بقلم : محمد حبوشة
يبدو لي أن الفنانة الموهوبة جدا عبلة كامل تؤمن بأفكار المسرحي الأمريكي سانفورد ميسنر، الذي يعتبر فن التمثيل: هو القدرة على التواصل الحقيقي وسط بيئة متخيلة، وهذا هذا يعني ببساطة إننا لا ندعي ولا نزيف ولا نتفاعل كشخص آخر، بل نحن نتواصل إنطلاقا من ما نحن عليه ومن إحساسنا بالحقيقة، فكل شخص يأتي إلى المسرح يتوقع أن التمثيل هو أن تكون شخصا آخر، وما يفعله ميسنر هو أن يعلم الممثل أن يطور ذاته بوصفه فريدا ومميزا بصوته وجسده، ويبدأ الممثل باكتشاف قدراته الذاتية، ثم يبدأ بإدراك قدراته والاعتراف بوجودها وتطوير وجهة نظره عن قدراته، حيث يستبدل ميسنر مصطلح الموهبة بمصطلح القدرة بوصفه الأكثر منطقية وقابلية على التطور.
ومن هذا المنطلق فإن عبلة كامل في كل مرة تدخل البلاتوه تبدأ في الإعداد للدور الذي ستؤديه من على خشبة المسرح أو السينما أو الدراما التلفزيونية التي تألقت فيها أكثر، وهى في هذا تتخذ مفهوما أو نظرية معينة في ممارسة هذه العملية إلى حين أن تنتقل من مرحلة الإعداد إلى مرحلة الأداء، وحين تبدأ في أداء دورها تكون قد اتخذت مفهوما أو نظرية للأداء بالضرورة، وهكذا تستمر عملية تطور مفاهيم ونظريات الإعداد والأداء الخاصة بـ عبلة كامل مواكبة لتطور فكر الإنسان ورؤيته عن الحياة والفن والتمثيل.
تبدو لي عبلة كامل وهى ترتدي أزياء وأقنعة الشخصية التي تلعبها أنها تجتهد في حركاتها المتنوعة لنقل أحاسيسها وأفكارها وتوضيح دورها ووظيفتها، ثم تستعرض الشخصيات عبر الحركات والإيماءات (أسماءها وتكوينها وخواصها)، بحيث تكون متفقة تماما مع الصفات النفسية والجسدية للشخصية ومنسجمة مع عناصر العمل الدرامي، وذلك عن طريق التشكيل الحركي وتنوع الأداء التمثيلي ووعيها كممثلة ساحرة في التواصل مع ذاتها في اعتداد قنوات التعبير الحسية المتكونة من خلال (الخيال، الانتباه، والصفاء، التركيز، الذاكرة الانفعالية، والتكيف)، ومن ثم تستطيع تجسيد أبعاد تلك الشخصيات عبر الحركات الإيقاعية، حيث تتحرك بمرونة جسدية عالية في جميع مناطق المسرح أو الكادر السينمائي أو المشهد الدرامي في التلفزيون، عبر تشكيلات جمالية تتضافر مع عناصر العمل الأخرى، ومن هنا فهي لا تهدأ أو تتوقف حركاتهم طيلة المشهد الذي تؤديه ببراعة مطلقة وتلقائية تؤكد سحر أدائها.
موهبة عبلة كامل الطاغية
ربما بدأ يتضح من خلال متابعتي للفنانة عبلة كامل، التي تتمتع بموهبة طاغية كيف إنها تركز على العاطفة التي يتم تجربتها أثناء تدريبها على الشخصية التي قد تعوق الصدق الفني عند غيرها من الممثلين، لذا فإنها تبدأ بالانتقال إلى مستوى متقدم في معالجة الشخصيات التي تجسدها على المسرح أو شاشتي السينما والتلفزيون، والتي تتطلب منها ارتفاع قدرتها كممثلة على التعبير الواقعي، وإن الممثل يجب أن يمتنع عن البحث عن حلول مثالية لا نجدها لا على خشبة المسرح ولا في الحياة، وفي هذا تسعى للبحث عن أحدث المصادر التي تعينها في تقديم أداء تمثيلي يرتقي لمستوى المنافسة التي تحتدم بالطبع بارتقاء ذائقة الجمهور على أثر ذلك التنوع الفني.
