكن عشر سنوات فقط ــ (1943 – 1953) – هى سنوات المجد والشهرة والأضواء التى عاشتها المطربة اللبنانية الكبيرة نور الهدى، في مصر، بعد هذه السنوات غربت شمس نجوميتها تدريجيا حتى تلاشت تماما، وابتعدت عن الأضواء.
عشر سنوات قدمت فيهم نور الهدى، التى نحتفل غدا الأحد بذكرى رحيلها الـ 25، أجمل الأفلام الغنائية، وأجمل الأغنيات، وأجمل الثنائيات الغنائية والفنية، شاركت كبار المطربين والنجوم المصريين بطولة أفلامهم بداية من الموسيقار محمد عبدالوهاب، مرورا بـ العظماء (محمد فوزي، فريد الأطرش، عبدالعزيز محمود، يوسف وهبي، أحمد سالم، محمود ذوالفقار) وغيرهم من نجوم الأربعينات.
إقرأ أيضا : نكشف لأول مرة المحذوف من أغنية (هل هلال العيد) للمطربة نور الهدى !
وكانت المطربة الثانية بعد سندريلا السينما الغنائية (ليلى مراد) بالنسبة للأجر حيث وصل أجرها إلى 12 ألف جنية عن بطولة أي فيلم، منذ أن تعرفت إليها الأذن فى بداياتها وحتى محاولاتها المتناثرة والقليلة فى سنواتها الأخيرة للغناء قبل رحيلها عن الحياة، حافظ صوتها على جماله وقدراته وبلاغة الأداء باستثناء بعض التغيرات التى طرأت على صوتها بفعل تراكمات السنوات.
نور الهدى تغني القصائد
تميزت نور الهدى وأجادت في غناء القصائد فهى من أكثر المطربات غناءا للقصائد القديمة والحديثة فغنت من نظم ابن سهيل الأندلسي، (ما لقلبي في الهوى ذنبٌ)، ومن أشعار ابن بقى غنت (عبث الحب بقلبي فاشتكى)، ومن من شعر بهاء الدين زهير شدت (عَرَفَ الحَبيبُ مكانَهُ فتَدَلّلا)، وللأخطل الصغير (نم إن قلبي فوقَ مَهْدِكَ، وأيضا انحلتني بالهجر، واترى يذكرونه) وغيرها، ولأحمد شوقي (يا جارة الوادي)، كما غنت رائعة ابن زيدون (أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَا) ولمحمد إبراهيم نجا (مزيدا من النور، فالنور حب)، ولعلي محمود طه (حديث قبلة).
وشدت نور الهدى (غيرى على السلوان قادر)، كلمات عمر بن الفارض، ولصالح جودت غنت (لستُ أدري مامصيري، وإلى أين مسيري)، كما غنت قصيدة (أيها العاذل المليم)، كلمات احمد العدوانى، وغيرها من عيون الشعر العربي.
إقرأ أيضا : نور الهدى .. رفضت الرقص مع الملك فاروق فأهداها لوحة
هذا الأسبوع في باب محذوفات الأغاني) سنتوقف عند قصيدة (ما لقلبي في الهوى ذنب) التى غنتها نور الهدى من كلمات ابن سهيل الأندلسي الإشبيلي، وهو شاعر وكاتب من أسرة ذات أصول يهودية، ولد في (إشبيلية)، واختلف إلى مجالس العلم والأدب فيها، وانصرف إلى حياة اللهو والمتعة وما يتصل بهما من شعر الغزل والخمر والموشحات، حتى غدا (شاعر إشبيلية ووشاحها)، ثم دخل الإسلام قبل رحيله.
نور الهدى وابن سهيل الأندلسي
من أجمل القصائد التى كتبها ابن سهيل الأندلسي قصيدة (ما لقلبي فى الهوى ذنب) التى تتكون من27 بيتاً، اختار منهم الملحن اللبناني جورج ثابت 9 أبيات فقط لتغنيهم نور الهدى، والملاحظ أن هناك كلمات قد تم تغييرها لضرورات اللحن والمعاني، وفي هذه القصيدة يذكر الشاعر بأنه ليس المذنب الوحيد في الحب، وإنما يلقي بعض اللوم على محبوبته، حيث تعطيه الجمال وهو فقط يبادلها النظر فلا يستطيع أكثر من ذلك لأنها لا تبادله المشاعر، وبأنه يحصل على هذه اللذات ويشعر بالحلاوة وهو محطم الفؤاد فقط بتفكيره في محبوبته، ورغم هذا الصد كلما فكر فيها يشعر بالحلاوة.
إقرأ أيضا : نور الهدي كادت تفقد حياتها بسبب أغنية!
والشاعر في حزن حيث يقول : أنه عندما يشكي لها أي محبوبته هي تبتسم رغم ما يعانيه، ويقول بأنه كالسحابة المتفجرة التي تسقط على التلة المرتفعة فتحطم هذه الأرض بنزول المطر عليها ويقصد بالتلة محبوبته.
