بقلم : محمد شمروخ
مع أن فكرة إسرائيل، جاءت عرضاً خلال دردشات متنوعة بينى وبين الناقد الفنى الزميل الأستاذ أحمد السماحى، حول الفن وحاله والفنانين وأحوالهم في مصر وبقية الدول العربية، إلا أن الدردشة تفرعت وتطرقت في نهايتها إلى اقتراح بطرحها للتطبيق من خلال موقع (شهريار النجوم).
والفكرة باختصار تتجاوز تساؤلا حائرا سبق أن طرحته في هذا المكان منذ فترة حين انتشرت صورة الفنان محمد رمضان بصحبة مطرب إسرائيلى، حيث كان التساؤل عن سبب تجاهل الحياة الفنية في إسرائيل التى لانكاد نعرف عن خلفياتها وواقعها ووقائعها شيئا ولو يسيرا، بينما من اليسير أن تعرف هى عن وقائع وخلفيات وأزمات ونجاحات حياتنا الفنبة والثقافية، أشياء كثيرة إن لم يكن كل شئ، من خلال ما ينشر عندنا في وسائل الإعلام بأشكالها التقليدية وغير التقليدية.
وسبق أن ضربت مثلا في المقال، بمشروع قام بطرحه الكاتب الصحفي الكبير الراحل أنيس منصور وخطا فيه خطوات تنفيذية على أرض الواقع من خلال إقامة معرض تحت عنوان “اعرف عدوك” وذلك بعد نكسة 1967، ولكن لم يستمر المشروع طويلاً واقتصرت معرفة العدو على ما يتم تأليفه من كتب ودراسات وما ينشر من موضوعات سياسية في صحف ودوريات لكنها تدور في دوائر نخبوية، أما مجتمع إسرائيل من الداخل، فيكاد يكون مجهولا تماماً.
حتى بعد سياسة السلام التى بدأت مع رحلة الرئيس الراحل أنور السادات الأخيرة الى القدس سنة 1977 ومازلت سارية حتى هذه اللحظة، ظل هذا التجاهل الكامل الذي تحول مع مرور الأيام إلى جهل تام وهو أمر يدعو للاستغراب سواء كنت ترى في إسرائيل عدوا أبديا أو كنت من دعاة السلام والتطبيع معها، فالأمر ليس له صلة مباشرة بموقفك السياسي بل بموقعك الثقافى، فـ إسرائيل قائمة على مرمى حجر منك ومن الغفلة ان تجهل كل شيء عنها.
تحطيم جدار إسرائيل الحديدي
ولا أظن ان هذا الجدار الحديدي هو من فعل المعادين للوجود الإسرائيلي وحدهم، بل استشعر ان هناك تشجيعا إسرائيليا لتعلية هذا الجدار وتقويته بينها وبين جيرانها المحيطين بها من كل جانب، فحقيقة الأمر لا يمكن أن تظل واقفة على مجرد شعور بالبغض أو الرفض، ففى زمن المجالات المفتوحة، لا يمكن منع إسرائيل أو أى دولة أو كيان آخر من مخاطبة من تريد تعريفهم بجوانب معينة فبها لو أرادت.
ولأن كثيرا من سكان إسرائيل لهم أصول عربية، فاليسير بالنسبة لهم أن يطلعوا على كل منتجاتنا الفنية والثقافية ويتابعوها ويدرسوا أبعادها ويستكنوا معانيها ويستنتجوا مراميها، ولكن باستثناء المتخصصين وطلبة وأساتذة أقسام اللغة العبرية بالكليات المصرية، لن تجد أى اهتمام بمعرفة إسرائيل سوى أنها عدو نمارس معه العداء بسذاجة وبدائية دون حتى أن نرتقى بهذا العداء ليكون على أسس سليمة!
إقرأ أيضا : إسرائيل تحاول السيطرة على محتوى منصة (نيتفلكس)!
ولقد اثبتت لنا التجارب أنه حتى من بين أصدقاء إسرائيل من يتجاهلون تعريفها للشعوب العربية ووراء الأكمة ما وراءها!
أليس من الغريب أن يحدث ذلك؟!
فإن لم تزل تراها عدوا وجب أن تتيح لنفسك سبل التعرف عليها من خلال معرفة وتتبع الأعمال الفنية على الأقل لتنفذ منها إلى واقعها الذي تعكسه الأعمال الفنية المقدمة على شاشاتها ومسارحها وموسيقاها وحفلاتها الغنائية، فغير معقول أن تظل كل معلوماتنا عن الفن الإسرائيلي سوى رقصة الفنانة نادية الجندى في فيلم (مهمة في تل أبيب!).
وإن كانت غير ذلك تحول هذا الواجب إلى حق للجميع في التعرف على كل هذه الأمور.
سبحان الله!.. كيف يتاح لهم أن يعرفوا عنا ولا نبذل اى جهد لكى نعرف عنهم؟!
أعمال فنية في إسرائيل
الأمر ليس مجرد تسلية أو حتى تزود ثقافي بتتبع أخبار فنانين ومتابعة أعمال فنية من أفلام مسلسلات ومسرحيات وغيرها، فالحياة الفنية تعكس كثيرا من حقائق الحياة وتنفذ إلى أعماق الشخصيات وتجسد الحالة العامة بشكل مباشر او غير مباشر.
ولو اعتبرتها – على الطريقة الحنجورية – نوعا من التطبيع معها لو كنت من هؤلاء المتحنجرين فاترك لى المجال لكي أتهمك بأنك تعمل لصالح التيارات المتطرفة في إسرائيل نفسها، فهم يرون أن هذا الجدار الحديدي يحمى خصوصيتهم ويغزى فيهم الطابع العنصرى البغيض، فهم لا يريدونك إلا جاهلاً متغافلا، ثم إنهم يستثمرون هذه العزلة في تبرير سياسات تعسفية تجاه العرب بوصفنا جميعاً شعوباً متخلفة لا نعترف بالآخر ولا نرغب حتى في معرفته.
إقرأ أيضا : محمد شمروخ يكتب : مع إسرائيل .. آه لو فعلها الأسوانى !
لكن الأمر بسيط للغاية: فما أيسر أن تجد خريجين من أقسام اللغة العبرية بالكليات المنتشرة في الجامعات المصرية، ثم تكلفهم بتتبع أخبار الحياة الفنية والإعلامية والثقافية الإسرائيلية وأخبار رموزها فقد تجد فيهم رمضانا كرمضاننا وأنغاما كأنغامنا وعمرا أديبا كعمرنا.
وانتهت الدردشة مع السماحى ببحث هذا الأمر وأخذه مأخذ الجد، ليكون موقع شهريار النجوم أول موقع صحفي مصرى يخصص قسما لأخبار الفن في إسرائيل كخطوة أولى لكسر هذا التجاهل الإعلامى لكى نعلم الكثير عما كان وراء ذلك الجدار الغامض.