تتميز عبلة كامل، دائما في طريقة أدائها بالرشاقة والحركة من خلال المرونة الجسدية وتوظيف قدرتها الجسدية عن طريق تنوع مستويات الحركة وانتقالاتها عبر حركاتها وإشاراتها وإيماءاتها التي تتوافق دائما مع المؤثرات الصوتية، وتبدي نوعا من تلاحم الأداء في ما يخص (مجموعة الممثلين) الذين يشاركونها واستظلال مساحة في الحركة الانتقالية وصولا لتجسيد الشخصيات بأبعادها المختلفة من خلال تشكيلات جمالية مع عناصر العمل الآخر، ولهذا فهي تمزج خبرتها مع شغف الهواة في (كل موحد) في تجسيد الشخصيات بوضوح وبساطة من خلال تقنياتها الجسدية والصوتية وتوظيف العناصر السمعية والبصرية والحركية، وفي النهاية تصل إلى مستوى التمثيل الاحترافي.
هدوء ووقار عبلة كامل
يتسم أداء عبلة في كل أعمالها المسرحية والسينمائية بالهدوء والوقار والتركيز في النبر الصوتي على الكلمات، إذ الأداء الحركي ينشغل بالهدوء والسير الوقور وتوظيف الإيماءات المرافقة للكلام التي أغنت التعبير ودلالاته، وهو مايحدو بها إلى التقارب من حيث الحركة والإلقاء والتعبير الجسدي والصوتي والتشكيل الحركي، ذلك بحكم امتلاكها خبرة الأداء وتقنياته الجسدية والصوتية، إنطلاقا من أن خبرة الممثلين وإعدادهم الفني جسديا وصوتيا يمكنهم من أداء شخصياتهم بحرفية عالية، ولابد أنك تلحظ هذا واضحا جليا في كل أعمالها على مستوى المسرح والسينما والتلفزيون من خلال تجسيد شخصيات من لحم ودم.
تمتلك عبلة كامل، زمام المشهد بالكامل منذ اللحظة الأولى لظهورها على الشاشة لتطغى بأدائها على كل عناصر العمل، وعادة ما تقدم درسا احترافيا بامتياز فى فن الأداء التمثيلى سواء على مستوى الإلقاء والنطق المنضبط لمخارج الحروف وتشكيل حوار المونولوجات، أو على مستوى لغة الجسد المتلونة كالحرباء، أو على مستوى التلوين الصوتى للشخصية التي تلعبها فهي الفتاة الشعبية، أو المرأة الصعيدية بكل تناقضاتها وانكساراتها بصوتها المتحشرج الكسير تارة، أو همهمات تتحول بمجرد سماعها صوت المخرج القادم من عمق الزمن إلى وحش كاسر ممشوق القوام على الشاشة التي تمتلكها في العادة على جناح أدائها المبهر.
ملامح وجه عبلة كامل
ملامح الوجه وحركاتها وتعابيرها الصامتة كافية لتقديم أداء تمثيلي احترافي بالغ السطوة من جانب عبلة كامل، انفعالاتها، وبعضها مترجم بكلام يعكس شيئا إضافيا من ارتكاب أو اضطراب أو قلق أو عصبية، تساهم في تحويل الغرفة الصغيرة، المنغلقة على صاحبة الوجه المعبر بصدق، إلى عالم مفتوح على حالات مختلفة، كأن صاحبة الوجه المعبر بصدق بهذا كله تدخل العالم إلى الغرفة وتصنع لوحدها مسرحية أو فيلما أو مسلسلا تلفزيونيا مليء بالشغف، ويتمتع في الوقت ذات بالإثارة والتشويق.
ولدت الفنانة الموهوبة عبلة كامل في محافظة البحيرة ، نكلا العنب ، مركز ايتاي البارود ، خريجة جامعة القاهرة وحصلت على ليسانس الآداب – قسم مكتبات، وعاشت طفولة عادية لحين دخولها الجامعة، وبعد تخرجها عام 1984م بدأت مشوارها الفني، وبدأت حياتها الفنية على المسرح الطليعة، أول أعمالها مونودراما (نوبة صحيان)، وسرعان ما بدأت بنشاطها التمثيلي بالتلفزيون، وأول أعمالها الدرامية كان من خلال (الشهد والدموع) عام 1984م، من خلال دورها حيث لفتت أعمالها أنظار المحيطين بها مثل السينارست الكبير أسامة أنور عكاشة والمخرج اسماعيل عبد الحافظ ، ومن خلال عملها على المسرح مع الفنان محمد صبحي ، بمسرحية (وجهة نظر).