ما لقلبي في الهوى ذنب
كلمات قصيدة (ما لقلبي في الهوى ذنب) كما غنتها المطربة نور الهدى
ما لقلبي في الهوى ذنبٌ سوى، منكم الحسن ومن عيني النظر
أكتم الآهات من جرح الهوى، ووصالي من حبيبي بالفكر
كُلّما أشكوه وجدي بسما، كالرُّبى بالعارض المنبجس
إذ يقيم القطر فيها مأتما، وهي من بهجتها في عـرس
أيها السائل عن جرمي لديه، لي جزاء الذنب وهو المذنب
أخـذت شمس الضحى من وجنتيه، مشرقاً للشمس فيـه مغرب
ذهبت دمع بأشواقي إليه، وهو من فراط اشتياقي يعجب
ينبتُ الورد بغرسي كلما، لاحظته مقلتي في الخَلس
ليت شعري أيّ شيء حرّما، ذلك الورد على المغترس
………………………………………………………
كلمات القصيدة كما كتبها الشاعر ابن سهيل الأندلسي الإشبيلي
هَل دَرى ظَبيُ الحِمى أَن قَد حَمى، قَلبَ صَبٍّ حَلَّهُ عَن مَكنَسِ
فَهوَ في حَرٍّ وَخَفقٍ مِثلَما، لَعِبَت ريحُ الصَبا بِالقَبَسِ
يا بُدوراً أَطلَعَت يَومَ النَوى، غُرَراً تَسلُكُ بي نَهجَ الغَرَر
ما لِنَفسي وَحدَها ذَنبٌ سِوى، مِنكُمُ الحُسنُ وَمِن عَيني النَظَر
أَجتَني اللَذّاتِ مَكلومَ الجَوى، وَاِلتِذاذي مِن حَبيبي بِالفِكَر
وَإِذا أَشكو بِوَجدي بَسَما، كَالرُبى وَالعارِضِ المُنبَجِسِ
إِذ يُقيمُ القَطرُ فيهِ مَأتَما، وَهيَ مِن بَهجَتِها في عُرُسِ
مَن إِذا أُملي عَلَيهِ حُرَقي، طارَحَتني مُقلَتاهُ الدَنَفا
تَرَكَت أَجفانُهُ مِن رَمَقي، أَثَرَ النَملِ عَلى صُمِّ الصَفا
وَأَنا أَشكُرُهُ فيما بَقي، لَستُ أَلحاهُ عَلى ما أَتلَفا
فَهوَ عِندي عادِلٌ إِن ظَلَما، وَعَذولي نُطقُهُ كَالخَرَسِ
لَيسَ لي في الأَمرِ حُكمٌ بَعدَما، حَلَّ مِن نَفسي مَحَلَّ النَفَسِ
غالِبٌ لي غالِبٌ بِالتُؤَدَه، بِأَبي أَفديهِ مِن جافٍ رَقيق
ما عَلِمنا قَبلَ ثَغرٍ نَضَّدَه، أُقحُواناً عُصِرَت مِنهُ رَحيق
أَخَذَت عَيناهُ مِنها العَربَدَه، وَفُؤادي سُكرُهُ ما إِن يُفيق
فاحِمُ اللِمَّةِ مَعسولُ اللَمى، ساحِرُ الغُنجِ شَهِيُّ اللَعَسِ
حُسنُهُ يَتلو الضُحى مُبتَسِماً، وَهوَ مِن إِعراضِهِ في عَبَسِ
أَيُّها السائِلُ عَن جُرمي لَدَيه، لي جَزاءُ الذَنبِ وَهوَ المُذنِبُ
أَخَذَت شَمسُ الضُحى مِن وَجنَتَيهِ، مَشرِقاً لِلشَمسِ فيهِ مَغرِبُ
ذَهَّبَت دَمعِيَ أَشواقي إِلَيه، ولَهُ خَدٌّ بِلَحظي مُذهَبُ
يُنبِتُ الوَردَ بِغَرسي كُلَّما، لَحَظَتهُ مُقلَتي في الخُلَسِ
لَيتَ شِعري أَيُّ شَيءٍ حَرّما، ذَلِكَ الوَردَ عَلى المُغتَرِسِ
أَنفَذَت دَمعِيَ نارٌ في ضِرام، تَلتَظي في كُلِّ حينٍ ما يَشا
هِيَ في خَدَّيهِ بَردٌ وَسَلام، وَهيَ ضُرٌّ وَحَريقٌ في الحَشا
أَتَّقي مِنهُ عَلى حُكمِ الغَرام، أَسَداً وَرداً وَأَهواهُ رَشا
قُلتُ لَمّا أَن تَبَدّى مُعلَما، وَهوَ مِن أَلحاظِهِ في حَرَسِ
أَيُّها الآخِذُ قَلبي مَغنَما، اِجعَلِ الوَصلَ مَكانَ الخُمُسِ.