عبلة كامل.. لن أعيش في جلباب أبي
وقد عرف جمهور الشاشة عبلة كامل من خلال أعمالها التي تعد علامات بارزة في المسرح والسينما والتلفزيوت، وبدأت خطوة خطوة حتى احتلت مكانة بارزة في قلوب المشاهدين، وخاصة بعد نجاحها في مسلسل (لن أعيش في جلباب) أبي مع الفنان نور الشريف، وشاركت في عديد من المسلسلات الرائعة في لوحة الدراما التلفزيونية المصرية، وفي عام 1987 تنوعت مشاركاتها بين سينمائية وتلفزيونية فشاركت في الجزء الأول من مسلسل (ليالي الحلمية) بدور رقية البدري، وجسدت دور الدكتورة سهير في فيلم (يوميات امرأة عصرية)، ودور فاتن في فيلم (التعويذة).
في عام 1988 أطلت النجمة عبلة كامل، على جمهورها من خلال أربعة أفلام سينمائية هى: (حكاية نص مليون دولار)، و(سرقات صيفية) بدور عائشة، و(يوم مر ويوم حلو) بدور سعاد عبد الجبار، و(نهر الخوف) بدور كاميليا السعيد؛ كما شاركت في مسرحية (عفريت لكل مواطن)، ومسلسل (ثمار الشوك)، والسهرة التلفزيونية (الدرملي وصل)، وفي عام 1989 شاركت عبلة كامل في كل من فيلمي (سيدتي آنساتي) التي جسدت من خلاله دور آمال، و(صراع الأحفاد)، أما بالنسبة للمسلسلات التلفزيونية، فشاركت في الجزء الثاني من مسلسلات (ليالي الحلمية، بنات زينب، الزائرة، أحلام في الظهيرة)، كما جسّدت دور سنية في المسرحية الكوميدية (وجهة نظر)، إلى جانب كل من الفنان محمد صبحي والفنانة هناء الشوربجي، والعديد من نجوم مصر.
في عام 1990 شاركت عبلة كامل في سلسلة (ليالي الحلمية) في جزئها الثالث بالإضافة إلى مشاركتها في فيلم (اسكندرية كمان وكمان)، وفي عام 1991 ظهرت عبلة في دور تقى من خلال مسلسل (ضمير أبلة حكمت)، ودور سامية في فيلم (قانون إيكا)، وفي عام 1992 استمرت الفنانة عبلة كامل في دور رقية البدري في الجزء الرابع من (ليالي الحلمية) بالإضافة إلى تجسيدها دور رقية محمد المالكي في الجزء الأول من مسلسل (المال والبنون)، كما شارت في هذا العام في أربعة أفلام سينمائية هى (الفاس في الرأس، السرعة لا تزيد عن صفر، الستات، الحب في الثلاجة).
عبلة كامل .. ليالي الحلمية
أما في عام 1993 فقد كان لـ عبلة كامل مشاركة سينمائية وحيدة في فيلم (مرسيدس)، وعدة مشاركات تلفزيونية، فشاركت في مسلسلات (دموع صاحبة الجلالة)، أهل الطريق، أبناء ولكن)، كما كانت في العروض الأولى لمسرحية (غراميات عطوة أبو مطوة)، بالإضافة لمشاركتها في مسرحية (الحادثة المجنونة)، وفي عام 1994 اقتصرت مشاركتها الفنية على الفيلم السينمائي (سواق الهانم) بدور عواطف، وفي عام 1995 عادت للمشاركة في الجزء الخامس من مسلسل (ليالي حلمية) والجزء الثاني من مسلسل (المال والبنون)، ومسلسل (الزواج على طريقتي)، كما شاركت في فيلمي (قشر البندق، وسارق الفرح).
في عام 1996 كانت مشاركتها الأبرز من خلال مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي) بدور فاطمة الكشري، فقد استطاعت عبلة كامل من خلال هذه الشخصية جذب أعداد هائلة من الجمهور المصري وإقناع العديد والعديد بموهبتها وظهورها القوي، وقد شاركت في هذا العام أيضا في مسرحية (جنون البشر)، وفي عام 1997 شاركت عبلة كامل في الجزء الأول من مسلسل (هوانم جاردن سيتي) بدور شكران الشاذلي، كما جسدت دور العصماء في المسلسل التاريخي (هارون الرشيد).
في عام 1998 شاركت عبلة كامل في ثلاثة أعمال تلفزيونية هى (امرأة من زمن الحب) بدور لبيبة، و(اللص والكلاب) بدور نبوية، والجزء الثاني من (هوانم جاردن سيتي)، بالإضافة إلى مشاركتها السينمائية في فيلم (هيستيريا) بدور وداد كما جسدت شخصية تحية عبد الناصر في فيلم السيرة الذاتية (جمال عبد الناصر)، وفي عام 1999 شاركت في المسلسل الإذاعي (لما بابا ينام)، وفيلم (عرق البلح) بدور سليمة، وفيلم (أشيك واد في روكسي) بدور فاتن الصاوي، وفيلم (المدينة) وفي عام 2000 شاركت في مسلسل (حروف النصب) بدور تفيدة أو توتة – كما أُشيع – ومسلسل (حلم العمر)، بالإضافة لمشاركتها في مسرحية (اعقل يا دكتور).
عبلة كامل والليمبي
عام 2001 ظهرت عبلة كامل بشخصية جليلة في المسلسل التلفزيوني (حديث الصباح والمساء)، وشخصية رحمة في مسلسل (البر الغربي)، كما شاركت عام 2002 في مسلسل تلفزيوني وحيد وهو (أين قلبي) بدور وصال، وفيلم سينمائي واحد هو (اللمبي)، وفي عام 2003 كانت في فيلمي (اللي بالي بالك، وكلم ماما)، وشاركت بشخصية فريدة في المسلسل التلفزيوني (حد السكين)، وفي عام 2004 اشتهرت بدور فرنسا في الفيلم السينمائي الكوميدي (خالتي فرنسا)، وشاركت في مسلسلي (عيش أيامك، وعفاريت السيالة).
عام 2005 جسدت عبلة كامل شخصية ريا في المسلسل التلفزيوني (ريا وسكينة)، وظهرت بدور حنيفة في الفيلم الكوميدي الاجتماعي (سيد العاطفي)، وفي عام 2006 شاركت في فيلم (عودة الندلة)، ومسلسلي (قضية نسب، والعندليب: حكاية شعب)، واقتصرت مشاركتها عام 2007 على المسلسل التلفزيوني (حق مشروع) بدور كاملة، ليتبعه عام 2008 مسلسل (هيمة – أيام الضحك والدموع) بدور إنصاف والفيلم السينمائي (بلطية العايمة) بدور بلطية.
عام 2009 شاركت عبلة كامل فقط في الجزء الأول من مسلسل (أفراح إبليس) بدور كمالات، وفي عام 2010 شاركت في المسلسل الكوميدي (نص أنا نص هو) والفيلم السينمائي (الكبار) بدور أم علي، وفي عام 2013 كانت لها مشاركة وحيدة في الجزء الأول من مسلسل (سلسال الدم) بدور نصرة، ثم تابعت تجسيد هذه الشخصية على مدار خمسة أجزاء متتالية، ففي عام 2015 كان الجزء الثاني وفي عام 2016 كان الثالث وفي عامي 2017 و2018 كانت الأجزاء الرابع والخامس على التوالي.
رصيد عبلة كامل الفني
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة عبلة كامل التي سجلت في رصيدها الفني الكثير من الأعمال القيمة والجديرة بالاحترام ومازالت نجمة فوق العادة، تحمل داخلها موهبة تلقائية وفطرية، ويبدو وجهها كأنها لا تعرف شيئا في الحياة سوى التمثيل، وقد يكون ذلك سبب بعدها عن الإعلام، هو ما أتاح الفرصة للبعض أن يتصيد الأخطاء، ولكن للجمهور رأي يخالف آراء النقاد حول نفاد طاقة عبلة فنيا، إذ يرون أن أدوارها تجسيد لحالة رائعة لا تتكرر كثيرا، تتدفق بمشاعرها، وتمتلك مقدرة جبارة على تغيير ملامحها ما بين الحزن والفرح حتى في لحظات سكوتها، ولا يعرف المشاهد هل هى حزينة أم سعيدة، وهو ما ينعكس على أعمالها التي أفرزت من خلالها طاقة عالية تزيد شعبيتها بشكل جعل المنتجين يتهافتون عليها لأنهم يعلمون أن اسمها فى أى فيلم سينمائى أو تلفزيوني بات الورقة الرابحة.
وبعد كل ما مضى يبدو واضحا أن تمتلك طاقة فنية هائلة في المسرح والسينما والتلفزيون، ومن ثم لايح قول البعض أن أفلامها لا تحمل مغامرة إبداعية، ويتم وضعها بأدوار فقيرة، ويخرج منها نفس الأداء وكأنه فرض عين يستهلك المعنى والقيمة على حساب إمكاناتها، وبالتأكيد هى تستحق التكريم في مهرجانات السينما والمسرح والتلفزيون جراء اجتهادها في أداء عذب ونقي لايمكن أن يتكرر، لذا أرجو أن تكفوا عن الكلام والثرثرة الساذجة والعدوانية عن عبلة كامل القامة والقيمة في الفن المصري الحديث والمعاصر.